• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قرار صعب

سمير الأسعد

قرار صعب

التقيتها في مثل هذا الصباح الشتوي الشاعري، مطرٌ خفيف دون رعدٍ أو برق، الشوارع مبللة بالماء ونسمة هواء باردة تلفح الوجوه وتطير الشعر وتداعب الأحاسيس والمشاعر.

لم أعرف كيف تطورت العلاقة بيننا ولكن ابتسامتها الصغيرة دغدغت عروق قلبي، مجرد ابتسامة، تبعها حديث ولقاء وحيد، وها أنا الآن في الطريق إلى بيتها كي أخطبها.

رفض أهلي أن يأتوا معي بحجة أنّني صغير السن على الزواج، وأنّ العلاقة التي جمعتني بها كانت سريعة جداً، ولكن إصرارها وموافقة أهلها شجعني ودفع قدمي على الإسراع والوصول بسرعة إلى باب بيتها الذي فُتح بعد أن قرعت الجرس.

صكت مسامعي ضحكة من وراء باب مقفل وأنا أجلس على كنبة في صالون البيت. البنت الصغيرة التي فتحت الباب اختفت دون أن تتفوه ولو بكلمة واحدة، مرت ربع ساعة وأنا جالس مكاني.. تحيط بي خيالات من البهجة والسرور وخيوط غزلت مستقبلاً أراه أمام عيناي مليء بالسعادة والمحبة وراحة البال.

مرت ربع ساعة أخرى وبدأت أشعر بالقلق والملل، ولكني عزيت الأمر إلى أنّ التحضير لاستقبال عريس في العادة يأخذ وقتاً أطول من المعتاد.

أخيراً سمعت الباب الخارجي يفتح وصوت أقدام تقترب من الصالون، وفجأة اقشعر جسمي ووقف شعره عندما رأيت وجه كلب يطل عليّ من وراء الستارة التي تفصل الصالون عن ممر الباب الخارجي.

كان له رأس كبير وهو يلهث كاشفاً عن أنياب طويلة داخل فم عريض، أصابني الذهول لأنّني توقعت أن يطل أحدهم برأسه من وراء الستارة بعد أن سمعت وقع تلك الأقدام البشرية ولم اتوقع كلباً بهذا الحجم، وبرغم الموقف الحرج الذي أنا فيه إلّا أنّني لمحت طوق الكلب الملتف على عنقه لا يربطه رباط أو حبل، إذن الكلب حر دون قيود إضافة إلى شراسته وحجمه الذي فاق كلّ توقعاتي.

اقترب الكلب مني قليلاً ثم نبح بصوت هائل جفف الدم في عروقي وتردد صوته في تلافيف مخي الذي طار من مكانه ووقع على الأرض تحت قدميّ.

رأيت قبراً رسم على شاهده رأس كلب ضخم تحته اسمي، المرحوم صريع سعار كلب من سلالة حيوان الماموث المنقرض.

اقترب الكلب أكثر وأنا متجمد في مكاني وليس لي سيطرة على أي عضو من أعضائي، وبدأ يتشممني ثم وضع قائمتيه الأماميتين على ركبتيّ وقرّب وجهه من وجهي وشممت رائحة أنفاسه، في اللحظة التي أطل شخص كبير الرأس من وراء الستارة ونهر على الكلب الذي قفز بسرعة وانطلق نحوه ثم أقعى على الأرض بجواره.

ربت على رأسه وهو يوجه الحديث لي سائلاً: ما رأيك بجوجو؟ لطيف ها؟ نحن نرغب دائماً بقياس قوة وبأس وشجاعة مَن يتقدم لخطبة بناتنا. الظاهر إنّك تخاف كثيراً وهذا مزعج.

 نحن لا نعرف الخوف أبداً وبناتنا تحتاج رجالاً لا تهاب شيئاً كي تحميها.

وإذا لم تكن رجلاً تحميها نلقنك درساً لن تنساه أبداً.. ... جوجو! قفز الكلب وشعرت بثقله وهو يرميني على الأرض وأنفاسه الساخنة تداعب أنفي وخيط من الزبد يسيل من فمه اتجاه وجهي ثم استيقظت وأبي يهزني بقوة وأنفاسه الساخنة تهاجم وجهي ويقول: "هيا استيقظ، العرق يغمر وجهك، هل كنت تحلم؟ ساعة فقط تفصلنا عن الموعد لطلب يد تلك الفتاة التي أعجبتك وتريد خطبتها".

كان الإحباط والخوف والاشمئزاز هو الملازم لنفسيتي التي تحطمت ونحن نسير على الرصيف باتجاه بيتها.

الكابوس الذي عشته والذي أعطاني إشارة قد تكون حقيقية أو مجرد وهم أو خوف من حياة متغيرة كيلا ارتبط بهذه العائلة أو حتى بغيرها في الوقت الحالي، ولكن يجب توفر مبرر قوّي خاصّة أنّنا على موعد مسبق ولا مجال للتراجع إلّا.... إذا كنتُ معاقاً أو مصاباً، واتخذت القرار... وفي اللحظة التالية تعالت عدة صرخات وأنا اتدحرج أمام تلك السيارة المسرعة والتي ارتفع صوت فراملها تحتك بالأرض، ولكن فات الأوان على سائقها كي يتفادى الاصطدام.

ارسال التعليق

Top