• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الوطنية» انتماء وعطاء

أ. د. عبدالكريم بكار

«الوطنية» انتماء وعطاء

◄الاستقرار في الأوطان والشعور بالأمان والعيش مع الأهل والأرحام ورفاق الصبا نعمة من أجلِّ النعم التي تستوجب الحمد لله والثناء عليه، ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا أولئك الذين قلِعوا من جذورهم، وصاروا يعيشون في مخيمات اللاجئين، يتذوقون الهوان، وينتظرون يداً حانية تضع شيئاً في صحونهم الفارغة!.. حين يحب المسلم بلده، ويرتبط به، ويسعى لخيره وخير أهله، فإنّه في الحقيقة يسلك طريقاً إلى تهذيب نفسه وتخليصها من الأنانية المقيتة، فالحب والولاء والاهتمام عطاء من أجمل أشكال العطاء.

إنّ كلّ حركة إيجابية وكلّ مساهمة خيرة ترفع من شأن الوطن، هي إضافة لرصيد مجموع المواطنين، وهذا لا يشعر به الناس إلا إذا خرجوا من بلادهم، حيث إنّهم يعاملون في المطارات ومجالات العمل وفي وسائل الإعلام بناءً على جوازات السفر التي يحملونها؛ حينئذٍ يبدو كلّ مواطن وكأنّه صورة مصغرة عن وطنه؛ ولهذا فإنّ أي جهد يبذل في بناء الأوطان يستثمره، وينعم به الباذلون أنفسهم ثمّ أبناؤهم وأحفادهم من بعدهم...

لا يستطيع العظماء والنبلاء وأهل النفوس الكبيرة أن ينسوا مساقط رؤوسهم مهما بلغوا وسموا؛ لأنّ الحنين إلى الأوطان جزء من نبلهم ووفائهم وعظمتهم...

إنّ حبّ المسلم لوطنه جزء من حبّه لدينه؛ لأنّه لا يمكن لنا أن نتطاول في بنيان الدين وأن نعلي من شأنه في أوطان مهزومة أو مضطربة أو ذليلة ومتخلفة. فإذا أردنا لأُمّة الإسلام أن تزدهر، وأردنا للرايات الإسلامية أن تخفق عالياً بالبشر والخير، فإنّ علينا العمل على بناء أوطان عزيزة ومنيعة وخيِّرة، تفيض بالرحمة والبر والتآلف، ويظللها الرخاء والأمن والاستقرار.

احذروا يا بناتي وأبنائي أن تتعاملوا مع الوطن كما يتعامل التاجر مع التاجر: كم ستدفع لي؟ وسلعتي تساوي أكثر... إنّ هذا المنطق يجافي الحب الحقيقي للوطن، أضيفوا إلى هذا أنّ كلّ ما نقدمه لأوطاننا هو قضاء لدين في ذمتنا؛ كما قال شوقي:

وللأوطان في دم كلّ حرٍ *** يد سلفت ودين مستحق

لا تقل أبداً: ما الذي قدّمه لي وطني، وقل: ما الذي قدمته أنا لوطني؟ البلد الصالح هو وطن يسكنه أناس صالحون، والبلد الفاسد بلد يسكنه أناس فاسدون. هنا قد تقولون لي: من هو المواطن الصالح، ومن هي المواطنة الصالحة؟ وأقول في جواب هذا السؤال:

1-  المواطن الصالح والمواطنة الصالحة إنسان قادر على أن يمنح الوطن شيئاً من حبه وعاطفته واهتمامه، وهذا يدفعه إلى خدمته والغيرة عليه والدفاع عنه.

2-  المواطن الصالح قبل كلّ شيء هو لبنة ممتازة يفتخر البنّاء الماهر يجعله جزءاً صغيراً من صرح الوطن الكبير!.

3-  صلاحية المرء لأن يكون جزءاً من صرح الوطن تتجلى في شيئين جوهريين هما: الاستقامة في السلوك والكفاءة الشخصية، فنحن نسعى لبناء وطن مستقيم خلوق ومنيع ومنتج ومستقل.

4-  المواطن الصالح يضبط حريته بالإرادة الجمعية لمجتمعه، فيخضع لأعرافه الصالحة، ويساعد على تقوية لحمته الأهلية.

5-  يشكل المواطن الصالح إضافة لوطنه من خلال إعداده الجيِّد لذاته، ومن خلال كونه شخصاً غير عادي في إتقانه وأدائه لأعماله.

6-  حين يعاني الوطن مشكلات بعينها، فإنّ المواطن الصالح يكون جزءاً من الحل لتلك المشكلات؛ لأنّه ببساطة، لا يشكل عبئاً على الوطن، وإنّما يُنظَرُ إليه على أنّه مساهم في إنقاذه وهذا لا يكون إلا إذا كان المواطن صالحاً مستقيماً خيراً ومنتجاً.

7-  المواطن الصالح يملك فائضاً من الوقت أو الجهد أو المال، ويعمل على توظيف ذلك الفائض في خدمة العناصر الضعيفة من أبناء بلده مثل الأرامل والأيتام والعجزة والمعوقين...

8-  المواطن الصالح يعامل المكان الذي يعيش فيه كما يعامل مثقف ممتاز مكتبته الخاصة، إنّه يستفيد منها، ويمدها بالجديد والمفيد، ويتركها يوم أن يتركها وهي في أفضل ما تكون غنى واكتمالاً.

أضر شيء على الوطن أقوام يتحدّثون عن أمجاده، ويتغنون باسمه، وهم يعملون على إيذائه والإساءة إلى سمعته؛ وأعيذكم بالله من أن تكونوا مثلهم. ►

 

المصدر: كتاب إلى أبنائي وبناتي خمسون شمعة لإضاءة دروبكم

ارسال التعليق

Top