من بين الأمور التي ركّز عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته المشهورة في فضل شهر رمضان مسألة حفظ اللسان، حيث قال: «واحفظوا ألسنتكم». وحفظ اللسان هو أن لا تستخدم لسانك آلة لمعصية الله، بل لابدّ أن يكون لسانك لسان خير وطاعة وإصلاح، لأنّ هذه المسألة تتصل بحياة الإنسان في نفسه وحياته مع الناس، وحياته مع الله تعالى، فالإنسان ربما يسقط في النّار نتيجة ما يحصده لسانه، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وهل يكب الناس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم يوم القيامة»، وفي الحديث أن اللسان يشرف على الأعضاء ـ في كلّ صباح ـ فيسألهم: كيف أنتم؟ فيقولون: نحن بخير ما تركتنا.
ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): «أَلاَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ، فَلا يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ، وَلاَ يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ، وَإِنَّا لَأُمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصوُنُهُ. وَاعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، وَاللاَّزِمُ لِلْحَقَّ ذَلِيلٌ. أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الْإِدْهَانِ، فَتَاهُمْ عَارِمٌ، وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ، عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ، وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ، لا يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَلاَ يَعُولُ غَنييُّهُمْ فَقِيرَهُمْ». لهذا علينا أن نتعلّم من أمير المؤمنين (عليه السلام) كيف نسعى كي نصون ألسنتنا من الكذب والغشّ وقول الزور والبهتان والغيبة، وكيف نتحرّك كي تكون ألسنتنا ألسنةً لنشر العلم والفضيلة بين الناس، وكيف تكون ألسنة في خدمة الحقّ وأهله، وفضح الظّالمين والمستكبرين، وكيف تكون سلاحاً نواجه به مشاريع الفتنة ونشر الفساد والضّلالات، فكم من ألسنة تتحرّك من أجل خدمة باطل هنا أو عصبيّة هناك أو جهل هنالك، وتبتعد عن الله وسبيله، وتسعى في إحداث الفتنة والفوضى بين العباد.
نحن نعرف أن الله تعالى حرّم على الإنسان الكثير مما يمكن أن ينطقه بلسانه، فحرّم عليه الكذب في الصغير والكبير، وفي الهزل والجدّ، وقد ورد في وصية الإمام زين العابدين (عليه السلام) لأبنائه: «اتقوا الله في الصغير والكبير، في هزل أو جدّ، فإنّ المرء إذا اجترأ على الصغير اجترأ على الكبير»، وقد ورد في الحديث: «لا يكذب الكاذب وهو مؤمن»، فإذا كان الإنسان كذاباً لم يكن مؤمناً، لأنّ الإيمان يربطك بالحق، والكذب يربطك بالباطل، ولا يجتمع الحق والباطل عند الإنسان المؤمن.
وإلى ذلك، ورد تحذير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما قال: «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغتِ، يَكتب الله تعالى بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يَكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه». وقد ورد في الحديث: «رُبَّ كلام أنفذ من سهام». وقال الشّاعر: جراحاتُ السّنانِ لها التـئـامٌ*****ولا يلتامُ ما جرحَ اللّســانُ
وقد جاء في الحديث: «رُبَّ لِسَانٍ أَتَى عَلَى إِنْسَانٍ»، و«كَمْ مِنْ دَمٍ سَفَكَهُ فَمٌ».. حتى ورد: «بلاء الإنسان من اللسان». ومن هنا، حثّت الآيات والأحاديث الإنسان على أن يشدّد الرّقابة الذاتيّة على كلّ كلمة قبل إطلاقها أو كتابتها أو بثّها، توقّياً لمنزلقات هذه الكلمة، ومنعاً من الوقوع في محاذير تبعاتها. وقد اعتبرت هذا التّدبير علامةً فارقة تميّز المؤمن من غيره. ففي الحديث عن الإمام عليّ (علیه السلام): «إنّ قلب المنافق من وراء لسانه، لأنَّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام، تدبّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، وإنّ المنافق يتكلَّم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه». وقد ورد: «لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق