• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البحث عن مواقع اللقاء

عمار كاظم

البحث عن مواقع اللقاء
◄الخلافات والانقسامات:

مؤثّرات في تمزّق المسلمين خلقت الحواجز النفسية والفكرية التي تقيم الفواصل بينهم، خلافات مذهبية وخلافات تاريخية لها دورٌ كبير في إثارة الحقد والبغضاء والعداوة وفي تفجير الحروب وإراقة الدماء البريئة. مَن يقاتل باسم القداسة والتديّن وباسم المنافع وبعيداً عن أيِّ ارتباط بالحقّ ويستغلّها لمآربه ووضع قدسية للخلاف ووجود شرعية دينية ساعدت على خلق الحواجز وتعميق الفواصل التي تفصل بين المسلمين بالمستوى الذي يبتعد بهم عن الشعور بالوحدة الفكرية والعملية، فجاءت فتاوى التكفير التي تحوّل المسلم إلى كافر. تدخل الاستعمار ليعبث في حياة المسلمين وتدخل في حياتهم السياسية والاجتماعية وأوحى لهم بالحماية الطائفية بأساليبه الشيطانية بإبراز عناصر الإثارة في الساحة ليؤدّي إلى التقاتل والتنازع في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية. ما نلمسه إنّ العصبيات القبليّة والعنصرية والقومية التي ألغاها الإسلام من حسابه في أفكار المسلمين ومشاعرهم بدأت تعود من جديد بنشاطات فكرية وتتحرّك بعيداً عن الروح الإسلامية المنفتحة الواعية.

 

استنزاف الطاقات الإسلامية:

يلعب الاستعمار بتفجير البلاد الإسلامية بمختلف الصراعات الشخصية والطائفية والإقليمية والقومية من أجل استنزاف الطاقات الإسلامية وتحويلها إلى طاقات تنفجر ضدّ نفسها لتتحوّل إلى طاقات متعبة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً. ويعيش المسلمون الانقسام والتشرذم الطائفي والتمزّق الإقليمي والتخلّف الحضاري والصراعات التي تلتهب على أساس تصريح هنا وخطاب من هناك، لابدّ من البحث عن وسائل جديدة للعمل عبر الوسائل الخطابية التي تكثّر من الوصايا والنصائح والتوجيهات في الأساليب العمومية التي لا تلامس الواقع، لابد من وضع الدراسات والخطط التي تربط الجميع بالهدف الكبير وعظمة الهدف وخطورته لتربط الإنسان بالآفاق الرحبة وكيفية إمكانية التحرّك بوعي ومرونة وإخلاص، البحث عن مواقع اللقاء والبحث عن القضايا العامّة وإثارة الشعور بالمسؤولية تجاهها ولابدّ من معرفة الخسائر التي يمكن أن تلحق بالمجتمع إن استمرّت هذه النزاعات والخلافات (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/ 46)، لابدّ من التأكيد على مفاهيم الاعتصام بالله تعالى التعاون على البرّ والتقوى وعدم التفرّق ووحدة المجتمع (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2)، ولابدّ من الانفتاح على الآخرين والابتعاد عن كلّ خطوات الفراق وهذا ما نجده في حياة رسول الله وكان يواجه حالات التشنّج بين المسلمين من خلال ما كان يثيره المنافقون في المجتمع المدني، كما أكّدت الشريعة على أن لا يمارس المسلم السبّ والقذف لمن يخالفه في الرأي، لأنّ ذلك سيحوِّل الموضوع إلى عملية فعل يقابله ردّ فعل طبيعي بنفس الحجم والمستوى نفسه (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَه) (الأنعام/ 108).

 

التحرُّر من الأنانية:

لابدّ من العمل المثمر والحوار الجادّ من أجل الحصول على القناعات المشتركة بين مختلف الفرقاء، الحوار الذي يحترم الآخر بالأسلوب الذي يُوحي باحترام فكره كما يجب التركيز على أهمية العنصر الأخلاقي في بناء الحياة والشخصية "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق" كما بيّنه نبيّ الرحمة (ص)، حيث البناء الإنساني في الإسلام يقوم على أساس الأخلاق فالفرد المسلم يشعر بأنّ العلاقة بينه وبين الآخرين هي علاقة الأخوّة والحب والولاء والتمسّك (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10)، وعنصراً فعّالاً وصالحاً في بناء الحياة الاجتماعية "خير الناس مَن نفع الناس" وبناء مجتمع قويّ متماسك ويتحمّل مسؤولية الحفاظ على البناء الاجتماعي وصيانته من الهدم والتخريب ودفع المجتمع إلى الأمام والعمل على تنميته وتطويره ورقيّه. ولابدّ في نهاية المطاف من إيمان الفرد باحترام الرأي الآخر ذاتياً مهما اختلف معهم، ويعتبر ذلك جزءاً من مبادئه وإنسانيّته، ويجب التحرّر من الأنانية، فيحبّ للآخرين ما يحبّ لنفسه ليكون مجتمعاً متفاهماً تسود فيه حرية الرأي واحترام الحقيقة، مجتمع يتكاتف على العدل والقانون وحقوق الأفراد، رافضاً للمنكر والظلم والجبن والعدوان ►

 

المصدر: كتاب مفاهيم خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top