• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

احترام الإسلام للعهود والمواثيق

عمار كاظم

احترام الإسلام للعهود والمواثيق

بعد إتمام صلح الحديبية بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقريش في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، تململ بعض المسلمين واعترضوا، واعتبروه هزيمةً وتنازلاً، فنزلت على رسول الله هذه الآيات من سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (الفتح/ 1-3).

وكانت هذه الآيات ردّاً على المشكّكين، وطمأنةً للمؤمنين الذين لم يكونوا يعلمون أنّهم وبعد أقلّ من سنتين من صلح الحديبية، سيعودون فاتحين إلى مكّة، منتصرين محطّمين الأصنام.

أمّا المسلمون، فبعد كلّ الصبر والثبات، تمكّنوا من رسم معادلة جديدة مع قريش، وستكون هذه المعادلة فاتحةً لنصر المسلمين، فهيبة قريش اهتزّت، ولم تعد هي المبادرة التي تفرض شروطها وقراراتها، باستنادها إلى بطشها وجبروتها.

في صلح الحديبيّة دروس يجب أن نستلهمها ونتوقّف عندها، لكن هناك درس أساسي رائع ومهم، وهو احترام الإسلام للعهود والمواثيق حتى لو كان ذلك مع قريش، وما أدراك مَن قريش؛ ناقضة العهود، محيكة للمؤمرات والدسائس والفتن.

فقد ذكرت السيرة، أنّه ما إن انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من توقيع العقد مع موفد قريش سهيل بن عمرو، حتى جاء أبو جندل، وهو ابن سهيل هذا، وكانت القيود لا تزال في قدميه بعدما حبسه أبوه لمنعه من الالتحاق بالمسلمين، فلما رآه والده، قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمّد، هذا أوّل ما أقاضيك عليه، ردّه إليَّ، كما نصّت المعاهدة بيني وبينك وهي لم يجفّ حبرها بعد. فأعاده رسول الله إليه، وقال لأبي جندل: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنّا لا نغدر بهم».

هكذا، يُقدِّم رسول الله درساً عمليّاً في الوفاء بالعهد، لأنّه قيمة، لأنّه أخلاق، لأنّه ما يميّز المؤمن المطيع لربّه، ورسول الله هو القائل: «ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهنّ رخصة، منهنّ الوفاء بالعهد للبرّ والفاجر»، وما قاله رسول الله ليس تنظيراً أو كلاماً يُقال، إنّما كان هذا نهجه وسلوكه، ولهذا قال لنا القرآن الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب/ 21).

المسلمون عند شروطهم، لا يغدرون أو يغيّرون. هذا ما يريد الرسول للمسلمين أن يكونوا عليه، لا أن يكون دينهم الخيانة والتملّص من الوعود والعهود والمواثيق والالتزامات. إنّ أيّ التزامات هي تدخل ضمن العهود الشرعية.

الالتزامات ضمن العلاقات الفردية والعائلية، والالتزامات ضمن الوظيفة، والالتزامات بالمجتمع والقوانين والمواطنة، كلّ هذه لا يحقّ لنا تحت أيّ حجّة، ومهما كان الآخر سيئاً، أن ننقلب على ما التزمنا به أو تعاهدنا عليه. هذه هي الصورة الحقيقية التي يجب أن نتفقّدها فينا كمسلمين، إنّها معيار ومقياس جنباً إلى جنب مع الأمانة والصدق، لا بل إنّ الوفاء بالعهد يتضمّن أمانة ويتضمّن صِدقاً.

ارسال التعليق

Top