• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صحبتنا مع الشهر الكريم

عمار كاظم

صحبتنا مع الشهر الكريم

«إلهي؛ لقد أكرمتنا بشهرك العظيم؛ "شهر رمضان المبارك" وها هو قد غمرنا بكلّ بهائه وجلاله، فأيقظنا بالأنسام اللعوبة التي تبعثها في أسحاره، ونوّر قلوبنا الذابلة بقرآنك الذي أنزلته على قلب حبيبك محمد (ص) في هذا الشهر، ولا تجعلنا من ضحايا الأهواء والأوهام، بالأقدار التي تقدرها في ليلة القدر تقديراً».

عاش هذا الشهر ‌في‌ حياتنا كأفضل ‌ما‌ يعيشه زمن مبارك ‌في‌ ‌ما‌ يمنحه ‌من‌ البركة لكلّ الناس الذين يعيشون فيه ‌من‌ خلال الفرص التي يوفرها لهم ‌في‌ طاعة الله ‌و‌الحصول على مغفرته ‌و‌رضوانه، ‌و‌‌من‌ خلال الأجواء الروحية التي يثيرها ‌في‌ أجواء الناس الذين يتحركون فيه.. ‌و‌عشنا معه ‌في‌ حمد ‌و‌خير ‌و‌سرور، ‌و‌حصلنا على أفضل الأرباح على مستوى النتائج الدنيوية ‌و‌الآخروية على أساس ‌ما‌ حصلنا عليه ‌من‌ عمق ‌في‌ الروح، ‌و‌سمو ‌فى‌ الأخلاق، ‌و‌استقامة ‌في‌ الخطى، ‌و‌امتداد ‌في‌ الالتزام بأوامر الله ‌و‌نواهيه، ‌و‌صوم عن كلّ ‌ما‌ يفسد الروح ‌و‌يسىء إلى طهارة الإنسان ‌في‌ نياته ‌وأقواله ‌وأفعاله. ثم مضى ‌و‌فارقنا، كمرحلة زمنية ‌من‌ أفضل مراحلنا، كما يمضي الزمن ‌في‌ النظام الكوني الذي يطوي الحياة ‌في‌ حدودها المعينة.. ‌و‌كانت لنا معه صحبة ‌و‌علاقة ‌و‌محبة ‌و‌صداقة ‌و‌حرمة ‌و‌حقّ، تماماً كما لو كان كائناً حياً يفتح معنا أفضل العلاقات، ‌و‌تبقى لنا- بعد فراقه- أفضل الذكريات، لنودعه بأعذب الكلمات، ‌و‌أحر المشاعر، ليكون التفاعل بيننا ‌و‌بين شهر الله هذا ‌في‌ المستوى الذي ينطلق فيه ‌من‌ الله ليتصل بكلّ شيء ينتسب إليه ‌و‌يرتبط به، أكان زماناً ‌أم‌ مكاناً أم‌ إنساناً أم‌ كتاباً ‌من‌ كتب الله ‌أم‌ شرعةً ‌من‌ شرائعه ‌أم‌ خطاً ‌من‌ خطوطه التي أراد لعباده ‌أن‌ يسيروا فيها.

‌و‌تتلاحق أوصاف هذا الشهر- ‌في‌ أجواء السلام عليه ‌و‌هي التحية له- انطلاقاً ‌من‌ تنوع مواقعه ‌في‌ شأنه عند الله بالمقارنة مع الشهور الأخرى، ‌و‌‌في‌ مركزه لدى أولياء الله، ‌و‌في‌ علاقته بالإنسان ‌في‌ علاقة الصحبة، ‌و‌‌في‌ امتداده ‌في‌ الزمن، عندما يتوزع عنوانه بين الأيام ‌و‌الساعات.. ‌و‌في‌ الآمال التي تطل فيه على حياة الإنسان.. ‌و‌ في‌ الدائرة التي تمثل حدود الزمن فيه حيث تتحرك الأعمال، ‌و‌‌في‌ السرور بوجوده ‌و‌اللوعة بفقده تماماً كأي قرين حي، أو‌ أليف ينطلق ‌في‌ الشعور ‌في‌ طبيعة معنى الألفة ‌في‌ النفس ثم يأتي ليقترب ‌من‌ الإنسان، كما يقترب ‌أي‌ جار ‌من‌ جاره، ليترك تأثيره ‌في‌ عمق القلوب ‌و‌ليطرد عن ساحته كلّ الذنوب. فهو شهر الله الأكبر، فكلّ الشهور تصغر ‌في‌ خصائصها أمامه ‌في‌ ‌ما‌ منحه الله ‌من‌ الامتيازات، ‌و‌هو‌ عيد أوليائه الأعظم الذي يرتفع بهم إلى أعلى الدرجات، عندما يتحركون فيه ‌في أفضل الأعمال، ‌وأقدس الأيام ‌و‌الساعات بما ‌لا‌ يحصل لهم ‌في‌ غيره ‌في‌ هذه الدرجة، و‌هو‌ الوقت الذي يصحبه الإنسان كأكرم مصحوب ‌في الخير الذي يقدمه لصاحبه، ‌و‌خير شهر ‌في‌ الأيام ‌و‌الساعات ‌في‌ نتائجه الكبيرة ‌في‌ حركة الحياة ‌في‌ الإنسان. و‌هو‌ الشهر الذى أعطى الآمال فرصة كبيرة لتقرب ‌من‌ الواقع ‌في‌ ‌ما‌ يأمله الإنسان ‌من‌ السمو الروحي، ‌و‌الارتفاع المعنوي، ‌و‌الدرجات العليا عند الله. ‌و‌هو‌ الذي نشرت فيه الأعمال فانطلقت ‌في‌ عملية إيحاء منفتح على طاعة الله ‌في‌ التعبير عن إخلاص عبده المؤمن له.  

و‌هو‌ القرين الحبيب الذي يشعر الإنسان بالرابطة الوثيقة التي تربطه به، حيث يشعر بجلالة قدره عند وجوده لمعرفته بمواقع الجلال ‌في‌ خصائصه ‌و‌معانيه، كما يفجع بفقده عند زواله، لما يشعر ‌به‌ ‌من‌ فداحة الخسائر التي تترتب على افتقاده، ‌و‌هكذا تتلاحق صفة المرجو الذي آلم فراقه، والأليف الذي فتح للقلب نافذة على الفرح الروحي عند إقباله، كما أغلق عنه أبواب الانفتاح عند إدباره، وتحرك مع عناصر الشخصية الإسلامية ‌في‌ إيحاءاته ‌و‌مواقعه ‌وأفكاره، حتى بعث الرقة ‌في‌ القلوب، ‌و‌خفف ‌من‌ ثقل الذنوب على النفس.

ارسال التعليق

Top