• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثرثرة العمل.. بين الإنتاجية وقتل الروتين!

ثرثرة العمل.. بين الإنتاجية وقتل الروتين!

في هذا الموضوع إستطلاع لا يكاد يخلو مكان عمل من الثرثرة وتكاد تستفزك الثرثرة في بعض المؤسسات الحكومية التي تتخطّى الحدود ولا تبالي بوقت العملاء.
بديهياً، تعتبر الثرثرة "مضيعة للوقت"، بيد أن دراسة جديدة كشفت أنّ "أحاديث القيل والقال والنميمة واللغو في العمل مفيدة وتساعد على خفض مستويات التوتر عند الموظفين وتزيد إنتاجيتهم".
آراء الناس التي تباينت بين "محب للثرثرة" و"كاره لها" وإستنباط مضامين الثرثرة داخل العمل حيث معظم المستطلعين تجنبوا الإعتراف بأنّ "الثرثرة تصل إلى حدود النميمة على زملائهم ومديريهم".
يرفض عيد عبيد سالم (موظف) نتائج هذه الدراسة حيث يجدها عكسية: "الثرثرة تخفّض الإنتاجية في العمل. فالموظفون الذين يتلهون بالقيل والقال لا يمكن لهم أن يعملوا بمستوى الموظفين الذين لا ينشغلون بالثرثرة ويركزون على أدائهم العملي".
إذاً، الثرثرة مضيعة للوقت وإهمال للعمل وضعف في الإنتاجية، ثالوث مدمّر لكل نتائج الدراسة ويضاف إلى الثالوث النساء باعتبارهنّ ومن وجهة نظره "الأكثر ثرثرة في العمل والسوق والصالون وخلال العريس".
رغم رأيه المتشدد، نجد لدى عيد منفذاً للثرثرة التي يجد أن لها "وقتاً بعيداً عن أجواء العمل ولا تتعدّى الثرثرة في العمل هدف "قتل الروتين" ومعاودة دورة الإنتاج".
- أنا أثرثر.. أنا سعيد!
يوازي راشد أحمد بين "فوائد الثرثرة وسلبياتها ليصل إلى خلاصة "أن الثرثار لا يستفيد ولا يمكن أن ينجز شيئاً كون الحديث ينصب على أمور خارج موضوع العمل".
جل أحاديث الموظفين تتمحور حول "السيارات، الأفلام وأحياناً الفتيات". يقول راشد: كلها "سوالف شباب" ويمكن للجو الإيجابي بعد الثرثرة أن يقود إلى تركيز لا يراه راشد "تركيزاً نهائياً وإن كنت أشعر بزوال التوتر والضغط بعد جلسة الثرثرة"، معربا عن يقينه أنّ النساء هنّ الأكثر ثرثرة في كل مكان سواء في العمل أو في مكان آخر. ومؤكداً أنّ الثرثرة حول أمور تمس الآخرين "تدرج في سياق النميمة وهذا مكروه شرعاً".
لا يخفي محمد عبدالكريم أنّ الثرثرة في مجال العمل "أمر مفروغ منه" وإن كان يعتقد بإمكانية أن يؤدي هذا التوجه إلى "تقليص الضغط على الموظف وزيادة إنتاجيته".
يضحك محمد طويلاً قبل أن يؤيد مدى التأثير الإيجابي للثرثرة على القلب: "فأنا أثرثر كثيراً وأشعر بالراحة بعد الثرثرة ولكن كلها "سوالف شبابية" لا تصل إلى النميمة كوننا لسنا في عواجيز".
وعلى الرغم من "فوائد" الثرثرة على أدائه القلبي والذهني، لا يوافق محمد على إعتماد اللغط على الدوام وبالأخص خلال إنجاز المهام المطلوبة: "فلا مجال لأي ثرثرة في حال تراكم العمل وفي حال كنت غاضباً، ألجأ إلى صديقي الأقرب لمجرد الفضفضة والشعور بالراحة".
- أحاديث فارغة!
تأخذ قمر محمد بالوجه السلبي للثرثرة لجهة إعاقتها العمل ودورة الإنتاج ولكن باعتبارها متخصصة في طب الأسنان، تجد أنّ الثرثرة مفيدة صحياً كونها تجعل "الجسم يفرز هرمون الأندروفين، بما يقلّص أمراض القلب".
بالنسبة لها، لا يجد اللغو سبيلاً إلى عملها الذي يتطلب تركيزاً وتوجه نحو إتجاه أكثر إيجابية بتحسين بيئة العمل للموظفين تفاديا للثرثرة. توضح قمر: "لا يجوز أن تتطرق في العمل إلى أشخاص بعينهم. وكما يتم إعداد استبيان لقياس رضا العملاء، يمكن أن يعبّر الموظف من خلال استبيان لقياس رضا الموظفين عن العمل والراتب وأسلوب المعاملة وإيصال هذه الهواجس إلى المديرين".
هذا الأداء تشير قمر إلى أنّه تم إعتماده في بعض الجهات الحكومية من خلال تطبيق برامج التميز في بعض الوزارات والمؤسسات الرسمية حيث "أي شكوى يتم حلها للموظف وبالتالي نطاق الثرثرة بتقلّص".
أما مضامين الثرثرة فلا تخرج عن نطاق النميمة والغيبة والكلام غير المفيد، بحسب قمر.
ترهن غادة أمين اللجوء إلى الثرثرة بالنوعية والتوقيت: "سواء كانت مجدية أو مضيعة للوقت". تقول: "في حال تمحورت الثرثرة حول أمور العمل بسلبياته وإيجابياته وكان للموظف صديق مقرب يمكن أخذ رأيه وتبادل الحديث معه، شرط ألا يكون الأمر على الملأ وعند أداء مهام وظيفية تتطلب التركيز".
ترفض غادة الكلام للنميمة: "هناك فرق بين أن أقترح وأثرثر من أجل تحسين بيئة العمل للموظفين أو أخوض في أمور شخصية تؤطرها النميمة".
تعترف أنّ الثرثرة تأخذ بعضاً من وقتها ولكنها ثرثرة لا تتخطى الجانب المهني حيث "كنّا دوماً نتحدّث عن تصرفات زميلاتنا مع المرضى وكيف يمكن التعامل مع الوضع، وكيفية إراحة المريض والوسائل التي يمكن أن تجني الفائدة من إعتمادها".
تقول: "كثيرات يستغللن الجانب المهني لسرد أحاديث فارغة أو النميمة عن زملاء لهم، ولكني سرعان ما أغيّر الموضوع وأضعه في السياق المهني كون لا تنقصنا سيِّئات".
- بعض من نميمة!
ريم حلوم صريحة لدرجة لا يمكن معها رصد إيقاع "ثرثرتها". تقول بأريحية: "لا شيء أجمل من الثرثرة، فهي مفيدة جدّاً ويتطلبها مجال عملي في بيع فساتين السهرة، فلولا الثرثرة لما استطعت بيع أي قطعة".
لا تصمت ريم عن أمر لا يعجبها وتعترف بأنّها "تنّم أحياناً عن بعض من لا تحبذ تصرفاته" وتعترف بالأثر الإيجابي للثرثرة في شعورها بالراحة وزوال الهموم من القلب. ترفض الصمت بالمطلق: "عدم الكلام قد يقودني إلى الإنفجار" وتعترف: "بالطبع، المدير لا يحب حديث الموظفين في أمور شخصية".
هذا الإنفجار تتفاداه زميلتها سهام محمد (موظفة) بالثرثرة التي لا تتجاوز حدود "الحديث عن الموضة والماكياج وحياتنا اليومية والروتين القاتل".
تقول سهام: "خلال العمل، لا أحب الثرثرة عن الموظفين الآخرين ولكن أشعر بالراحة بمجرد تجاذب أطراف الحديث مع زميلة مقربة لي".
تجد سهام أن أي مهنة تتطلب "كثرة كلام"، في وقت، تتطلّب مهن أخرى تركيزاً وتكاد الثرثرة تضيّع الكثير من المهام، مؤكدة أنّ "على الفرد ألا يخرج خلال العمل في أحاديثه عن نطاق المهنة والعمل ويمكن تداول الأمور الخاصة خارجاً مع الصديقات".
* د. سعاد الشريف: المؤسسات المهنية البحتة تؤثر على نوعية الإنتاج!
تجد الدكتورة سعاد الشريف، أستاذة إقتصاد في جامعة الشارقة أنّ للثرثرة جانبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي و"يتجلّى عندما تتجاوز الثرثرة حدها حيث إنّ الفرد عندما يسترسل في الحديث واللغو أثناء العمل، فهذا من شأنه أن يعيق العملية الإنتاجية ويفرز مشكلات نتيجة المضمون السلبي لتلك الأحاديث أو في حال أثارت غيظ أحد". في المقابل، تتلمس د. الشريف وجهاً سلبياً للصمت المميت: "في هذه الحالة، يدخل الموظف صامتاً لا يثرثر مع أحد ولا يقيم أي علاقة إجتماعية مع أحد المحيطين به، ممّا يسهم في خفض الإنتاجية كون الفرد يعمل على مدى سنوات وليس ليوم واحد وبالتالي العلاقات لا يمكن حصرها في السياق المهني بل في السياق الإجتماعي".
من هذا المنطلق، من شأن الثرثرة أو "الفضفضة" ومشاركة الآخرين بعض أحاديثهم والشعور بالجو الأسري داخل العمل أن يزيد إنتاجية الفرد.
تدرج الدراسة موضوع السؤال سلاحاً ذا حدين: "فالثرثرة المبالغ فيها تولد نوعاً من التوتر لدى آخرين وتؤدي إلى السلبية".
فالمفروض عدم الثرثرة في أمور خاصة بالعمل كونها "يمكن أن تؤثر سلباً على من يقصد مكان العمل لإنجاز خدمة في حال كان الموظفون يتداولون في أمور شخصية في العمل وفي الوقت نفسه المؤسسات التي تكون فيها العملية مهنية بحتة ولا تتخللها علاقات و"فضفضة" بين الموظفين، من شأنها أن تترك أثراً سلبياً على منظومة العمل ونوعية العملية الإنتاجية".
بيد أنّ الثرثرة رهن بطبيعة العمل المطلوب وجهات العمل. توضح الشريف: "بعض نوعية المهام تتطلب تركيزاً وأي "تشتت" يمكن أن يضر بنوعية العمل نفسه ومهن أخرى يمكن خلالها تجاذب أطراف الحديث، شرط أن تكون العملية واضحة بين الموظفين والمديرين حول المهام المطلوبة من الموظفين وتوقيت إنجازها لتسيير عملية الإنتاج وفق تخطيط واضح ومدروس".
* أحمد الشيبة: إنجاز الموظفين هو الفيصل وأترك لهم حرِّية الثرثرة!
يرى مدير مركز الخليج للدراسات النفسية والإجتماعية أحمد الشيبة، أنّ الثرثرة تكون تبعا لطبيعة الفرد الإجتماعية: "فالبعض لا يستطيع البقاء من دون ثرثرة أو بالأحرى من دون تواصل إجتماعي، في وقت يجد البعض أنّ طاقته تنفد جرّاء كثرة الثرثرة".
لا تخضع المسألة لقياس العمل والإنتاجية بل "تعود لطبيعة الشخص وتقاس مدى جدواها تبعا لتلك الشخصية وأثرها على الدورة الإنتاجية.
وإن كانت صفة "الثرثار" غير محمودة، بيد أنّ الشيبة يوزّع هذه الصفة إلى أصناف تتراوح بين "ثرثرة إيجابية تتناول العمل تحديداً وحيادية لا ضرر منها وسلبية تصل إلى حدود النميمة والكذب والإساءة".
لا يرتبط "نمط" الثرثرة بزيادة الإنتاج: "يمكن للثرثرة أن تزيد من إنتاجية البعض كونه يشعر بالراحة في النميمة عن الآخرين ولكن السؤال يتمحور حول مدى أثر هذه الزيادة في الإنتاج على العمل نفسه".
يدير الشيبة مركزاً خاصاً ويتبع أسلوباً "مثمراً" في الإدارة: "أعد تقييماً شهرياً لكل موظف بحيث تكون هناك ورقة يملأها على مدى الشهر يجيب فيها عن الأمور التي تعرقل العمل والأمور التي تزيد من الإنتاجية.
ومن خلال الإستبيان الشهري، يتبيّن أن المحفزات هي وضوح المهام، وجود جدول زمني للإنجاز والعمل بروح الفريق.
وفي هذا السياق، يجد الشيبة أنّ التواصل المباشر مع المدير يجعل من الموظف أكثر قدرة على زيادة الإنتاجية و"لا أذكر أن أحداً شكا من كثرة كلام موظف وإعاقته للعمل".
غير أنّ مدير مركز الخليج يذكر موظفا "كثير الكلام وقليل الأفعال": "كان يثرثر ليل نهار عما يمكن أن يفعله وعند التطبيق لا نلمس شيئاً".
يؤكد: "الإنجاز هو سيد الموقف وأترك للموظفين حرِّية الكلام ما داموا ملتزمين بمواعيد إنجاز المهام المطلوبة منهم".

ارسال التعليق

Top