• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إعلاء كلمة الحق في يوم المباهلة

عمار كاظم

إعلاء كلمة الحق في يوم المباهلة

في التاريخ الإسلامي ترتبط كلمة المباهلة بإحدى أهم الحوادث الإسلامية، التي ذكرها القرآن الكريم في سورة آل عمران، الآية 61، في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. حيث يصادف يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة يوم المباهلة، والمباهلة هي طريقة إسلامية تكون في نهاية الحوار بين الآراء المختلفة، عندما يستنفد الجميع الحوار فيما بينهم حول قضايا العقيدة، ويأبى أحد الطرفين أن يقرّ بالحقيقة من وجهة نظر الطرف الآخر، فيدعو الطرف الذي يعتبر نفسه أنّه يملك الحقيقة، الجانب المنكر إلى المباهلة، بأن يلتقي مع أحبّ الناس إليه مع الطرف الآخر فيمن يختاره، ويقفا أمام الله ليدعواه ويبتهلا إليه أن يجعل لعنته على الكاذبين، ومن المعروف في تجربة المباهلة أنّ الله تعالى يُنزل العذاب على الكاذب منهما.

إنّ يوم المباهلة، يوم مشهود، وهو مصدر عظمة في سلسلة الأيام الإسلامية وهو يوم تألق نوره بين الأيام المشعة في الرسالة المحمدية، وهو يوم مشهود حقت فيه كلمة الله العليا، وتمت فيه الغلبة للإسلام. هو يوم المفاجآت الكبرى، والمواقف الحازمة والحاسمة، هو يوم سيكون مشهوداً على مدى الأجيال وامتداد الزمن، لا شبيه له ولا مثيل، إنّ المباهلة كانت جارية في الأُمم السابقة، ولها أُصولها وسننها.

أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة والدعاء على الطرف الآخر بالدمار والهلاك، وقوله عزّ وجلّ (نَبْتَهِلْ) أي نلتعن. وقد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية وقعت بين رسول الله (ص) ونصارى نجران. حيث أمر الله نبيّه بالمباهلة إذا جاءه من يجادله من بعد ما جاء من العلم والمعرفة، وأمره أن يقول لهم: إني سأدعو أبنائي، وأنتم أدعوا أبناءكم، وأدعو نسائي، وأنتم ادعوا نساءكم، وأدعو نفسي، وتدعون أنتم أنفسكم، وعندئذٍ ندعو الله أن ينزل لعنته على الكاذب مناّ ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. ولا حاجة للقول بأنّ القصد من المباهلة لم يكن إحضار جمع من الناس للّعن، ثم ليتفرقواّ كلّ إلى سبيله، لأن عملاً كهذا لن يكون له أي تأثير، بل كان المنتظر أن يكون لهذا الدعاء واللعن أثر مشهود عياناً فيحيق بالكاذب عذاب فوري. وبعبارة أخرى: فإنّ المباهلة وأن لم يكن القرآن ما يشير إلى تأثيرها، كانت بمثابة السهم الأخير بعد أن لم ينفع المنطق والاستدلال، فالدعاء وحده لم يكن المقصود بها، بل كان المقصود منها هو أثرها الخارجي.

إنّ آية المباهلة قد نزلت بحق أهل بيت النبي (ص)، وأنّ الذين أصطحبهم النبي (ص) معه للمباهلة بهم: الحسن والحسين وفاطمة وعليّ (عليهم السلام)، فإنّ أبناءنا الواردة في الآية ينحصر مفهومها في الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومفهوم نساءنا ينحصر في فاطمة (عليها السلام)، ومفهوم أنفسنا ينحصر في عليّ (ع) وهناك أحاديث كثيرة بهذا الخصوص. وجاء فيه عن الإمام الرضا (ع) قوله: «ميّز الله الطاهرين من خلقه، فأمر نبيّه (ص) بالمباهلة بهم في آية الابتهال. فقال عزّ وجلّ: يا محمد ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، فأبرز النبي (ص) عليّاً والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام). وقال (ص): فهذه لا يتقدّمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق». هذا هو الإسلام في منهجه، وهذا هو يوم المباهلة التي انطلق بها النبي (ص) مع الصفوة الطيبة من أهل البيت (ع)، الذين لا بد لنا من أن نتّبعهم لأنهم أخلصوا للإسلام وأهله، وأخلصوا للنبي (ص) الذي عاشوا في حضانته وتربيته وانفتحوا على كلِّ آفاقه.

ارسال التعليق

Top