نشأت فاطمة الزهراء (عليها السلام) في بيت النبوّة ومهبط الرسالة، فكان أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلّمها العلوم الإلهيّة ويفيض عليها من معارفه الربّانية. إنّ حياة سيِّدة النساء (عليها السلام) تعدّ صفحة خالدة على طول التاريخ، نقرأ فيها الذروة العليا من مبادىء العفاف والطهارة والاستقامة والعظمة، ما لا يمكن لأيّة أُنثى في صفحات الوجود أن تبلغه. ولم تنل فاطمة الزهراء (عليها السلام) مرتبة السيادة السامية لأنّها بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسب، ولكن الله تعالى اختارها وفضّلها على نساء العالمين، وأكرمها بما جاء على لسان الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى من الأحاديث الجمّة.
لقد قدّمت الزهراء (عليها السلام) أروع مثل للزوجة النموذج وللأُمومة العالية، في أحرج لحظات التاريخ الإسلامي الذي كان يريد أن يختطّ طريق الخلود والعلى في بيئة جاهلية وأعراف قبلية، فكان على الزهراء (عليها السلام) وهي بنت الرسالة المحمّدية الغرّاء ووليدة النهضة الإلهية الفريدة أن تضرب بسلوكها الفردي والزوجي والاجتماعي مثلاً حقيقياً وعملياً يجسّد مفاهيم الرسالة وقِيَمها تجسيداً واقعياً.
لقد حملت الزهراء (عليها السلام) كلّ أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت الرؤوفة العطوفة والرحيمة بالآخرين، وكانت الصابرة على كلّ تعقيدات الحياة ومشاكلها الخاصّة والعامّة. وكانت (عليها السلام) الابنة كأفضل ما تكون البنات لآبائهن، والزوجة كأفضل ما تكون الزوجات لأزواجهن، والأُم كأفضل ما تكون الأُمّهات لأبنائهن، والمسلمة كأفضل ما تكون المسلمات لمجتمعهن، كما أنّها لم تدع فرصة إلّا واستفادت منها، فكانت المعلِّمة لنساء عصرها، والمحدِّثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث رُوي عنها - من الرجال والنساء - أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكانت (عليها السلام) الصادعة بالحقّ، فوقفت أوّل امرأة مسلمة بين الرجال، لتخطب خطبة فيها الكثير من علم الإسلام وفقهه واحتجاجاته.
أمّا بالنسبة إلى عبادتها (عليها السلام)، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): «رأيت أُمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم وتكثر لهم من الدُّعاء ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثمّ الدار».
كانت السيِّدة الزهراء (علیها السلام) تعيش النشاط الرسالي، وكانت تعلِّم نساء المهاجرين والأنصار، وكانت المجاهدة التي تقف وتخطب في المسلمين دفاعاً عن الحقّ. وورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية أنّها: «سيِّدة نساء أهل الجنّة»، وفي رواية أنّها «سيِّدة نساء العالمين»، وفي رواية ثالثة أنّها «سيِّدة نساء المؤمنين».
إنّ على المرأة المسلمة أن تتخلق بأخلاق الزهراء (عليها السلام)، أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذات معنوياً وأخلاقياً وأن تكون في الطليعة في ميدان الجهاد والكفاح، وأن لا تهتمّ بزخارف الدنيا ومظاهرها، وأن تصون عفّتها وعصمتها وطهارتها، وفي البيت عليها أن تكون سكينة للزوج والأولاد. وبهذه الأخلاق الرفيعة يتم إنشاء مجتمع إسلامي فاضل متمسك بقيم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق