إنّ هذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كلّ الخلافات والحزازات الاجتماعية والعقد الشخصية بين الإنسان والآخرين، وقد حثت الروايات الكثيرة على ذلك، إلى حد أنّ بعض الروايات تصرح: بأنّ مغفرة الله وعفوه عن الإنسان يبقى مجمداً فترة طويلة، حتى يزيل ما بينه وبين الآخرين من خلاف وتباعد، حتى وأن كانوا هم المخطئين في حقه، ففي حديث عن الإمام الرضا (ع): "في أوّل ليلة من شهر رمضان يغل المردة من الشياطين ويغفر في كلّ ليلة سبعين ألفاً فإذا كان في ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم إلّا رجل بينه وبين أخيه شحناء، فيقول عزّ وجلّ: انظروا هؤلاء حتى يصطلحوا" وحتى لو كان أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً فإنّهما معاً يتحملان إثم الهجران والقطيعة، إذ المظلوم منهما يتمكن من أن يبادر لأخيه بالتنازل وإزالة الخلاف، ففي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلّا برئت منهما في الثالثة فقيل له: يا بن رسول الله: هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال (ع): وما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول: أنا الظالم حتى يصطلحا". فما أوضحها من دعوة للمصالحة الاجتماعية، وما أعظمها من نتيجة لو تحققت خلال هذا الشهر الكريم، وما أكبر منزلة تلك القلوب التي تستطيع أن تتسامى على خلافاتها وتتصالح في شهر الله من أجل الحصول على غفران الله؟ من هنا يحتاج الإنسان حقاً إلى قلب طاهر زكي ونية خير صادقة، كما قال (ص): "فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة". فهنيئاً لمن يستفيد من أجواء هذا الشهر المبارك في الانفتاح على ذاته، وإصلاح أخطائه وعيوبه، وسد النواقص والثغرات في شخصيته، فيراجع أفكاره وآراءه ويدرسها بموضوعية، ويتأمل صفاته النفسية ليرى نقاط القوة والضعف فيها، ويتفحص سلوكه الاجتماعي من أجل بناء علاقات أفضل مع المحيطين به. وبهذه المراجعة والتراجع عن الأخطاء يتحقق غفران الله تعالى للإنسان في شهر رمضان، أما إذا بقي الإنسان مسترسلاً سادراً في وضعه وحالته فإنّه سيفوّت على نفسه هذه الفرصة العظيمة، وسينتهي شهر رمضان دون أن يترك بصمات التأثير في شخصيته وسلوكه، وبالتالي فقد حرم نفسه من غفران الله تعالى، ويصدق عليه ما قاله الرسول (ص): "أنّ الشقي من حرّم غفران الله في هذا الشهر العظيم". وحقاً إنّ مَن لا يستفيد من هذه الفرصة ولا يستثمر هذه الأجواء الطيبة يكون شقياً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق