◄في الحديث: "بين الحقّ والباطل أربعة أصابع، الباطل أن تقول سمعت والحقّ أن تقول رأيت". فبعض الشبان والفتيات يصدّقون كلّ ما يسمعون، ويسلّمون بكلّ ما يصل إلى أسماعهم، ويثقون بكلّ قول دون تمحيص ولا فحص دقيق لا للقائل ولا للقول .
القرآن الكريم ينهى عن التصديق الخالي من التثبّت والتحقيق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6) والتبيّن هو التدقيق والتوثيق قبل التسليم والتصديق .
أصحاب البصائر والوعي الراجح لا يصدّقون الأقوال على علّاتها، ولا يأخذونها على عواهنها، أو أخذ المسلّمات والبدهيات، وإنّما يطرحون أسئلة تقودهم إلى معرفة الحقيقة :
مَن هو القائل؟
وماذا قال؟
ولماذا قال ذلك؟
وأين قاله؟ ومتى؟
وماذا عن أقواله السابعة؟
ومَن كان شاهداً على ما قال؟ وكيف قاله؟ أي في أيّ سياق جاء؟ .. إلخ. ذلك لأنّ الإجابة عن هذه الأسئلة ترفد البصيرة بزخم من الوعي كبير. ولذا قيل: "مَن رأى ليس كمن سمع»، لأنّ الرؤية العينية شهادة حضور وليست شهادة غيابية، والسماع نقل والنقل ليس دقيقاً دائماً، بل غالباً ما يتدخل الناقل في تحويره وتزويقه وزيادته أو الحذف منه، ولو قارنت ما سمعت وما قال القائل لرأيت الفرق واضحاً .
وفي ذلك يقول الشاعر :
سمع الناس من الناسِ وغضّوا الأعينا***فاستمالوا وأنا من بينهم أذني عيناً وعيني أذناً
ولأجل أن تكون البصيرة مستنيرة أكثر، فإنّها أحياناً تأخذ القول مجرّداً أو بمعزل عن قائله بناء على التوصية: "انظر إلى ما قيل لا إلى مَن قال»، فقد يكون في القول حكمة ولكن قائلها لا يعمل بها، فلتكن أنت المستفيد من حكمته، ولذا جاء في الحديث: "الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذها ولو من منافق".
الوعي يتطلب أن أميّز المنافق والمنافقين؛ لكنّه لا يمنعني من الإفادة من كلمات حقّ أو كلمة تأتي على السنة أهل النفاق .
معرفة المعيار :
إذا غاب المعيار أو المقياس أو الميزان، وإذا تعدّدت المقاييس وأصبحت خاضعة للأمزجة والأذواق والاجتهادات الشخصية، غابت البصيرة أو تلاشت .
فالوعي لا يقوم إلّا على معايير واضحة ودقيقة، فحينما يلتبس الأمر على أحد المقاتلين في صفوف جيش الإمام عليّ (عليه السلام) في معركة (صفين)، فلا يدري هل الحقّ إلى جانبهم أم إلى جانب عدوّهم، يقول له الإمام: "إنّك لملبوسٌ عليك، اعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".
وقال لآخر: "إنّما يُعرفُ الرجالُ بالحقّ، ولا يُعرفُ بالرجال". أي أنّ الحقّ هو المعيار وليس الأشخاص مهما انتصروا للحقّ أو انتصر الحقّ بهم، اللّهمّ باستثناء الأنبياء والأوصياء (ع)، فهم أهل الحقّ الذي لاريب فيه، أي أنّ الحقّ لا يمكن فقط أن يكون صورة معلّقة في الذهن إذ لابدّ من تجسيد، أو صورة حيّة للحقّ المتحرك الناطق، وأولئك هم الأنبياء (ع) .
اعرف المقياس أو المعيار الذي تقيس بها الأُمور.. ولتكن لديك مسطرة تقيس بها.. وإلّا تشابكت عليك الأُمور واختلطت، إذ لابدّ للوعي من معايير يعتمدها وإلّا لما قيل عنه إنّه وعي.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق