• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إستراتيجية الطاعة الموجهة

إستراتيجية الطاعة الموجهة

هذه الطريقة لا تعلّم الطفل أن يطيع والديه بسرعة فقط، بل يساعد الوالدين على ترك تكرار مرات ومرات والصراخ، وتتلخص فكرة "الطاعة الموجهة" في معاونة الطفل على الطاعة عمليّاً بتوجيه من الوالدين، ولكي تستخدم "الطاعة الموجهة" فأنت بحاجة إلى اتباع أربع خطوات:

خطوة 1: ابدأ بأمر طفلك بعمل شيء بسيط لا يستغرق منه أكثر من 15 ثانية لإنجازه، ويمكن أن تكون أوامرك مثل: ضع هذه الملاعق على المنضدة، خذ الكرة من على الأرض، ناولني الملح...

خطوة 2: إذا أطاعك الطفل ونفذ أمرك مباشرة، فلابدّ أن تشكره على طاعته، ولكن كن حذراً ولا تبالغ في المدح، فقل مثلاً: بارك الله فيك، وإذا لم ينفذ الطفل أوامرك فعليك أن تنتقل للخطوة رقم 3.

خطوة 3: إذا لم يبدأ الطفل في اتباع أوامرك خلال خمس ثوانٍ، فعليك أن ترشده بدنياً لتنفيذ ما أمرته به، قم بتكرار الأمر بنفس الكلمات والنبرات بالضبط مثال: "خالد ناولني الملح"، وأثناء إعادتك لما أمرته به تقدم نحو الطفل وأمسك بيدك ذراعه ووجه – برفق – نحو تنفيذ العمل الذي طلبته منه، فعلى سبيل المثال: ساعده وخذه حيثما يوجد الملح واجعل يده تمسك الملح، وأحضره هو والملح إلى المكان الذي كنت تقف أو تجلس فيه عندما طلبت منه الملح.

خطوة 4: بعد أن تساعد ابنك عملياً على تنفيذ ما أمرته به، امدح الطفل واشكره، لقد قمت بمساعدته عملياً وتوجيهه بدنيّاً (وهذه الطاعة الموجهة)، وهو فعل ما طلبته منه، صحيح أنّه فعل ذلك بمساعدتك لكنّه فعله، لذلك يجب أن تمدحه...

إنّ هذه السياسة الجديدة تجعلك تقوم بالأمر بينما الطفل يشبه الدمية، وهذا سيسبب صراعاً في رأس الطفل العنيد ويجعله يفكر قائلاً: إنّني لا أريد أن تجبرني أمي، وسوف أفعل أي شيء لأمنعها من إجباري على فعل ما لا أريد، والحل هو أن أفعل ما تطلبه قبل أن تجبرني، وفي النهاية سيفهم الطفل أمرين: أوّلاً: يجب أن يطيع أُمّه (أباه) لأنّه إن لم يفعله وحده بإرادته فسوف يفعله معه أُمّه رغماً عنه، ثانياً: إذا قرر الطاعة من تلقاء نفسه فسوف يظل مسيطراً على الموقف، وهذا اختيار مفضل لطفل شديد العناد لا يحب أن يسيطر عليه أحد...

 

قواعد ومحاذير ممارسة الطاعة الموجهة:

عند استخدامك لهذا الأسلوب ننصح بالتالي:

·      عليك أن تظل تضع لطفلك أوامر طوال الوقت مستخدماً الخطوات الأربع السابقة، واحرص على أن تعطي طفلك في اليوم الواحد خمس أو عشر إلى عشرين أمراً لينفذها بطريقة الطاعة الموجهة، وذلك حسب ما تراه مناسباً لطفلك.

·      ضع بين كلّ أمر تطلبه من طفلك والذي يليه فاصلاً من الزمن مقداره عشر أو عشرون دقيقة أو ساعة أو ساعتان، المهم أن يكون بين الطلبين فترة مناسبة من الزمن.

·      إنّ فكرة الطاعة الموجهة تنجح بشكل جيد مع الأطفال من سن 3 سنوات إلى 9 سنوات، ولا ننصح أن يجرّب أي شخص التوجيه البدني مع ابن عمره 15 عاماً لأنّ هذا قد ينتهي بشجار سيئ وعدوان فظيع.

·      عليك أن تظل هادئاً أثناء تجربة "الطاعة الموجهة" وإياك والصراخ أو السباب أو الضرب.

·      اجعل كلّ ما تطلبه من طفلك أشياء تحتاج إلى تنفيذها الآن مثل: فتح الباب، إحضار الماء، إمساك طرف الخيط، حمل الطبق للمطبخ بعد الأكل... لأنّ هناك أشياء تطلبها من طفلك ولا يشترط تنفيذها حالاً مثل: كتابة الواجب، إغلاق التلفاز، جمع لعبه، فكلّها أشياء تقبل التفاوض وتقبل التأجيل بعض الوقت، ويمكنك استخدام فكرة "الطاعة الموجهة" عندما تتفق مع طفلك على موعد ينهي فيه ما طلبته ولا يستجيب، عندها فقط يكون الأمر واجب التنفيذ.

 

تجربة في الطاعة الموجهة:

لقد كان "خالد" طفلاً خبيراً في الاهتمام الاختياري بما تأمره به أُمّه، فهو يسمع ما يحب ويهمل ما لا يحب من كلمات أُمّه، لقد أصابها بالجنون فهي تكرر طلبها منه مراراً وتكراراً حتى ينتهي الأمر بصراخها، ولقد صحبته لفحص السمع وهي تعرف مسبقاً أنّه بخير، حيث إنّه كان يسمع ما يريد سماعه، وعندما تأكدت أنّ "خالداً" يتجاهلها بمزاجه قررت أن تجرّب إستراتيجية "الطاعة الموجهة"...

وفي اليوم التالي عندما كان خالد مشغولاً بالمكعبات، سمع أُمّه تنادي عليه قائلة: خالد تعال هنا من فضلك، ورد قائلاً إنّه سيفعل، ولكن بدلاً من الذهاب إليها استمر في اللعب متظاهراً بأنّه نسي، وبعد دقيقتين فوجئ خالد بيد أُمّه على كتفه وهي تقول: تعال فأنا أريدك، وساعدته على النهوض وذهبت به حيث كانت تقف وتنادي عليه، وهناك مدحته لأنّه استجاب لندائها، ولقد ارتبك خالد وتفاجأ، لأنّه كان منتظراً من أُمّه أسلوبها القديم فتكرر طلبها عشر مرات وعندما لا تجد نتيجة تصرخ فيه بما تريد...

وبعد ساعتين طلبت منه أمّه كوباً من الماء، وبأسلوبه المعتاد تجاهلها، وعندما كررت الطلب شعر بيدها على كتفه وهي تساعده للنهوض ليناولها كوب الماء، فقال لها: ابتعدي عني، وردت عليه الأُم قائلة: يا حبيبي إذا لم تسمع وتستجيب من أوّل مرة فسوف أساعدك على تنفيذ ما طلبته منك، وإذا كنت تريد ألا ألمسك فأنت تعرف ما يجب عليك فعله، فقط استجب لما أطلبه منك ولك الشكر، وساعدته في إحضار كوب الماء وشكرته... وكانت المفاجأة أنّها عندما أمرته في المرة الثالثة بفتح الشباك استجاب لها بسرعة، وهكذا فعل مع باقي ما طلبته منه بعد ذلك...

وفي نهاية تلك الليلة عندما كانت أم خالد تضعه في السرير قال لها وكلّه فخر واعتزاز بنفسه: إنّني أعرف كيف أجعلك لا تجبريني على فعل شيء، وسألته أُمّه: كيف؟ فقال وهو يبتسم: إذا قمت بعمل قليل من الأشياء التي تطلبينها؛ فإنّك لن تجعليني أفعلها رغماً عني، فقالت أُمّه وهي تقبله مبتسمة: يا لك من ولد ذكي...

 

الخبير تربوي عبد الله محمّد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا.. كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top