◄المجتمع الإسلامي هو المجتمع القائم على أساس الإسلام، بأفكاره ونُظُمه وسلوكه وأعرافه. ومن المعروف أنّ لكلِّ مجتمع من المجتمعات اُسسه ومقوّماته وصفاته العامّة التي تميِّزه عن بقية المجتمعات، لذا فإنّ المجتمع الإسلامي هو مجتمع متميِّز عن المجتمع غير الإسلامي. وقد ثبّت القرآن الكريم والسنّة النبويّة أسس هذا المجتمع الإسلامي، وحددا الروابط والعلائق والصفات العامّة لهذا المجتمع النموذجي للحياة البشريّة المستقرة. ولقد بنى رسول الله (ص) المجتمع الإسلاميّ النموذجيّ في المدينة المنورة، وطبّق المبادئ الإسلامية تطبيقاً عملياً. إنّ أبرز الأُسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، والتي ثبّتها القرآن الكريم والسنّة النبويّة، وطبّقها رسول الله (ص) في مجتمع المدينة المنورة هي:
- احترام شخصيّة الإنسان وتكريمه، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70). فشخصيّة الإنسان وإنسانيّته محترمة في المجتمع الإسلامي، وكرامته مصونة، وعلى هذا الأساس تُبنى العلائق بين أفراد المجتمع الإسلامي، ويتعامل القانون والسلطة والمجتمع مع الإنسان.
- إنّ الروابط التي تربط أفراد المجتمع الإسلامي، هي الروابط العقيدية، وما يتفرَّع عنها من نظام وعواطف... إلخ وهي روابط الأخوّة في الله والولاء بين المؤمنين. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10). وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71). وخطب رسول الله (ص) الناس في حجّة الوداع فقال: "إنّ المسلم أخو المسلم، لا يغشُّه ولا يخونه، ولا يغتابه، ولا يحلُّ دمه، ولا شيءٌ من ماله إلّا بطيبة نفسه". وقال (ص): "مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطُفِهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسدِ بالسّهرِ والحُمّى".
- المساواة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وعدم التفريق بينهم بسبب الجنس أو اللّغة أو اللون أو الثروة أو السلطة... إلخ. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...) (النساء/ 1). ووضّح رسول الله (ص) العلائق بين أفراد المجتمع الإسلامي في خطبته التي خطبها في حجة الوداع فقال: "الناس في الإسلام سواء، الناس طف الصاع لآدم وحواء، لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي إلّا بالتقوى".
- إنّ مقياس التفاضل في المجتمع الإسلامي هو العلم والتقوى: لكلّ مجتمع وجماعة مقياس للتفاضل بين الناس، فبعض المجتمعات تعتبر النّسب أو القومية أو اللون أو السلطة أو الطبقة الاجتماعية أو المال سبباً للاحترام والتفاضل بين الناس. أمّا الإسلام فقد اعتبر العلم والعمل الصالح هما مقياس التفاضل والتكريم، لذلك قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة/ 11). وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13). وينبغي أن يكون واضحاً لدينا أنّ العمل الصالح لا يعني العبادة وحدها، بل يُقصَد بالعمل الصالح أيضاً: كلُّ عمل يخدم المجتمع خدمة خيِّرة، وينفع الناس، كنشر العلم، ومكافحة الفقر، وإنشاء مشاريع البرِّ والإحسان، ومحاربة الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي... إلخ.
- إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي يتميَّز باحترام الأخلاق الفاضلة، والتمسُّك بها، كالعطف والرحمة، واحترام الصغير للكبير، وإلقاء التحية، وحسن الجوار، وصلة الرحم، والتعاون على البرِّ والتقوى واستنكار الظلم والقسوة والعدوان... إلخ.
- إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع تعاوني، تكون الحياة فيه حياة تعاونيّة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإصلاحية... إلخ. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2). وتربية الروح التعاونية تزرع مشاعر الحبِّ والولاء بين أفراد المجتمع، وتساعده على التقدُّم والتطور والإصلاح، فالمجتمع المتعاون يستطيع أن ينشئ المصانع عن طريق المساهمة المالية المتواضعة بإنشائها، ويستطيع أن يبني المستشفيات والمساجد والجامعات ويؤسس صناديق إعانة المحتاجين والمنكوبين، ويمكنه أن يقف بوجه السلطة الظالمة، ويكافح الفساد والانحراف الاجتماعي، ويصدَّ الاعتداء على حرِّيّة الأُمّة وسيادتها، وغير ذلك من الأفعال الكبرى في حياة المجتمع.
- التوازن في الحقوق والواجبات بين الفرد والجماعة: لقد وازن الإسلام بين حقوق الفرد والجماعة، فللفرد في المجتمع الإسلامي مصالحه وحقوقه التي يجب على المجتمع أن يوفِّرها، ويحفظها له، كحقِّ الضمان والكفاية المعاشية عند العجز، واحترام شخصيّته، والدفاع عن حقوقه ومصالحه، والتمتع بحرياته الفرديّة في حدود احترام حقوق الآخرين وحرِّياتهم. وللمجتمع أيضاً حقوق على الفرد، فعلى الفرد أن يفكِّر في مصالح المجتمع، ويتخلّى عن الأنانيّة، ويحبّ للآخرين ما يحبُّ لنفسه. ولقد ثبَّت الله سبحانه هذا الأساس بقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9). وقد بيّن الرسول (ص) هذا التوازن بين الفرد والجماعة بقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها".
وعلى الفرد أن يتحمَّل مسؤوليّته في إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن المنكر، والدفاع عن مجموع الأُمّة، والاهتمام بشؤونها السياسية والاقتصاديّة والثقافيّة والأمنيّة وغيرها. ولقد وضح الرسول ذلك بقوله: "من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم". وقد جعل التشريع الإسلامي توفير احتياجات المجتمع العامة، كالحاجات الاقتصادية والصحية والعلمية والأمنية... إلخ، مثل توفير الطعام والخدمات الطبيّة والهندسيّة، والعلوم العسكريّة والفقهيّة؛ جعلها واجباً كفائياً يجب توفيره لعموم أفراد المجتمع، فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحد اثم الجميع، إلا من كان له عذر. وقد أعطت الشريعة الإسلاميّة الدولة الإسلاميّة حقّ إلزام الأفراد بالقيام بالأعمال والخدمات التي يحتاجها المجتمع إذا لم تكن موجودة بمستوى الكفاية، واعتبرت ذلك واجباً عينيّاً عليهم، كلُّ ذلك لحماية المجتمع، وصيانة البناء الاجتماعي، وحفظ المصلحة العامّة والخاصّة في آن واحد.
- اعتبار الأسرة هي القاعدة الأساس في البناء الاجتماعي: تعتبر الأسرة مؤسّسة اجتماعيّة مقدّسة في نظر الإسلام، يرتبط أفرادها بروابط الزوجية والقربى. وقد وضّح الإسلام الأُسس الكفيلة ببناء الأُسرة، وتحديد الروابط بين الزوج والزوجة والأبناء والآباء، ليعيش الفرد سعيداً في أُسرته، والأسرة في نظر الإسلام هي الأساس في المجتمع، فالمجتمع الإسلاميّ يتكون من مجموعة من الأُسر التي تربطها روابط القربى والجوار والعقيدة والمصالح الاجتماعيّة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق