• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ذهن صافٍ وحاد مدى الحياة

ذهن صافٍ وحاد مدى الحياة

تقدمنا في السن لا يجب أن يعني تراجعاً في قدراتنا الذهنية. فالحفاظ على حدة ذهننا، وقوة ذاكرتنا، وقدرتنا على التركيز والاستنتاج والتحليل أمر ممكن في مراحل حياتنا كافة.

التمتع بصحة ذهنية جيدة طوال العمر أمر ممكن إذا احترمنا بعض القواعد الصحية والتعليمات الوقائية. ويساعد فهمنا للطريقة التي يشيخ فيها الدماغ في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقايته، والحفاظ على صحته وقوته. ويقول الخبراء إن قرن آمون (Hippocampus)، المركز المسؤول عن وظائف التعلم والذاكرة في الدماغ، هو أولى المناطق التي تصاب بالتلف التدريجي وبالتدهور. فمع بلوغ الأربعين تقريباً، نشهد بداية ما يعتبر تغيرات طبيعية في الإدراك، ضعف الذاكرة، تشتت الانتباه، بطء في معالجة المعلومات، نتيجة انكماش الدماغ (بسبب تضاؤل عدد الخلايا العصبية، أو خلايا الدماغ)، وتباطؤ الإشارات العصبية، وإخفاق في التواصل بين خلايا الدماغ.

والعديد من هذه التغيرات تحصل نتيجة البلى الطبيعي، الذي يصيب النخاعين (Myelin) وهي المادة الدهنية التي تعزل وتحمي الخلايا العصبية.

وتسهم الأمراض المزمنة، مثل: تصلب الشرايين، السكري. والمشاكل النفسية، مثل الاكتئاب في تفاقم انكماش الدماغ واضطراب وظائف الخلايا العصبية، ويمكن أن تزيد من إمكانية الوقوع في فخ النسيان وتشتت الذهن بشكل روتيني في عمر أبكر من المعتاد، وقد يكون مؤشراً إلى قرب الإصابة بالعته.

 

سبل الوقاية:

يعتقد الخبراء أننا مادمنا نحافظ على صحتنا البدنية والنفسية، فإننا نتمكن من مواصلة إنتاج خلايا دماغية جديدة، ومن ترميم النخاعين التالف، ما يساعدنا على الحفاظ على لياقتنا الذهنية مع تقدمنا في السن. ولتحقيق ذلك يقدم هؤلاء عدداً من النصائح الطبيعية أبرزها:

1-    ممارسة الرياضة:

أظهرت دراسة أجريت في جامعة الينوي الأميركية أنّ المشاركين يحرزون في اختبارات الذاكرة نتائج أفضل عندما يخضعون لها بعد ممارسة تمارين الأيروبيكس لمدة نصف ساعة. ويقول عالم الأعصاب باتريك هوجان إنّ القدرة على التعلم، التذكر، التحليل المنطقي، التيقظ، والمزاج، جميعها تتحسن مع تحسين اللياقة البدنية. والتمارين الرياضية النشطة تعزز انسياب الدم والأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وفي الدماغ أيضاً، وتحفز إفراز هرمونات النمو في الدماغ، ما يساعد على تشكل خلايا جديدة. وكان قد تبين أن حجم قرن آمون يكون أكبر لدى اللائقين بدنياً، مقارنة بالكسالى. كذلك فإنّ الأشخاص النشيطين بدنياً قد يكونون أكثر ذكاء أيضاً. ويقول البروفيسور كيرك أريكسون، أستاذ علم النفس المساعد في جامعة بيتسبورغ الأميركية: إنّ الرياضة تسهل مهمات ذهنية صعبة مثل تخطيط الاستراتيجيات، عن طريق تشكل اتصالات جديدة بين خلايا الدماغ.

من جهة ثانية، فإنّ ممارسة الرياضة تساعد على إبطال تأثير التوتر المزمن، الذي يمكن أن يضر بالدماغ. فعندما نتعرض للضغوط المتواصلة، ترتفع لدينا مستويات هرمون التوتر، الكورتيزول، الذي يغير تركيبة الدماغ، ويسهم في انكماش قرن آمون، ويعيق قدرتنا على التعلم والتذكر. والرياضة تسهم في خفض مستويات الكورتيزول وفي تنشيط عملية إنتاج خلايا عصبية جديدة. فضلاً عن ذلك فإنّ النشاط البدني يساعد على إفراز الأندورفينات والمواد الكيميائية الطبيعية الأخرى التي تهدئنا وتساعدنا على التركيز. وينصح أريكسون بممارسة التمارين الرياضية معتدلة القوة لمدة نصف ساعة، 3 أيام في الأسبوع على الأقل. وكلّ رياضة تسرع عملية التنفس، مثل الركض، ركوب الدراجة تعتبر جيدة. وينصح البحاثة في جامعة ميتشيغان الأميركية الجميع بممارسة رياضة المشي السريع أو الرياضات الأخرى في المتنزهات أو الغابات، فقد تبين لهم أنّ الأشخاص الذين كانوا يفعلون ذلك أحرزوا في اختبارات الذاكرة والانتباه نتائج أفضل بنسبة 20% عما أحرزه أولئك الذين مارسوا الرياضة في مكان مغلق، أو في شوارع المدينة.

وتبين في دراسة أجريت في اليابان أنّه إضافة إلى كون الرياضة تحسن الذاكرة، فإنّ الغناء أثناء ممارسة الرياضة يعزز القدرة على حفظ المعلومات لدى أكثر من 70% من المشاركين. ويعتقد البحاثة أنّ الغناء يمكن أن يجعل الرياضة أكثر متعة، ويشجع المشاركين على الاستمرار في ممارستها.

 

2-    اتباع نظام غذائي صحي:

الطعام هو الوقود الذي يستخدمه الدماغ لأداء وظائفه، ولكن من الضروري تناول الأطعمة المناسبة. ويقول البروفيسور فيرناندو جوميز بينيلا، المتخصص في جراحة الأعصاب: إننا نحتاج إلى سلسلة واسعة من الفيتامينات، المعادن والعناصر المغذية لضمان صحة جيدة للدماغ. وهذا يعني تناول كمية وافرة من الفواكه والخضار المتنوعة، مثل: ثمار العليق والتفاح، لأنها غنية بفيتامين C وبالفلافونويدز، وكلاهما مضاد للأكسدة يساعد على بقاء خلايا الدماغ في أفضل حال. كذلك يجب تناول البروكولي، والسبانخ لاحتوائهما على كمية من فيتامينات A, C, E تفوق تلك الموجودة في أي خضار أخرى. أما الأسماك فتعتبر أساسية لصحة الدماغ نظراً إلى غناها بأحماض أوميغا- 3 الدهنية التي تحافظ على قوة أغلفة خلايا الدماغ. ومن الضروري تناول الطعام كلّ بضع ساعات خلال النهار للحفاظ على استقرار مستويات سكر الدم، فانخفاضها الكبير يؤثر سلباً في قدرتنا على التفكير الصحيح.

ومن أبرز المنتجات الغذائية التي ينصح بينيلا بتناولها في وجبة الإفطار هي اللبن، رقائق الحبوب الكاملة وثمار العليق، وخاصة العنبية (Blueberries)، القهوة. فاللبن غني بالبروتين الذي يوفر طاقة متواصلة، ما يساعد على بقاء الدماغ متنبهاً  كلّ فترة الصباح. والبروتين يسهم أيضاً في رفع مستويات الأيبنفرين والدوبامين، وهما مادتنان كيميائيتان طبيعيتان تساعدان على تعزيز تيقظنا. أما رقائق الحبوب الكاملة فتمدنا بالغلوكوز، الوقود الأساسي للدماغ، بينما توفر لنا ثمار العنبية، عدداً كبيراً من مضادات الأكسدة التي تعزز إنتاج خلايا دماغية جديدة وتحسن الذاكرة. وتجدر الإشارة إلى أن ثمار العنبية تحتل المرتبة الأولى على لائحة الفواكه المفيدة لصحة الدماغ. فقد تبين في دراسة مخبرية أجريت على الفئران في جامعة تافتس الأميركية، أن تناول العنبية يسهم في زيادة نمو الخلايا في قرن آمون. ويعزو البحاثة ذلك إلى الأنثوسيانين، المادة الزرقاء الدكناء التي تمنح العنبية لونها المميز، والتي تحتوي على عناصر كيميائية تخترق حاجز الدم – الدماغ وتدخل المناطق الدماغية المسؤولة عن التعلم والذاكرة. ويقوم الكافيين الموجود في القهوة بتنبيه الدماغ وتنشيط أدائه، ويمكن أن يساعد على تقوية الذاكرة والقدرة على التحليل والاستنتاج.

أما في وجبة الغداء فينصح بتناول: سلطة السبانخ والخضار المتنوعة، مع الجوز المقطع والزيت، عنب أحمر، وشاي أخضر. فالسبانخ غني بفيتامين E الذي يساعد على إبطال مفعول الجزيئات الحرة التي تضر بخلايا الدماغ، والزيت يساعد الجسم على امتصاص هذا الفيتامين. أما الجوز فهو مصدر مهم لأحماض أوميغا- 3 الدهنية التي تخفف من الالتهابات في الدماغ، وتساعده على أداء وظائفه بشكل جيِّد. وتحتوي الخضار والفواكه الملونة على مجموعة كبيرة من مضادات الأكسدة والعناصر المغذية المفيدة للدماغ، كما يحتوي الشاي الأخضر على الفلافونويدز التي تعزز الأداء الذهني.

أما وجبة العشاء فيمكن أن تحتوي على معكرونة مقواة بالفيتامينات، صلصة طماطم، سمك سالمون، بروكولي. والمعكرونة المقواة بالفيتامينات تحتوي عادة على حمض الفوليك الذي يحسن وظائف الدماغ. أما صلصة الطماطم فغنية بمضادات الأكسدة التي تمنع الالتهابات. والسمك غني بأحماض أوميغا- 3، والبروكولي بفيتامين E.

من جهة ثانية تبين في دراسة أجريت في جامعة فلوريدا الأميركية، واستغرقت 10 سنوات، وشملت 1800 شخص، أنّ إمكانية الإصابة بالعته المبكر، تنخفض بنسبة 7% لدى الأشخاص الذين يحتسون عصير الخضار وعصير الفواكه 3 مرات في الأسبوع. ويعتقد البحاثة أن سبب ذلك يعود إلى النسبة العالية والمركزة للبليفينولز (مضادات أكسدة واقعية للخلايا) الموجودة في العصير.

 

3-    تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيوط:

يؤكد فريق من علماء النفس وأطباء الأسنان البريطانيين أن صحة الفم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالصحة الذهنية. فبعد إجراء دراسات شملت آلافاً من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 سنة، تبين أن مرض التهاب اللثة والنسيج المحيط بالأسنان، يرتبط بتدهور الوظائف الذهنية في مراحل الحياة كافة، وليس فقط في سن متقدمة. وفي دراسة أخرى شملت 100 توأم، وجد البحاثة السويديون والأميركيون أن إمكانية الإصابة بمرض الزهايمر تتضاعف أربع مرات لدى الأشخاص الذين فقدوا عدداً من أسنانهم بسبب أمراض اللثة. فالجراثيم الموجودة في الفم يمكن أن تسبب التهابات مزمنة، تؤثر سلباً في عملية انسياب الدم إلى الدماغ. لذلك من الضروري تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون لمدة دقيقتين على الأقل، مرتين في اليوم، إضافة إلى تنظيفها بالخيوط الخاصة مرة على الأقل يومياً قبل النوم.

 

4-    ممارسة تمارين الأيروبيكس الذهنية:

يقول البروفيسور روبن ويست، أستاذ علم النفس في جامعة فلوريدا: إنّه من الضروري وضع الدماغ يومياً أمام تحديات تتمثل في محاولة تذكر معلومات جديدة، مثل الوقائع المهمة في نشرة الأخبار، أو أسماء أشخاص جدد قابلناهم في حفل. ومن المفيد أيضاً المواظبة على حل الأحجيات المختلفة والكلمات المتقاطعة. ففي دراسة أجريت في جامعة ألاباما الأميركية، وشملت أكثر من 3000 شخص متقدم في السن، تبين أن أولئك الذين شاركوا في 10 جلسات تتراوح مدة كلّ منها بين 60 و75 دقيقة، وتتضمن أداء تمارين تحتاج إلى تفكير، تحليل واستنتاج، نجحوا في تقوية قدراتهم الذهنية إلى درجة صارت أدمغتهم فيها تعمل مثل أدمغة الأشخاص الذين يصغرونهم بعقد من الزمن.

وينصح الخبراء بالاحتفاظ بكتيبات الكلمات المتقاطعة، أو السودوكو أو الأحجيات الأخرى في متناول يدنا كي نشغل أذهاننا في حلها في أوقات فراغنا. ومع الوقت علينا أن نزيد من صعوبة هذه الأحجيات، بحيث تشكل تحديات جديدة للدماغ.

من جهة ثانية ينصح الخبراء بعدم العمل على مهمتين مختلفتين في الوقت نفسه، فمن شأن ذلك أن يصدع ويجزئ تركيزنا، ويزيد من صعوبة تعلمنا أشياء جديدة.

 

5-    التأمل:

من المعروف أن ممارسة التأمل تسهم في التخفيف من التوتر والضغط النفسي اللذين يضران بالدماغ. لكن دراسة حديثة أجريت في مستشفى ماساتشوستس الأميركي جاءت لتؤكد أنّ التأمل يساعد أيضاً على تعزيز نمو الخلايا الدماغية. فقد تبين أن منطقة اللحاء الدماغي (تتحكم في الذاكرة، اللغة، والأحاسيس) لدى المشاركين الذين يمارسون التأمل، شهدت نمواً لم يحصل مثله لدى الآخرين. إضافة إلى ذلك، فإن ممارسي التأمل في دراسة أجريت في جامعة كونتاكي الأميركية أحرزوا نتائج أفضل في سلسلة من الاختبارات التي تقيس حدة الذهن، مقارنة بالآخرين الذين لا يمارسون التأمل. وعلى الرغم من أنّ المشاركين في هذه الدراسة كانوا يمارسون التأمل لمدة 40 دقيقة في اليوم، إلا أنّ المشرفين عليها يقولون إنّه في إمكاننا البدء بممارسة التأمل لمدة ربع ساعة في اليوم، أثناء ساعة الغداء مثلاً، أو في الصباح قبل التوجه إلى العمل. والتأمل سهل، يكفي أن نجلس مستقيمي الظهر في مكان مريح، هادئ بعيداً عن كلّ ما يمكن أن يشتت انتباهنا. ثمّ نغلق أعيننا ونركز انتباهنا على حركة تنفسنا. ومن المهم أن تتحول هذه الممارسة إلى عادة يومية، كي نجني منها الفوائد المرجوة.

 

6-    الامتناع عن التدخين:

يؤكد الدكتور دافيد ولك، الأستاذ المساعد في طب الأعصاب في جامعة بنسلفانيا الأميركية، أنّ التدخين يزيد من خطر الإصابة بمرض الأوعية الدموية الدماغية، وهي حالة لا يحصل فيها الدماغ على كلّ ما يحتاج إليه من دم لأداء وظائفه بشكل جيِّد، ويعلق قائلاً: إنّ هذا ما هو إلا سبب إضافي من آلاف الأسباب التي يجب أن تدفعنا إلى التوقف عن هذه العادة القاتلة.

 

7- النوم لمدة كافية:

يؤدي الافتقار إلى النوم إلى انخفاض مؤقت في مستويات نوع من البروتينات يلعب دوراً أساسياً في عملية تخزين المعلومات. وينصح بينيلا بالنوم لمدة كافية، حوالي 8 ساعات كلّ ليلة، للحصول على الراحة اللازمة، وللحفاظ على قوة الذاكرة وحدتها.

ارسال التعليق

Top