• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أولادنا وصعوبات التعلّم

أولادنا وصعوبات التعلّم
ما من بيت عربيّ إلا ويعاني – بدرجة أو بأخرى – صعوبات الدراسة لدى الأطفال، وهي مشكلة مزدوجة المسؤولية، أحد طرفيها سوء المناهج وتخلف طرق التدريب، وطرفها الآخر البيت وما يقدمه من دعم معنوي وغذاء، مرتبكين. هذا المقال يحاول إضاءة الموضوع بشقيه، لعلنا نتخفف من وطأة هذه الصعوبات. بداية تفرض بعض الأسئلة نفسها: ما هي صعوبات التعلم التي تواجه الطفل وكيف نتجنبها؟ وما دور الغذاء في تنمية الذكاء؟ وما السبيل إلى الخروج من فكّي الكماشة التي تحيط بمستقبل أمتنا من خلال تعرض أطفالنا لهذا الحصار؟ لقد عقدت إحدى المدارس الخاصة ندوة بعنوان: "كيف تكتشفين قدرات ابنك"؟ دُعي إليها خبراء في علم النفس التربوي من معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، وعلم النفس السريري (الإكلينيكي) بالجامعة نفسها، وأيضاً خبراء من جامعة (ماسا شوستس) الأميركية، وكاتبة هذه السطور، كما حضر الندوة عدد من الطلبة والطالبات في المراحل التعليمية المختلفة. في البداية تحدث د. إيهاب عيد الأستاذ بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، عن كيفية اكتشاف الطفل الذي يعاني صعوبات التعلم منذ الشهور الأولى، فقال: "لابدّ أن نعرف أنّ هذا الطفل ليس متخلفاً عقلياً، وإنما هو يعاني بعض الصعوبات التي إذا ما عولجت تحول إلى عبقري، لأن معظم هؤلاء الأطفال يكونون شديدي الذكاء. ويمكن للأُم أن تكتشف ان ابنها يعاني هذه الصعوبات من الأشهر الأولى من الحياة، حيث إنّه غالباً ما يتأخر في الجلوس أو المشي أو الكلام، ثم انّه يصعب عليه التركيز في لعبة واحدة لفترة طويلة فنجده ينتقل بين أدوات لعبه من دون أن يكملها، أما في مرحلة الدراسات فيجد الطفل صعوبة في متابعة كلام المعلمة، أو نقل ما يكتب على السبورة، وقد لا يجيب عند النداء على اسمه، حتى تقترب منه المدرّسة أو الأُم وتلمسه لينتبه إليها، كما يلاحظ عليه كثرة الحركة والاندفاع، مما يؤدي إلى سقوط الأشياء من يديه أو من حوله. وتحدثت كاتبة هذه السطور عن أنّ الساعات الطويلة في الاستذكار يومياً تصيب الطفل بالملل، والمعروف ان هناك حداً أقصى لقدرة التلميذ أو الطفل على التركيز حسب كل مرحلة عمرية، وهي تقدر بنصف ساعة متصلة عند سن ثماني سنوات، يحتاج بعدها إلى راحة لبضع دقائق لتغيير نوع النشاط، وهذا ما لا يعرفه أو يعلمه الكثيرون، كما ان هناك سبباً آخر يطلق عليه العلماء تعريف "صعوبات التعلم". فقد اكتشف علماء نفس الطفولة انّ 20% من الأطفال في الولايات المتحدة يعانون فعلاً هذه الصعوبات، ويتضاعف هذا الرقم في مصر والبلاد العربية، والأسباب تكون بعيدة عن مستوى الذكاء، فهؤلاء الأطفال لديهم مشكلة في التركيز تنتج عن خلل في توصيل إشارات المخ لباقي الأعضاء، مثل النظر والسمع والنشاط الذهني. أي انّ هذه المشاكل هي نتيجة ما نطلق عليه تشويشاً سمعياً أو بصرياً. والمؤسف هنا انّ كثيراً من الأشخاص لا يعلمون أبعاد هذه المشكلة، ويبدأون في تعنيف الطفل أو إهانته في بعض الأحيان، لاعتقادهم أنّه أهوج ومهمل بدون سبب، خاصة وأنّه – كما قلنا – غالباً ما يكون ذكاؤه مرتفعاً، وقد لا يعرفون انّ هذا الأسلوب في التعامل مع الطفل يدمره تماماً، في حين أنّه إذا لاقى تفهّماً ومساعدة أصبح من النابغين.   سنوات العمر +1: لكن كيف يتم التعامل مع هذا النوع من الأطفال ومساعدته؟ تقول د. كريمة مختار، أستاذة علم النفس السريري (الإكلينيكي) بجامعة عين شمس: "إنّه لابدّ من ان تتعامل الأُم مع طفلها بحب وتفهّم، وأن تلجأ إلى المراكز المتخصصة، أو الأطباء المتخصصين، ليتم الكشف الطبي على الطفل الذي يشمل الجهاز العصبي والمخ واختبارات الذكاء والتقويم الشامل لحالته، ثمّ يبدأ بعد ذلك دور الأخصّائي في تحديد ما يحتاج إليه الطفل من علاج من خلال برامج خاصة حديثة تقضي تماماً على المشكلة". إنّ الحاجة ضرورية وملحة لتوافر أخصائي (صعوبات التعلم) في كل مدرسة خاصة مع تزايد أعداد هؤلاء الأطفال؛ كما أنّه من البديهي أن يتلقى المدرّس ضمن مرحلة إعداده دورات تثقيفية وتدريبية للتعامل مع هؤلاء، فلا يصح مثلاً أن تسخر المعلمة – أو المعلّم – من مثل هذا الطفل الذي يعاني صعوبات التعلّم في الفصل، أو تفصله عن باقي زملائه فتجلسه في آخر صف، وما إلى ذلك، لأنّ مثل هذه التصرفات تقضي على نفسيّة الطفل الذي يكون في حاجة إلى تنمية ثقته بنفسه قبل أي شيء. ثمّ عادت كاتبة هذه السطور وتحدثت عن دور الأُم في حل هذه المشكلة وأكّدت انّ الأُمّ تلعب دوراً مهماً في علاج مشكلة صعوبات التعلم عند الطفل، ويجب ألّا يتحول إلى مادة للسخرية والتهكّم، فالأم مهمّتها أساسية في تشجيع الطفل على التقدم وإكسابه ثقة بنفسه وذلك بإحاطته بالحب والحنان والتفهّم الكامل. وإذا وَجَدَتْ أنّه من الصعب عليها مباشرة دورها أو أنها تفقد أعصابها أمامه بسرعة، فلابدّ من أن تترك هذه المهمة لشخص متخصص حتى لا تفسد العلاقة بينها وبين الابن بالتوتر والقسوة، وهي العلاقة التي يجب بل لابدّ من أن تتصف بالهدوء والإحساس وبالأمان. أما في المدرسة فلابدّ من توافر مجموعات تقوية خاصة لهؤلاء الأطفال يقوم بالإشراف عليها مدرسون متخصصون متفهمون تماماً لحالة هؤلاء الذين يتمتعون بذكاء شديد، وغالباً ما يتفوقون في الدراسة والعمل، إذا تمّ التغلب على هذه الصعوبات الخارجة عن إرادتهم. وحول شكوى بعض الأُمّهات من عدم مبالاة الأطفال بالدراسة وعدم إحساسهم بالمسؤولية، وعما إذا كان ذلك يدخل ضمن صعوبات التعلّم، تحدثت الدكتورة جيهان القاضي، أستاذة الأطفال وصعوبات التعلم بجامعة ماساشوستس الأميركية، وهي عربية مصرية الأصل فقالت: "الحقيقة ان كثيراً من الأطفال يفقدون الإحساس بالمسؤولية من فرط التدليل من الأبوين، وهنا لابدّ لهما من أن ينتبها إلى تغيير أسلوب التربية وأن يكونا حازمين، فإذا أهْمَلَ طفل يجب ان يعاقب وأن يُحرم من الأشياء التي يحبها مثل الخروج أو المصروف، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن منح الأطفال مصروفاً كبيراً ومبالغاً فيه يؤدي حتماً إلى إفسادهم، فكل شيء لابدّ من أن يكون بحساب، أما إذا وجدا بعد ذلك استمرار عدم المبالاة عند الطفل واستمرار الإهمال لديه، فإنّ هذا يعني أنّه في حاجة إلى مساعدة من أخصّائي في هذا المجال". كما تحدثت خبيرة جامعة ماسوشوستس الأميركية عن الوسيلة المثلى للاستذكار عند الأطفال الذين يعانون صعوبات التعلم وقالت: "إنّه يجب ان نعرف ان قدرة الطفل على التركيز تقاس بعدد سنوات عمره + واحد.. بمعنى أنّه إذا كان الطفل عمره سبع سنوات مثلاً تكون قدرته على التركيز التام 8 دقائق، بعدها يقل التركيز ويحتاج إلى فترة راحة أو تغيير النشاط لمدة دقائق قليلة يعود بعدها إلى الاستذكار". أما بالنسبة للطفل الذي يعاني صعوبات التعلم، فقد يعاني أساساً عدم القدرة على التركيز، وبعد تلقي العلاج المناسب، تختفي هذه المشكلة تماماً ويتوفق في الدراسة بإذن الله.   أخطاء الآباء: من ناحية أخرى، فإننا نرى أن أسلوب معاملة الوالدين لأبنائهم يؤثر كثيراً في مقياس ومستوى ذكاء الابن. فهناك كثير من الأسر تقوم بتقييد حركة الأبناء وذلك بعدم خروجهم إلى النوادي والمكتبات أو الأماكن العامة، ولكن هذا الأسلوب يعدّ من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الوالدان، والأفضل ان تتم مصاحبة ومصادقة الأبناء والتعرّف على أصدقائهم. إنّ معاملة الوالدين للأبناء معاملة لا تتناسب مع مستوى فهمهم وإدراكهم تثير فيهم الحيرة، مما يدفعهم إلى التحدي والتمرد، ومن الخطأ ان تعترض الأُمّ على كل عمل يقوم به الابن، حتى لا تولّد فيه روح الاستياء والتذمّر، خاصة في تلك المرحلة السنّية التي تظهر فيها روح الاستقلال وشعور الابن بشخصيته. وعلى النقيض من ذلك فإنّ التسامح الزائد على الحد والتساهل المتكرر مع الابن ينمّي فيه روح العنف والأنانية وحدّة الطبع، كذلك الآباء الذين يمارسون القسوة ودكتاتورية فرض الرأي على الأبناء، فإنّ هذا لا يسمح لهم بممارسة الديموقراطية داخل الأسرة، ولا يتعوّدون على مواجهة المواقف، فالبيت أو الأسرة هو المكان الأوّل الذي نأخذ منه القيم ونتعلم منه الكثير من السلوكيات، وهناك أيضاً الجانب الديني، فكثير من الأسر لا تعتني بتدريب الأبناء على ممارسة الشعائر الدينية، وقد لا تكون هناك القدوة التي تشجعهم على ذلك، بحيث يمكن أن يكون لهذا الجانب دور مهم في تقويم أخلاقيات الشباب. فقد لوحظ انتشار العادات السيئة والخطيرة مثل التدخين، وأحياناً تعاطي المخدرات، وهذا يستدعي من الأهل مراقبة سلوك الأبناء حتى يمكن أن نكتشف أي تغير في الوقت المناسب، وفي المقابل لا نستجيب لإعطاء الأبناء كل ما يرغبون فيه من أموال بسبب التقليد الأعمى للآخرين، لأنّه يؤدي إلى عدم الواقعية في التعامل مع الجوانب المادية في حياة الأسرة والتعوّد على الإنفاق بدون مجهود. ولابدّ من الانتباه لما يفعله الأبناء، وإعطائهم الوقت المناسب للحوار ودراسة مشكلاتهم الواقعية على الطبيعة، ومصادقتهم في مراحل كثيرة وانتقاء الأصدقاء حتى نقضي حياة من دون مشاكل أو متاعب. ولابدّ من القول انّ العلاقة المباشرة مع الأبناء تترك أثرها الواضح في مستوى ذكائهم. ومن الضروري أن يتفهم الوالدين طبيعة دورهم الحيوي في إنماء ذكاء أبنائهم سواء بالحوار والتغذية المعلوماتية المتفهمة، أو بتقديم أنواع الغذاء المفيد الذي يساعد على تنمية ذكائهم، فقد ثبت أن سوء التغذية يعد أحد العوامل التي تؤدي إلى صعوبة التعلم نتيجة عدم حصول المخ على الكمية اللازمة له من الدم المغذي له والمحتوي على عناصره الكاملة. وسوء التغذية هو – بلا شك – مسؤولية الأبوين، فإنّ السلوك المتبع في الغذاء واختياره، له أثره المباشر على ذكاء الابن أو الطفل، فقد أثبتت التجارب العلمية انّ التأثير الإيجابي الملحوظ الذي تحققه العناصر الغذائية الطبيعية الموجودة في الطعام تساعد على تحسين قوة الذاكرة والتركيز، حيث قالت الأبحاث: إنّ عنصري "الكولين" والبانثوتونيك اسيد"، من العناصر الأساسية التي تحسّن من سرعة استرجاع المعلومات عند الأطفال، ويا حبّذا لو أضفنا الاهتمام بالفيتامينات، خاصة فيتايمن "ب" المركّب و"هاء" و"ج" التي تعمل جميعها على تحسين أداء الجهاز العصبي وتنمية الذكاء وقوة التركيز وزيادة النشاط الذهني لكل التلاميذ، بل وللكبار أيضاً. وفي واقع الأمر عادة ما يكون نمو الطفل أسرع في السنة الأولى، لذلك فهو يحتاج إلى الغذاء أكثر، فالطفل يولد ووزنه ثلاثة كيلوغرامات تقريباً، ومع نهاية السنة الأولى يكون الوزن تسعة كيلوغرامات (أي انّه يتضاعف ثلاث مرات)، أما في نهاية السنة الثانية فيصل وزنه إلى 12 أو 13 كيلوغراماً (بزيادة قدرها 30% فقط)، لذلك تعتقد بعض الأُمّهات أن طفلها ينقص وزنه لأنّه لا يأكل، ويزداد قلقها. من هنا لابدّ من الاعتراف بأنّ الطفل يفقد شهيته في السنة الثانية من العمر وأن هذا شيء طبيعي وأن احتياجه قد قلّ عن السابق، ومن الخطأ أن تقوم الأُمّ بتهديده أو إغرائه بالحلوى لكي يأكل، فهو ذكي جدّاً ويعرف احتياجاته، فيجب ألا تحاول إكراهه على النوع أو الكم فهو ذوّاق بطبيعته، وهناك طفل يلتهم بيضة كاملة يومياً مع الوجبات الأخرى، وآخر يرفض الحليب كلياً، فتلك هي شخصية الطفل وسلوكه في السنة الثانية، فقد يتناول كمية كبيرة من الغذاء في أحد الأيام ويرفضه في آخر، أو يشبع ويرفض الطعام، وإذا لم تكن هناك أسباب مرضية ونقص واضح في الوزن، فيجب عدم التركيز على ذلك.   الغذاء وصناعة الغباء: إنّ الجهل بأصول التغذية وقواعدها هو من المشاكل التي ما زالت تتحدى شعوب العالم المتخلّف... فمن المعلوم انّ التغذية – منذ ما يزيد على قرن من الزمان – أصبحت علماً قائماً له أصول وقواعد، بعدما اكتشف أكثر من خمسين نوعاً من المواد الغذائية، كلها مركبات كيميائية (فيتامينات، أملاح معدنية، سكريات، أحماض دهنية)، خاصة، وأن كل هذه الأنواع لا توجد مجتمعة في نوع واحد من الأطعمة، وبالقدر المطلوب، لذلك ينصح علماء التغذية بتناول ألوان من الأطعمة المتنوعة، لتوفر المواد اللازمة لغذاء متكامل (لحم، سمك – حليب ومشتقاته – خضروات – غلال – حبوب – زيوت... إلخ) ويصبح تطبيق هذه التوصيات أمراً مهماً إذا عرفنا تأثيرها على أجسام أطفالنا في طور النمو، وما توفره لها من عمل متوازن وفاعلية في تنشيط وتنمية المخ، ومن ثَمّ تنمية الذكاء، هذا بالإضافة إلى ان أعضاء الجسم الأخرى وأنسجته وخلاياه تحتاج طيلة الحياة إلى تجديد وإلى البناء المتجدد، لذلك فهي تحتاج إلى ما يساعدها على القيام بمهامها هذه، وهو ما توفره لها الأطعمة التي يتناولها الإنسان خاصة وهو طفل. فإذا كان الغذاء ناقصاً يتعرض الجسم كله إلى خلل في النمو، ما يؤدي إلى نقص كفاءة المخ التي ينتج عنها الغباء أو قلة الذكاء. من ناحية أخرى، فإنّ الذين يتناولون أكثر من احتياجات أجسامهم يتعرضون هم أيضاً، بسبب الإفراط في الأكل، إلى أمراض خطيرة، أوّلها وأخطرها مرض السمنة الذي يسبب خللاً في الاداء الطبيعي للقلب والأعضاء الأخرى في الجسم، وصدق الله العلي العظيم إذ يقول: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف/ 31). وفي الحديث الشريف: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع". ولنتناول بشيء من التفصيل كل عنصر غذائي من هذه العناصر كي تتضح الصورة أكثر... السكريات: توفر نصف احتياجات الجسم من السعرات الحرارية ونجدها في الخبز، البطاطا، المعجنات، الأرز، المواد السكرية (حلوى، مشروبات غازية، إلخ...) ونجدها كذلك في الخضر والغلال التي توفر إضافة إلى ذلك الفيتامينات والأملاح المعدنية. الدهنيات: هي مصدر كبير للطاقة، إذ توفر ضعف الكمية التي توفرها السكريات من الطاقة (غرام من السكريات يوفر أربع سعرات حرارية، بينما غرام من الدهنيات يوفر تسع سعرات حرارية) كما توفر بعض الفيتامينات (A, D) وبعض الأحماض الدهنية، وتعطي الدهنيات نكهة لذيذة للأطعمة. الزلاليات: لها دور مهم جدّاً في تكوين خلايا الجسم، لذلك يجب توافرها بكمية كبيرة تكفي لتكوين الأنسجة وتحافظ على سلامتها وقدرتها على التجدد. كما تساهم في دفاع البدن ضد التعفّن، إذ تمثل المادة الخام الأجسام المضادة كسلاح فعّال في هذه المقاومة، وتركيب الزلاليات يتم باتحاد "22" حامضاً أمينياً، منها ثمانية أساسية، اي غير مصنوعة من طرف جهاز البدن، ويجب أن تكون متوافرة في الأطعمة، والزلاليات التي تحتوي على الأحماض الأمينية تسمى كاملة، وهي من أصل حيواني، (لحم، دجاج، سمك، بيض، حليب ومشتقاته) أما الأحماض التي هي من أصل نباتي (كالحبوب، والخضر، والغلال)، فتسمى غير كاملة أو ناقصة، وبالتالي فإن اتحاد نوعين من هذه الزلاليات يكون مفيداً جدّاً (لحم مع بطاطا، عجين مع حليب... وهكذا). وللحصول على الزلاليات... يمكن إضافة بعض الأطعمة الأخرى إلى الحبوب... وأهم هذه الأطعمة البقول (مثل الحمص، الفول، العدس، الجلبان، اللوبيا) وتحتوي كلها على أحماض أمينية قادرة على تعويض الأحماض الموجودة في الأطعمة الحيوانية. الفيتامينات: هي عناصر ضرورية تقوم بدور وظيفي فتساعد الجهاز البدني على القيام بمهماته المختلفة، وغياب هذه الفيتامينات أو بعضها في الغذاء يسبّب أمراضاً مختلفة أهمّها الحصاف ومرض الحفر. فيتامين أ: وهو ضروري للحياة والنمو خاصة بالنسبة للأطفال، وهو يقاوم التعفّن ومهم بالنسبة لجلد الطفل، ويوجد فيتامين "أ" في الحليب والكبد والزبد والجبن وصفار البيض، والخضراوات مثل الجزر، وفقدان هذا الفيتامين بسبب الرؤية الشفقية وتوقف النمو. فيتامين ب: هو مركب فيتاميني يتكوّن من تسعة فيتامينات منها ب1، ب2، ب3، ب6، ب12، وBPP، وهذا الأخير فقدانه يسبب مرض الحصاف أو البلاجرا. فيتامين د: ضروري لنمو العظام، وفقدانه يسبب الشلل، ونستطيع الحصول عليه من أشعة الشمس المتوافرة في بلادنا والحمد لله. فيتامين ك: هو عامل ضروري لعدم تجلّط الدم، ويصنع فيتامين ك في الأمعاء. فيتامين و: ويوجد في الزيوت النباتية وفي الخضر. فيتامين ج: ضروري للمحافظة على الأسنان وسلامتها، وهو يساهم في تكوين شبكة الأوردة الدموية، ويوجد في الخضر والفاكهة والغلال. الأملاح المعدنية: ويوجد منها 18 نوعاً وهي ضرورية لتنظيم مختلف التطورات الداخلية للجسم وأهمها: الكالسيوم: ضروري للأسنان، والعظام، والتجلّط الدموي، والعمل المنظم للأعصاب، نجده خاصة في الحليب والجبن والخضر. الحديد: أساسي لصناعة اليحمور أو الهيموجلوبين الذي ينقل الأوكسجين من الرئتين نحو مختلف الأنسجة ومختلف أعضاء الجسم، ونجده في اللحم وفي الكبد خاصة، وفي صفار البيض، والغلال الجافة، وفي البقول، وفي الأوراق الخضراء مثل (البقدونس والسلق والسبانخ). اليود: نجده في الإنتاج البحري وفي إنتاج الأراضي القريبة من البحر. الصوديوم: ضروري جدّاً لاكتمال نمو الجسم ونجده في الملح وفي معظم الأطعمة المصبّرة بواسطة التمليح. البوتاسيوم: ضروري للأعصاب والعضلات ويوجد بكميات ضئيلة في اللحم، وفي السمك، وفي الحليب، وفي القهوة، وبكميات أوفر في الخضر والقوارض والموز والمشمش. كانت تلك أهم الأملاح المعدنية، لكن هناك أنواعاً أخرى من الأملاح يجب أن تتوافر في الأطعمة في صورة بقايا قليلة مثل النحاس والزنك، وهو عنصر حيوي ومهم جدّاً لتكوين خلايا المخ وقدرته على الاستيعاب وزياد معدل الذكاء، وكذلك المنجنيز وغيرها، وهذه الأملاح ضرورية للحصول على صحة جيدة ونمو متوازن، ويمكن توفيرها بواسطة نظام غذائي متنوع. إنّ بإمكان كل إنسان أن يحدد ويختار الأطعمة التي توفر له غذاء كاملاً ومحتوياً على ما يلزمه من طاقة حرارية. فإذا عرفنا خواص كل طعام، أمكننا أن نعرف قيمة السعرات الحرارية التي يوفرها لنا، اعتماداً على أن غراماً واحداً من السكريات يوفر أربع سعرات حرارية، وغراماً واحداً من الزلاليات يوفر أربع سعرات حرارية، وغراماً واحداً من الدهنيات يوفر تسع سعرات حرارية. من هنا يجب أن نحرص على أن نعد وجباتنا بشكل متوازن وفق احتياجاتنا الفعلية للسعرات الحرارية التي توفر للجسم ما يحتاج إليه من نمو وطاقة.   على مائدة العلماء: ولأن الطعام هو المدخل الطبيعي الأوّل لنمو الذكاء لدى الأطفال، فقد حظيت محتويات الطعام والفيتامينات والعناصر الدقيقة باهتمام أكثر من 100 عالم ومتخصص بالتغذية، في ندوة عنوانها (الإتاحة الحيوية للعناصر الدقيقة) وتعني استفادة الجسم بالفيتامينات، وتوصلوا إلى انّ الجسم يُبنى وقوّته تتم بتناول وجبة غذائية متكاملة ومتوازنة تشمل اللحوم والخبز والأرز والخضر والسلطة ومعها الفاكهة، وأيضاً طبق كشري مع حبة طماطم وخيار وجزر وجرجير وبيض، مع قطعة جبن وخبز أسمر مع عسل أسود. إنّ الجسم يحتاج بجنب الفيتامينات المعروفة إلى عناصر دقيقة تشمل الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد والكبريت، وأخرى دقيقة مثل اليود والزنك والمنجنيز والنحاس، وهذه العناصر يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات هي: الأولى: وتشمل الأوكسيجين والنيتروجين والهيدروجين ويحصل عليها الإنسان من الماء. الثانية: وتشمل الحديد ويحتاج منها الجسم على 100 ملليغرام في اليوم الواحد وتوجد في الألبان والبيض والجبن والأسماك البحرية والخميرة واللحوم والكبد والفول السوداني والخضراوات الورقية، كالفجل والجرجير والسبانخ والملوخية والبقدونس. الثالثة: وتشتمل على اليود والزنك والنحاس والمنجنيز، ويحتاج الجسم منها إلى تركيزات منخفضة وتوجد في المصادر السابقة أيضاً. وعلى الرغم من احتياج الجسم إلى هذه العناصر بكميات قليلة فإن نقصها يسبب مشاكل كثيرة، فنقص الحديد يسبّب الأنيميا، ونقص البوتاسيوم يسبّب ضعف العضلات وسرعة نبضات القلب وقصوراً في وظائفه، كما يسبّب نقص الصوديوم الإسهال وتشنج العضلات والغثيان، أما نقص الماغنيسيوم فيسبّب رعشة وحركات لا إرادية بصورة متكررة، وضعف القدرة على التفكير، ويرجع الإرهاق والإعياء مع آلام العظام إلى نقص الفوسفور. ويجب التحذير الشديد هنا من تفاعلات الأطعمة بعضها مع البعض عند تناولها، إذ ان هناك أطعمة تقلل من امتصاص عناصر أطعمة أخرى، إذا تمّ تناولها معاً، فالأطعمة التي تحتوي على ألياف مثل الردة والبطيخ والخيار وغيرها تقلّل من امتصاص الحديد، إذا زادت نسبتها على الحد المسموح به، ولذا ينصح بتناول عصير ليمون أو برتقال مع أي طعام. وعلى العكس تماماً، فإنّ الخضروات والليمون والبرتقال التي تحتوي على فيتامين ج، عند تناولها مع مصادر تحتوي على حديد مثل الكبد واللحم والعسل الأسود والبيض والخضروات ترفع امتصاص الحديد وتجعله أكثر فائدة. كما يجب الإشارة هنا إلى نصيحة مهمة اعلنها المجتمعون في تلك الندوة، وهي ضرورة ان يكون الخبز مختمراً جيداً، ويبدو ذلك في خفة وزنه، لأنّ الخبز المختمر يساعد على امتصاص المعادن الموجودة فيه. وأيضاً نقع الحبوب قبل تناولها، سواء مطهوة كالفول أو طازجة كالحلبة والبليلة والترمس يجعلها سهلة الهضم، وأيضاً نقع البقوليات الجافة كاللوبيا والفاصوليا والبسلة، لأن ذلك يخلصها من مضادات الغذاء التي تمنع الاستفادة منها. إنّ سوء التغذية هو سبب ضعف القدرة على التركيز والتذكر، وبالتالي هو أحد الأسباب الرئيسية في وقوع الطفل تحت وطأة صعوبات التعلم، ومن ثمّ تأخر نمو الذكاء عند الطفل، المرتبط بضعف البنية، حيث غن ضعف البنية لدى الطفل وعدم اكتمال عناصر الطاقة في بدنه، اضافة إلى عدم الاهتمام باحتياجات كل مرحلة سنية بالغذاء السليم هو محور مهم في خلق صعوبة التعلم لدى الطفل وعدم تركيزه وتذكره واستيعابه. فالأمر إذن لا ينصب فقط على حشو المقررات الدراسية، أو طول المناهج وقصر العام الدراسي، وإنما هي عدة عناصر في هذه القضية الشائكة.

ارسال التعليق

Top