إنّ تكوين الكائن البشري يجعله بمجرد ميلاده يمارس حاجاته في الحال والتي لا يشبعها إلّا البيئة فقط. هذه الحاجات المبكرة بيولوجية (جسمية) خالصة، مثل الحاجة إلى الهواء والغذاء والماء. هذا الاشباع ضروري لحفظ التوازن البدني أي ضروري لتدعيم الحياة (حفظ البقاء).
وخلال نمو الفرد، تؤدي خبرات التعلم المبكرة إلى ظهور حاجات إضافية شخصية واجتماعية وإشباعها ضرورة لحفظ "التوازن الانفعالي".
ومن أمثلة الحاجات الأخيرة: الحاجة إلى الأمن، والرضا الاجتماعي والحاجة إلى تأكيد الذات والحاجة إلى التحصيل، وغيرها – هذه الحاجات النفسية والاجتماعية أكثر تعقيداً من الحاجات البيولوجية – ووظيفتها هو التفاعل مع بعضها البعض – وقد تعمل شعورياً أو لا شعورياً.
الحاجات التي لم تشبع تخلق توتراً بدفع الكائن الحي إلى المبادأة بالعمل على إشباعها بما ينجم عنه خفض التوتر. ولذلك نطلق على هذه الحاجات اسم "الحافز" أو "دافع السلوك"، واختيار الفعل أو الأفعال في وقت ما أو في وقت معيّن، من أجل تحقيق الإشباع (أو خفض التوتر) يعتمد على التعلم السابق للفرد – تماماً كاعتماده على الطاقات الفطرية للفرد ومداها. الدافع (أو الحافز). إذن هو مثير قوي يدفع الإنسان إلى أن يسلك بصورة ما حتى تخف حدة هذا المثير أو يستعبد كلية. والدوافع تعمل داخلياً، إلّا أنّها تعمل متعاونة بلا مثيرات خارجية في إثارة النشاط وتوجيهه. هذه المثيرات الخارجية هي التي تشبع الحاجات الداخلية – وهي ما نطلق عليها، (البواعث Incentive) كلّ دافع من الدوافع الأوّلية يمكن إشباعه في العادة بباعث معيّن أو مجموعة من البواعث.
فالطعام مثلاً، باعث يشبع دافع الجوع، والماء باعث يشبع دافع العطش وهكذا. الباعث إذن هو الشيء أو الهدف الخارجي الذي يشبع الدافع وسمي كذلك لأنّه يبعث الإنسان على الحركة للحصول عليه حتى يشبع الدافع.
وتتوقف أهمية الدوافع ومدى تأثيرها في سلوك الفرد أو شخصيته على قوتها أو شدتها. فدافع الأمومة مثلاً أقوى الدوافع الأولية (الفطرية) وأكثرها إلحاحاً على الحيوان من دوافع الجوع والعطش والجنس.
ومن الدوافع الاجتماعية أيضاً: دافع الثناء واللوم، دافع السيطرة والمناقشة ودافع جذب الانتباه، ودافع التقليد والتعاطف... إلخ.
وهذا التطور الاجتماعي للدوافع يؤدي إلى الفعل الإرادي وضبط النفس مثال ذلك: على الفرد أن ينال قسطاً من التدريب الأخلاقي حتى الثناء والمديح ويتجنب اللوم والتوبيخ.
وهكذا، نحن نغالي حينما نطلب من العامل أن يعمل من أجل الانتاج فحسب ومن أجل العمل ذاته فقط، دون مراعاة لحاجاته المتعددة التي يسعى جاهداً لاشباعها حتى يحتفظ باتزانه البدني واتزانه الانفعالي. إرضاء تلك الحوافز رهن لا بالأجر الذي يناله العامل أو بالظروف الفيزيقية بالمصنع فحسب (أي البواعث المادية للعمل). بل تتوقف أيضاً على الجو الاجتماعي ونوع الاشراف والعلاقات الإنسانية بالمصنع، (أي البواعث المعنوية للعمل) وخاصة فيما يتعلق باشباع الحاجات النفسية والاجتماعية.
فإذا كان الانتاج أو أهداف المصنع فيه إشباع لحاجات العمال في نفس الوقت، فإنّ هذا يستثير طاقات العمال ويحفزهم لبذل المزيد من الجهد لزيادة الانتاج. إلّا أنّه، كثيراً ما يكون الحافز متوفراً لدى العامل ولكن تعوزه الطاقة اللازمة للأداء أو المهارة في الأداء.►
المصدر: كتاب السلوكية والإدارة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق