هذه نِعمة من نِعَم الله على الإنسان ومظهر من مظاهر تكريمه وتفضيله، لقد أرسل الله له الرُّسل على فترة من الزمن مبشرين ومنذرين وحملوا لهم شريعة الله وقوانينه التي ينبغي أن يلتزموا بها ليسعدوا في دنياهم وأخراهم، وهذه رحمة من الله بعباده، فالإنسان برغم مَلكته العقلية لا يستطيع أن يتوصّل بمفرده لمعرفة الغيبيات والحقائق التي فوق قدراته العقلية، ولا يمكنه أن يضع شرائع وقوانين مضبوطة تنظّم العلاقات والسلوك والمعاملات التي تحفظ حقوق الأفراد والجماعات، فالقوانين الوضعية هي اجتهادات بشرية قد يصيب فيها واضعها أو يخطئ، أو قد تضعها جهة تريد المصلحة لنفسها أو عشيرتها.
أمّا قوانين الرسالات السماوية فهي رحمة للناس كافّة، تعصمهم جميعاً من الخطأ وتبيّن لهم الأحكام الصائبة وتساوي بينهم، فلا يفضّل أحدهم على الآخر إلّا بالتقوى والعمل الصالح، كما أنّ الرسالات السماوية حجة على الإنسان أمام الله، فلا يستطيع إنكار ما جاء به الرُّسل: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النِّساء/ 164)، والقرآن الكريم الذي جاء به خير ولد آدم (عليه السلام) جاء بلسان عربي مبين، وهي لغة القوم الذين خاطبهم الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (طه/ 110)، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) من صميم القوم وأشرفهم، يعرفون نسبه وأخلاقه وسيرته، وقد ذكر الله فضل الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) على قومه، فقال عزّوجلّ: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران/ 164).
لقد أرسله الله بالهدى ودين الحقّ لقومه وللناس جميعاً في كلّ زمان ومكان حتى لا يكون للناس حجة على الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النِّساء/ 169)، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ/ 28).
والمسلمون مطالبون بتبليغ هذا الدِّين في كلّ زمان ومكان بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدِّين بعدما تبيّن الرُّشد من الغيّ، لأنّ كلّ ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ربّه وما دعا إليه في أقواله وأفعاله وتقريراته هو صدق ينبغي أن يلتزم به المُسلِم ويبلّغه بأمانة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).
ختاماً، فلينظر الإنسان وليتأمّل بعقله لكي يقدّر كلّ نِعَم الله عليه، فلم يتركه للأهواء والظنون ولا لعقله المحدود، فالله الخبير العليم بكلّ الأُمور يعلم أنّ الإنسان خُلِق ضعيفاً في قدراته الجسمية والعقلية والنفسية، فاقتضت رحمته الواسعة الأخذ بيده ليسلك طريق الخير التي يبيّنها له الرُّسل والأنبياء، فكان الوعد والوعيد وبيان ما حاق بالأُمم الظالمة التي سبقت عبرة لكلّ مَن يتذكر وينيب إلى الله: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) (الأنعام/ 7). هذا جزء بسيط من رحمة الله الواسعة بعباده وفضله وكرمه عليهم، وتفضيله على كثير من المخلوقات، فلينظر الإنسان إلى هذه الرحمة وهذا التفضيل بتأمّل ويشكر الله على ما أعطاه وسخّر له.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق