• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (عليه السلام).. معلِّم ومربّي ومرشد

عمار كاظم

الإمام الحسين (عليه السلام).. معلِّم ومربّي ومرشد

تربّى الإمام الحسين (عليه السلام) وعاش في بيت الوحي والنبوّة والطهارة، وانفتح وهو في صغره على سماحة الإسلام وأخلاقياته، وشرب من معينه، حتى امتلأت شخصيته منه، متمثلاً أخلاق جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأُمّه الزهراء (عليها السلام)، وأبيه الإمام عليّ (عليه السلام)، وأخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، ثمّ انطلق إلى الحياة ممارساً دور التبليغ والوعظ والإرشاد، يبتغي في كلّ ذلك مرضاة الله، فكان الواعظ والمعلِّم والمرشد والإمام للإسلام كلّه من بداية نشاطه. ومن حكمِهِ (عليه السلام): «لا تَتكلَّف ما لا تطيقُ، ولا تَتعرَّض لما لا تُدركُ، ولا تَعِد بما لا تقدرُ عليه، ولا تُنفق إلّا بقدَرِ ما تستفيدُ، ولا تطلب من الجزاءِ إلّا بقَدَرِ ما صنعتَ، ولا تفرح إلّا بما نلتَ من طاعةِ اللهِ، ولا تتناول إلّا ما رأيتَ نفسَك له أهلاً». فالإمام الحسين (عليه السلام) يعلّمنا أن نقوم بما نقدر عليه من عمل وأمر، بحسب إمكاناتنا وطاقاتنا، وألّا نطلب ما نعجز عنه، فنضيِّع الجهد والوقت، وألّا نعد بما لا نستطيع أن نفي به، وأن يكون إنفاقنا في الوجهة السليمة، وأن يكون فرحنا هو فرح طاعة الله في قولنا وعملنا وحركتنا، وأن نتصدّى لأُمور نملك عناصر المواجهة والتصدّي لها، والسير بها في الجهة الصحيحة. ومن كلامه لما سُئِل (عليه السلام): ما الفضل؟ قال: «ملكُ اللسانِ، وبذلُ الإحسانِ». قيل: فما النقص؟ قال: «التكلّفُ لما لا يُعنيك». ويعلّمنا (عليه السلام) أنّ الفضل هو أن نملك ألسنتا، بمعنى تحريكها في قول الحقّ، وعدم الانزلاق في قول كلّ ما حرَّمه الله، ممّا يُسيء إلى أنفُسنا والناس من حولنا، وأنّ الفضل أيضاً فيما نبذله من إحسان إلى الناس والحياة بما يرفع من شأنهما، كما أنّ النقص، في المقابل، هو في دخول المرء في أشياء لا تخصّه وتعنيه، ممّا يجلب المشاكل له ولمحيطه، وبما لا ينسجم مع أخلاقيات الرسالة وفطرة الإنسان السوية. وقال الإمام الحسين (عليه السلام) ناصحاً: «لا تتكلَّمنَّ فيما لا يَعنيك، فإنّي أخافُ عليك الوِزرَ، ولا تتكلَّمنَّ فيما يَعنيك حتى ترى للكلامِ مَوضِعاً، فرُبَّ مُتكلِّمٍ قد تكلَّمَ بالحقِّ فَعِيبَ، ولا تُمَارِينَّ حليماً ولا سَفيهاً، فإنّ الحليمَ يَقلِيك، والسَّفيه يُؤذِيك، ولا تَقُولنَّ في أخيك المؤمنِ إذا تَوَارى عنك إلَّا ما تُحِبُّ أن يقول فيك إذا تَوَاريتَ عنه، واعملْ عملَ رجلٍ يَعلَمُ أنّه مَأخُوذ بالإجرامِ، مَجزِيٌّ بالإحسانِ، والسلامُ». يعظنا سيِّد الشهداء (عليه السلام) الذي هو- إمام الإسلام والمسلمين - بترك كلّ ما لا يعنينا من قول أو فعل، حتى لا ندخل عن قصد أو غير قصد في الذنوب والمعاصي، فكثيرون منّا يتكلّمون في حال هذا أو ذاك، وفي خصوصيات هذا أو تلك، بما لا يعنيهم من قريب أو بعيد، فيقعون في الغيبة والنميمة من حيث لا يشعرون، ويقعون في مخالفة تعاليم الله تعالى ودعوته في الدخول في الخير، وما يجلب المصلحة للفرد والجماعة، فالدخول فيما لا يعنينا يتسبب في العادة بالفتنة والقيل والقال وردود الأفعال وإحداث القلاقل. حتى الكلام فيما يخصّ الإنسان ويعنيه، لابدّ وأن ينطق به ويتحدَّث به في المواقف والأوقات المناسبة، كي يؤتي ثماره المرجوَّة، ويحدث الأثر المطلوب في النفوس والقلوب بما يصفّيها ويقارب بينها، فللكلام مقاصد تتحقّق عندما يكون الظرف مناسباً.

ختاماً، المجتمع الإيماني يُقاس بمدى اعتباره والتزامه بوضوح خطّ الله وتأدية شكره وتأكيد خشيته مزيداً من النهوض والعمل بمستلزمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجالات الحياة وتفاصليها الخاصّة والعامّة. وهذه هي رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) لنا؛ أن نخشى الله حقَّ خشيته، وأن نبتعد عن المضلِّلين في كلّ زمن، وأن نكون فعلاً ممّن يتحمّلون إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن لا يكون مجرَّد شعار نحمله، بل سلوكاً وموقفاً نلتزم بهما. كما إنّ الإمام الحسين (عليه السلام)، إضافةً إلى كونه سيِّد الشهداء والمجاهدين، هو المعلِّم والمربّي والمرشد، كما كان جدّه وأبوه وأخوه، وكما كانت أُمّه الزهراء (عليهم السلام). فلنتعلّم من إمامنا الحسين (عليه السلام) كلّ خلق كريم نستفيد منه في تهذيب أنفُسنا وإصلاح علاقاتنا وأوضاعنا.

ارسال التعليق

Top