• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أبرز وسائل تحقيق التقوى فيما تبقى من الشهر الكريم

مجدي الهلالي

أبرز وسائل تحقيق التقوى فيما تبقى من الشهر الكريم
◄كي يصل العبد إلى تحقيق الهدف المنشود من رمضان، وهو التقوى؟ هناك وسائل كثيرة لتحقيقه، منها الصيام، والتعلق بالمساجد، والقرآن الكريم، وقيام الليل، والإستفادة من الأوقات الفاضلة. وفيما يلي إستعراض أبرز الوسائل لتحقيق التقوى في رمضان والقربى من الله تعالى:   -        الإعتكاف: الإعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله، وهو مستحب في كل وقت في رمضان وغيره، وأفضله في العشر الأواخر من رمضان ليتعرض العبد فيها لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ولقد ذهب الإمام أحمد إلى أنّ المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس ولا تعليم العلم وإقراء القرآن بل الأفضل له الإنفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه، وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية التي لا يترك معها الجمع والجماعات، فعلينا أن نغتنم أي وقت – مهما قصر – في نهار رمضان أو ليله لننوي فيه الاعتكاف ونختلي فيه بالله عزّ وجلّ.. ولنحرص على الإعتكاف في العشر الأواخر فإن لم نستطع فليكن ذلك في لياليها وبخاصة في الوتر منها، ولنحذر من الخلطة والكلام، وكل ما يقطع علينا خلوتنا بالله عزّ وجلّ. ويقول ابن رجب: "فحقيقة الاعتكاف قطع العلائق مع الخلائق للإتصال بخدمة الخالق". وللأخت المسلمة أن تعتكف في مسجد بيتها – إستناداً إلى رأي الأحناف في جواز ذلك – ولتقطع من يومها وقتاً تلازم فيها مسجدها، وتُقبل فيه على الله عزّ وجلّ. -        الدعاء: الدعاء هو العبادة، ولا راد للقدر سواه، ففيه يتمثل فقر العبد وذله وانكساره إلى من بيده ملكوت كل شيء. وهناك أوقات مخصوصة يفضل فيها الدعاء، منها: بين الأذان والإقامة، ودبر الصلوات، وفي الثلث الأخيرمن الليل، ويوم الجمعة منذ أن يصعد الإمام المنبر حتى تنتهي الصلاة، وكذلك في الساعة الأخيرة من هذا اليوم، وفي ليلة القدر، وعند نزول المطر، وللصائم دعوة مستجابة، وكذلك المسافر.. وفي كل ليلة من رمضان عُتقاء من النار، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.. فعلينا إغتنام تلك الأوقات، نتذلل فيها لله، ونخرج من حولنا وقوتنا، نستعطفه ونتملقه ونسترضيه، ونسأله من خيري الدنيا والآخرة، ولنحذر من الدعاء باللسان دون حضور القلب، جاء في الحديث قوله تعالى: "إعلموا أنّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافلٍ لاه".   -        الصدقة: إنّ المتأمل لكتاب الله عزّ وجلّ يجد الكثير من الآيات التي تحث المسلم على الإنفاق في سبيل الله. ولقد كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، يقول تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/ 103)، فالمستفيد الأوّل من الصدقة هو صاحبها لأنها تخلصه من الشح، وتطهره من الذنوب، فبداية إنطلاق النفس نحو السماء، وتخلصها من جواذب الأرض هو تطهرها من الشح المجبولة عليه بدوام الإنفاق في سبيل الله حتى يصير سجية من سجاياه فتزهد في المال، ويخرج حبه من القلب. وللصدقة فضل عظيم في الدنيا والآخرة، فهي تداوي المرضى، وتدفع البلاء، وتيسر الأمور، وتجلب الرزق، وتقي مصارع السوء، وتُطفئ غضب الرب، وتزيل آثار الذنوب، وهي ظل لصاحبها يوم القيامة وتحجبه عن النار، وتدفع عنه العذاب.. وللصدقة علاقة وثيقة بالسير إلى الله، يقول تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ) (الروم/ 38)، ولا عذر لأحد في تركها، فالله عزّ وجلّ لم يحدد لنا قدراً معيناً نتصدق به، فالباب مفتوح أمام الجميع كلٌ حسب استطاعته. ولكي تُؤتي الصدقة ثمارها المرجوّة لابدّ من تتابعها بصورة يومية كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 274). فلنُخرج الصدقة كل يوم ولو ما يعادل شق تمرة، ولنُخصص صندوقاً في البيت لذلك ليسهل علينا المداومة عليها.   -        الفكر والذكر: ذكر الله عزّ وجلّ هو قوت القلوب، ومادة حياتها، قال(ص): "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". ويقول إبن تيمية: "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ ودور الجنة تُبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، فإذا أخذ في الذكر أخذوا في البناء". ولكي يستفيد المسلم من الذكر ويواطئ لسانه قلبه فيحدث فيه الأثر المطلوب لابدّ من ربطه بعبادة التفكر. يقول الحسن البصري: إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى إستنطقوا القلوب فنطقت بالحكمة، فالبداية تكون بالتفكير في مجال من المجالات ثمّ يتبع ذلك بالذكر المناسب له، فعلى سبيل المثال إذا تفكر المرء في ذنوبه، وتقصيره في جنب الله، عليه أن يتبعه بالإستغفار، وإذا ما تفكر في بديع صنع الله، وآياته في النفس والكون أتبع ذلك بالتسبيح والحمد وعندها يتفكر العبد في حاجته الماسة إلى الله، وفقره الذاتي إليه ردد بعده ذكر "لا حول ولا قوة إلا بالله" وهكذا في بقية الأذكار. فعلينا أن نضع لأنفسنا أوراداً من الذكر نلتزم بها، ونعمل على مواطأة القلب اللسان فيها، ولنعلم أنّ الثواب التام على قدر العمل التام، فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض.   -        محاسبة النفس: بعد مرور أيام عدة من رمضان تصبح النفس سهلة القيادة.. عند ذلك يجب علينا أن نبدأ في محاسبتها على ما مضى من أعمال، فنحاسبها على الطاعات، ومدى إلتزامها، ونحصي عليها الذنوب.. ذنوب الجوارح والقلوب، وكذلك التقصير في القيام بالحقوق، وأهمها حق شكر الله عزّ وجلّ على نعمه.. ونتبع كل جلسة من هذه الجلسات بالإستغفار الكثير، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) (آل عمران/ 135). وبعد.. فتلك عشرة كاملة علينا أن نضع من خلالها برنامجاً لأنفسنا نسير عليه طيلة هذا الشهر الكريم لعل الله عزّ وجلّ يرى صدقنا فيعطينا سؤالنا، ويبلغنا مرادنا، قال (ص): "ومن يتحر الخير يُعطَه..".►

ارسال التعليق

Top