إذا لم يغلغل الإنسان النظر في معنى السلام فإنه يبقى حائراً أمام قول الرسول (ص) :" أفلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم "(رواه مسلم)، ويحقّ له أن يتساءل كيف تؤدّي كلمة بسيطة يسمعها المرء ويقولها عشرات المرّات يومياً إلى خلق جوّ من المحبّة والألفة في العلاقات بين الناس؟ إنّ السلام الذي يؤدي هذا الغرض العظيم ليس كلمة يتمّ تبادلها بحكم العادة، وإنما قولها تعبير خارجي عن قناعة داخلية وتجسيد لمبدأ راسخ يجب أن يصدر عنه المسلم وهو الثقافة السلمية، فالأصل في العلاقات بين الناس هو السلم والأمن كما يدلّ على ذلك النسق الإسلامي كله، وعندما يلقي المؤمن السلام على غيره فكأنما يقول له : أنت في حفظ الله، الله معك، الله يصحبك، سلامة الله ملازمة لك، ذلك أن السلام اسم من أسماء الله يؤتي ثماره التربوية في واقع الناس عندما يتعاملون معه بوعي وبصيرة، والمؤمن المتخلق بأخلاق الله يحمّل السلام الذي يلقيه على الغير شحنة من الأمن والعافية والطمأنينة والخير، فكأنه يقول لهم : لا تخافوا منّي ولا تخشوا جواري ولا كلامي ولا سلوكي، فإنما كل ما يصدر مني سلم بحكم إيماني بأبعاد اسم الله تعالى " السلام "، ولنا أن تتصوّر النقلة البعيدة التي يحدثها مثل هذا الفهم وهذا السلوك في العلاقات الاجتماعية، إنه ببساطة يخلق" التحابّ " الذي تحدث عنه من لا ينطق عن الهوى (ص)، وإننا نشكو من سيطرة الثقافة العدوانية بين المسلمين رغم شيوع صيغ التحية بالسلام عندهم لأنها صيغ طقوسية آلية لا حظّ لها مع الرسوخ الفكري والوجداني ، لذلك يطلقون كلمة السلام بأفواههم بغير اكتراث بخلفياتها التربوية الإيمانية وأبعادها الواقعية الملموسة، فأنىّ لهذا المنهج المتناقض أن يجعل المحبّة تنبع من تحيتهم وتحكم علاقاتهم؟
إن علاج أمراض المجتمع يبدأ من إحلال ثقافة السلم والرحمة محلّ ثقافة العنف والنقمة، وتحية " السلام " إذا فقهنا معناها وأصبحت تجسيداً لتصوّر عقيدي واضح كفيلة بطرد المشاعر السلبية من النفوس وتحويلها إلى مشاعر إيجابية تبعث على البناء بدل الهدم و الجمع بدل التفريق و إيقاد شموع الأمل بدل إضرام النار في الأخضر واليابس، وهذا عين ما يدلّ عليه الحديث النبوي.
إن السلام المنتج للمحبّة ثقافة، وهو جزء أصيل من العملية التربوية يجدر الإقبال على توضيحه وترسيخ معانيه وأبعاده وردم الفجوة بين كلمة " السلام " وواقعنا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق