• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إشباع الفراغ الروحي للمراهق

د. محمّد رضا بشير – د. إكرام أحمد بشير

إشباع الفراغ الروحي للمراهق

◄إذا أردنا أن نصف البيئة الاجتماعية فلن نجد أفضل من أن نعبر عنها أنها المادية الطاغية والفراغ الروحي، ولعل مما يزيد الطين بلة أنّ معظم برامج التلفاز والإعلانات في وسائل الإعلام المختلفة والمحلات في مراكز التسويق، كلّ هذا يغذي ذلك التيار المادي المطلق، ويزيد من الفراغ الروحي الكبير الذي يعاني منه معظم أفراد هذا المجتمع وخصوصاً من هم في سن المراهقة. إنّ الناشئ المسلم لا شكّ أنّه يتأثر بمثل هذه الموجة من المادية الطاغية إن لم يجد ما يشبع احتياجاته الروحية، وهذا الأمر لن يأتي بدون بذل الجهد من الآباء لأنّ التيار العام لا يساعد إطلاقاً على تغذية الروح أو ملء هذا الفراغ الروحي.

ولعل الرحلات الخلوية تعتبر من أهم الوسائل التي تعين على سد هذا الاحتياج عند الناشئ المسلم، حيث يشاهد جمال الطبيعة وبديع صنع الخلق سبحانه وتعالى ممثلاً في الأشجار والأنهار والبحيرات، ويجعله يتأمّل السماء والنجوم والكواكب خصوصاً إذا كانت الرحلات ليلية. وإذا نجح المربي في ربط هذا الجمال الرباني بآيات القرآن الكريم فإنّه يساعد بذلك على تعميق المعاني الإيمانية في نفس الناشئ المسلم. لا شكّ انّ اختيار الآيات القرآنية المناسبة والتي تتحدث عن عظمة خلق الله وتلاوتها أثناء هذه الرحلات يساعد الشباب على القرب من القرآن وفهم معانيه الكريمة، وبذلك يساهم في إشباع الفراغ الروحي. ولعلنا في هذا الصدد نذكّر ببعض تلك الآيات حتى يستخدمها الآباء في هذه الرحلات، ومنها:

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية/ 17-20).

(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الجاثية/ 12).

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ...) (الحج/ 18).

(أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) (النبأ/ 6-7).

إنّ تلاوة هذه الآيات الكريمات أثناء تلك الرحلات الخلوية بعون الله وفضله تعمق وتقوي المعاني الإيمانية وترقي بروحانية الناشئ المسلم.

وللدعاء أثر فعّال وعظيم على نفس الناشئ المسلم أيضاً في هذه الرحلات، فليحرص منظمو الرحلة أو الآباء على ترديد أدعية الصباح والمساء وأدعية الركوب والأدعية التي نصحنا بها رسول الله (ص) لنتقي بها من شرور المخلوقات الأخرى مثل الدعاء: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ومثل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، ولقد ورد أيضاً أنّ الرسول (ص) كان يأمر الصحابة إذا ارتقوا تلاً أن يقولوا "الله أكبر" وإذا قطعوا وادياً أن يقولوا "سبحان الله". وهكذا يربط المربي جمال الطبيعة بعظمة الخالق سبحانه وتعالى. إننا يجدر بنا جميعاً أن نتبع هذه السنن وأن نعلِّمها لأبنائنا أثناء الرحلات فلا يكون الأمر مادياً بحتاً ولكن يُربط كلّ شيء بالخالق سبحانه وتعالى، فيحس الناشئ المسلم أنّ لهذا الكون خالقاً عظيماً كريماً ويرتبط به أكثر وأكثر، وقد ورد عن رسول الله (ص) أنّه قال عن جبل أحد: "هذا جبل يحبنا ونحبه".

وممّا ننصح به أن يكون ذلك الإشباع الروحي جزءاً من برنامج متكامل لتلبية الاحتياجات المختلفة للناشئ المسلم، فإنّ سن المراهقة هي السن التي يبحث فيها الناشئ عن الحقّ ومعنى الحياة، وتجول في خاطره أسئلة كثيرة يبحث عن إجابات لها، فلو ترك الناشئ دون توجيه أو تركت هذه الأسئلة تجول بخاطره دون إجابة من والديه أو مَن يساعدونه أثناء مرحلة نموه فقد يلجأ الناشئ إلى مصادر غير مرضي عنها لإشباع حاجته الروحية وللإجابة عن هذه التساؤلات. وهذا أمر في منتهى الخطورة فالمجتمع مليء بأصحاب الأفكار الهدامة والاعتقادات المنحرفة ولا نعتقد أنّ أحداً من القرّاء يريد أن يقع ابنه فريسة لمثل هذه المجموعات أو الأفكار. لذا وجب على الآباء بذل الجهد في محاولة الإجابة عن تساؤلات أبنائهم وأيضاً اغتنام الفرصة لتعريف الناشئ المسلم بكلّ ما يحيط بموضوع اليوم الآخر والثواب والعقاب وكيف أنّهما هما الجزاء الطبيعي لمَن يعمل الخير ومَن يعمل الشر.

إنّ الناشئ في ذلك العمر يحب قصص البطولة والشجاعة ويبحث عن القدوة التي يقتدي بها في حياته، ولعل من أهم واجبات الآباء أثناء الرحلات الخلوية، وفي أوقات أخرى أيضاً أن يقرؤوا لأبنائهم قصص البطولة الواردة في سيرة الرسول (ص) وسير صحابته الكرام رضوان الله عليهم.

إنّ معرفة هؤلاء الأبطال يعد أحد الروافد التي تعين على إشباع الاحتياج الروحي للناشئ المسلم، ويسهم ذلك في أن يرفع من مستوى اقتناعه الوجداني والعملي بالإسلام، وتجعله يؤمن أنّ العيش في حدود هذا الدين الحنيف وحماه هو خير مصدر لسعادة الدارين. ونحن نحذّر الوالدين من الإخفاق في هذا الجانب، وإلا لجأ الناشئ إلى البحث عن البطولات من خلال أبطال الأفلام ونجوم الرياضات المختلفة الممثلة معظمها في كرات بأحجام مختلفة، سواء كانت كرة كبيرة مثل كرة السلة أو صغيرة مثل كرة الجولف!.►

 

المصدر: كتاب قبل أن يصبح ابنك المراهق مشكلة

ارسال التعليق

Top