يشير الباحثون إلى أنّ المراهقين الذين يعانون العنف الأُسري غالباً ما يعانون من معوقات في الارتقاء النفسي والمعرفي والانفعالي على حسب المرحلة الارتقائية التي اصطدمت بها سفينة العنف التربوي، وشكل ومقدار هذه الصدمة. ويرى كلّ من «مان وديرموت» أنّ الكثير من الأطفال المارين تحت العصا يكتسبون آلية عدوانية في التفاعل مع الأُمور الحياتية، حتى بعد أن تتوقف الممارسة العنيفة عليهم. كما أنّ الطفل قد يلجأ إلى إجراءات الدفاع البدائية كالإنكار (إنكار حدوث الاعتداء)، والإسقاط (إسقاط الاعتداء في اللاوعي)، والانشقاق (نسيان هذه الخبرة تماماً) حتى يستطيع الطفل الاحتفاظ بخياله الذي يصوّر له أنّه يمتلك والداً جيِّداً.
لكن ينبّه الطبيب النفسي علي إسماعيل على أنّ احتمالية ممكنة لفشل الانشقاق والإسقاط في إخفاء هذه الخبرة التي يحاول الطفل إنكارها فيصيبه الخلل في تصنيفه للأفراد وحصره في صورة جامدة: إمّا الكلّ جيِّد وإمّا لا، وهو ما يخلق بداخله الخوف والرهبة من الآخر بالدرجة التي تسهل التحكم به وتطويعه كما ذهب التفسير السابق عن دور مؤسّسات التطويع في صياغة الإنسان على هذا النمط.
وفي دراسة بعنوان «الوحدة النفسية وعلاقتها بمفهوم الذات» التي ترى أنّ «ثمة خبرة شعورية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة لشعوره بافتقاد التقبّل والحبّ والاهتمام من الآخرين، بحيث يترتب على ذلك العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودّة والصداقة الحميمة، فيشعر الفرد بأنّه وحيد رغم كونه محاطاً بالآخرين»، وهو ما اصطلح عليه بالوحدة النفسية التي تمتاز عن الانفراد النفسي بكونها أمراً إجبارياً لا يختار المرء فيه لنفسه الانعزال، بحسب ما تقوله الدراسة نفسها.
والسؤال: هل يحمل الأمر، في النهاية، من الإيجابيات ما قد يُرى أثره في بحر السلبية المُغرِق؟ وهل كانت التشوهات اللانهائية التي تتسع لها نفس الطفل المُمارس ضده كلّ هذا العنف، بأشكاله المتباينة، عبارة عن أثر جانبي لحلّ مفيد؟ أم أنّ الأمر لا يعدو كونه خللاً لا يحمل الاتزان؟ فمن عدوانية تهدّد التماسك المجتمعي والسِّلم العام، إلى حالة اعتمادية تتلاشى معها استقلالية الفرد، وصولاً إلى عزلة نفسية تقتصه من مجتمعه وذاته: يغيب دور الإنسان داخل جماعته الإنسانية، ويتلاشى أثره الإيجابي في صنع قرارها، بل ويساهم في تمرير العنف كحلٍّ تتوارثه الأجيال في تقويم بعضها البعض.
فلو كانت الإحصاءات تشير إلى تناسب الممارسة العنيفة عكسياً مع مقدار الوعي والتعليم، فهل تلعب التوعية العلمية والدينية دوراً حقيقياً لإرجاء العنف - كحلّ أخير - عند تقويم السلوك، فلا يلجأ المربّي إلى الأشد إذا كان الأخف يحقّق المطلوب؟ وإن كان، فالسؤال سيبقى: كيف يمكن أن يحدث ذاك؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق