• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«لا» لعناد الأطفال

«لا» لعناد الأطفال

عندما يدرك الطفل أن ما يريده يتحقق بالإزعاج، فإنّه يتحول إلى طفل مزعج. تصور نفسك وأنت في أحد محلات الأحذية تريد شراء ما يناسب طفلك، ثمّ يشد انتباه الطفل الصغير نوع معيّن من الأحذية التي لا تتلاءم بأي حال من الأحوال مع الملابس التي ترتديه.

من الطبيعي أن تطالب ابنك بشراء هذا الزوج من الأحذية، إلّا أنّه من غير المقبول أن يصر ابن الأربع والخمس سنوات على شرائه. ومع هذا يحدث في أحيان كثيرة أن تتحول مطالب الولد الصغير إلى مسرحية سخيفة من الرجاء، ثمّ الإلحاح المتكرر، وتنتهي بالبكاء والصراخ. وستكون في موقف لا تحسد عليه خصوصاً مع ازدحام المحل بأعداد المتسوقين.

ستجد نفسك مجبراً على أن تلبي طلب ابنك على الفور حتى لا تجلب انتباه الأخرين إلى العناد الغريب، والذي قد يسبب حالات امتعاض أو رثاء من المتسوقين.

يقول ثوماس ليكونا – أستاذ التربية في جامعة ولاية نيويورك ومؤلف كتاب "تنشئة الأطفال الأسوياء" –: "إنّ الأطفال عادة ما يطورون أساليب التحايل من أجل الحصول على الشيء".

هناك عدد من الأفكار الخاطئة التي تسيطر على الوالدين والأبناء عموماً ومنها أن اقتناء الألعاب وتلبية المطالب تجلب السعادة إلى نفوس الأبناء.

إنّ غالبية الآباء يلاحظون أن أبناءهم يملون اللعب بألعاب كانوا قبل ساعة أو أكثر يلحون عليها بشكل غريب ويصرون على شرائها. بل إنّ الآباء يحاولون إقناع أبنائهم الأكبر سناً أو أبناء الآخرين بعدم التعرض للصغار عندما يأخذون أشياءهم محتجين بأنّهم سيملون منها ويتركونها خلال فترة قصيرة. إذا كان الأمر كذلك فلماذا يستجيب الآباء لمطالب أبنائهم، ويستسلمون للوسائل غير المرغوبة التي ينتهجها الأبناء في تحقيق مآربهم.

إنّ ذكاء الأطفال ذكاء فطري يصعب تفسيره أمام بعض المواقف. فرغم بساطة تفكير الطفل، إلا أنّه يبدي ذكاءً غريباً حيال لعبة يصرُّ على شرائها. يقول دينيس شولمان –أحد الاختصاصيين في مجال سلوك الأطفال–: "إنّ الأطفال يترجمون ردود فعل الوالدين إلى سلوكيات تمكنهم من تحقيق ما يريدون. ولذا من الخطأ الكبير أن يتعود الطفل على تلبية طلباته. من المفروض أن يسمع الطفل كلمة "لا" كبيرة يكف عندها عن استخدام أساليب ملتوية لتحقيق مطالبه".

إنّ كثيراً من الإزعاج أفضل من قليل من الانحراف السلوكي. ومع ذلك فإن هناك وسائل كثيرة لإيقاف هذا الإزعاج عندما يدرك الطفل أن ما يريده يتحقق بالإزعاج مثلاً فإنّه يتحول إلى طفل مزعج.

أهم الوسائل التي تعوّد الطفل أن يكون مثالياً ويطلب ما يحتاج إليه فقط هي تجنب تعريضه إلى التلفاز والألعاب الإلكترونية.

وعلى الوالدين أن يتداركا هذا الأمر ويقننا جلوس أبنائهم أمام شاشتي التلفزيون والكمبيوتر. لا تستغرب أن يصر ابنك على شراء حذاء مرسوم عليه "نينجا السلاحف" أو الكابتن "ماجد" أو غيره من أبطال أفلام الكرتون حتى لو كان ذلك الحذاء تعيساً؛ لأنّ الأطفال صيد ثمين للإعلانات التجارية وهم أكثر تأثراً بها وأكثر تأثيراً على آبائهم لشراء منتوجاتها.

علينا أن ندرك أن أطفالنا قادرون على أن يكونوا سعداء بدون تلفزيون وألعاب كمبيوتر وألعاب أخرى. وعلى أطفالنا أن لا يتوقعوا هدية صغيرة أو كبيرة في كلّ خروج إلى التسوق.

يعمد كثير من الآباء والأُمّهات الذين يمضون ساعات عديدة بعيداً عن البيت سواء في العمل أو غيره إلى تعويض أبنائهم عن هذا الغياب بهدايا متكررة.

إنّ سلوكاً مثل ذلك لا يجلب الحب للأبناء بقدر ما يربط رضا الطفل عن أحد والديه بمقدار ما يقدم له من الهدايا.

ويطرح كثير من آباء اليوم – أبناء الأمس – عدداً من الأسئلة من قبيل لماذا قل مستوى هيبة الأبناء لآبائهم؟ ولماذا انحسر تقدير الأبناء لهم واحترامهم؟

في الماضي تكاد تتجمد الدماء في عروق الأبناء بمجرد تقطيبة حاجبين، أو نظرة حادة أو عضِّ شفة من أحد الوالدين دون أن ينطق بكلمة أو يمد يده بالضرب.

ورغم التقدم الحضاري والوعي الثقافي لكلا الوالدين، ورغم آلاف الأطنان من الدراسات التربوية، فإن مستوى الأطفال التربوي يتراجع نوعاً ما أمام تربية ابن البادية أو الريف الذي لا يتمتع والداه بنفس المستوى الثقافي.

يكاد يمضي أبناء الريف والبادية معظم أوقاتهم في رعاية الإبل والبقر وحلبهما، ورعي الغنم، والاستمتاع بمواليدها الصغيرة، وجمع البيض وغيرها من الواجبات التي لا مناص منها. بل إنّ الطفل هناك يسعى إلى تعلمها منذ سنيِّه الأولى. ويكاد الصغير في الصحراء أو الريف لا يجد وقتاً يرتاح فيه، ومع هذا فإنّه يخلط بين عمله والاستمتاع بوقته ويعود إلى بيته وقد أنهك جسمه النحيل وصفا عقله وفكره.

أما أبناء المدن فحالما يستيقظون متأخرين من النوم – خصوصاً في الإجازات – يبدأ برنامجهم الترفيهي أمام شاشات القنوات الفضائية. فمن فيلم كرتون إلى برنامج أطفال إلى فيلم كرتون آخر. وإذا أحس الطفل بالضجر أدار جهاز الكمبيوتر لمزيد من الألعاب الإلكترونية، لتستهلك فكره وإبصاره دون أن يستنفد طاقات جسمه الكامنة.

على الوالدين أن يحددا مشاهدة أبنائهم لهذه الأجهزة، وإذا ما تم إغلاق التلفاز فسيبحث الابن والابنة عما يشغلهما. ساعدي أبناءك في البحث عن وسائل مفيدة تشغل أوقاتهم. كما أنّه من المناسب جدّاً أن يسهم الأبناء في أداء بعض الواجبات المنزلية.

بعد تناول وجبة الإفطار بإمكان طفل الأربع سنوات أن ينظف طاولة الطعام، وينقل صحون الإفطار إلى حوض الغسيل. وبإمكانه أيضاً أن يسهم في غسيل الصحون مع بعض كلمات الإطراء.

وبإمكان طفل الخمس والست سنوات أن يرتب سريره ويجمع ألعابه وكتبه ويشرع في ترتيبها. من الضروري أن يتحمل الأبناء الصغار بعضاً من الأعباء حتى يتعودوا المسؤولية. مهما كان العمل تافهاً وجّهي ابنك وابنتك إلى القيام به وشجعيهما على أدائه.

لاحظ أن توفير هذه الألعاب يستهلك ميزانية ليست بالقليلة قياساً بالمنافع التي قد تجلبها. ومتى ما تولد لدى الأبناء شعور بأنّهم مميزون، وأن تفكيرهم يسبق سنهم فإنّهم تلقائياً سيتحولون إلى مستهلكين انتقائيين وأذكياء. وسيعزز ذلك جانب الضبط والحفاظ على الأموال.

احذر أن تعطي ابنك أو ابنتك شعوراً بأنّ الأسرة فقيرة وغير قادرة على تأمين ما يلح عليه الأبناء؛ لأنّهم سيراقبون تصرف والديهم وسيحاسبونهم في كلّ مرة يشتريان فيها شيئاً لهما.

وربّما يسرف كثير من الآباء في شرح أسباب امتناعهم عن تلبية رغبات أبنائهم. ولذا فإنّ الإبن سيتعود في كل مرة يرفض فيها طلبه على تفسير منطقي. بغض النظر إن كانوا يستوعبون ما يقال لهم أم لا.

إذا رفضت طلب ابنك شراء رقائق البطاطس، فإنّه من غير المناسب أن تشرح له أضرارها الصحية وأنّها تزيد من نسبة الكوليسترول، وترفع ضغط الدم، وتسهم في تكسير كريات الدم وغيرها من الإيضاحات. فقط قل له "إنّه غير جيِّد لك" أو "ضار بصحتك" ولا تكلف نفسك شرحاً أكثر من ذلك.

في بعض الأحيان يبدو طلب الأبناء منطقياً، ومع هذا لا تستجيب له مباشرة، حاول أن تربط طلب ابنك بعمل ما حتى يكون مكافأة له على إنجازه. من شأن ذلك أن يرفع قيمة السلعة لدى الطفل. فإذا احتاج الطفل إلى دراجة هوائية، فبإمكانك ربط طلبه بأداء واجب كمساعدتك في المطبخ لمدة شهر مثلاً. عندها سيحس بقيمة الدراجة وربما يحافظ عليها ويتعود على طاعة والديه ومساعدتهما في البيت. لاحظ أنّ الواجبات التي سينفذها ليست هي واجباته اليومية المعتاد أن يقوم بها.

لا تنس أن وظيفتك هي تنشئة أطفالك حتى يسلكون طريقهم بيسر في الحياة. علمهم أنّ الحصول على شيء يتطلب جهداً حقيقياً، وأنّ التحايل والإلحاح لا يأتيان بنتيجة.

 

* خالد الوهبي

ارسال التعليق

Top