د. أندرو يتوبيرغ ومارك روبرت والدمان-ترجمة: رفيق غدار
يُعتبر التواصل التعاطفي في مكان العمل حاسماً للنجاح الفردي وللنجاح الإجمالي للشركة، وهو يبدأ في اللحظة التي ينظر فيها شخصان أحدهما إلى الآخر. للانطباعات الأولى أهميّتها في مكان العمل. وجدت دراسة مسح دماغ حديثة أنّ المرء يستطيع أن يكتشف، بالنظر إلى وجه المدير التنفيذي للشركة، ما إذا كان المدير جديراً بالثقة، ومتمتِّعاً بمهارات قيادة قوية، وناجحاً من الناحية المالية في السيطرة على الشركة.
بالطبع، يمكن للمظهر أن يكون خدّاعاً، ومن السهل أن نخلط بين الكاريزما (الجاذبية الشخصية) – قدرة الشخص على شعّ الثقة – والكفاءة (الجدارة). يتكلّم القادة الكاريزميون بفلسفة تستند إلى القِيَم، ومن شأن هذا أن يحفِّز قيماً مماثلة في الناس التابعين لإمرة القائد. ولكن إذا كان القائد لا يطبِّق ما يعظ به، فإنّ شعور التابعين بأنّهم قد خُدِعوا سيدمِّر مصداقية القائد، ويُحتمل أن يدمِّر مصداقية الشركة نفسها. راقِب فقط سوق الأوراق المالية (البورصة) عندما ينتهك قائد شركة مقياساً أخلاقياً، أو يعلق في هوّة النفوذ والجشع. تعكس هذه القضايا الأهمية الكبرى لامتلاك إحساسٍ قوي بالقِيَم والمحافظة عليه. - قيمة تنفيذ العمل = قيمة تنفيذ القِيَم: بيتر ف. دروكر هو معلِّم مشهور دولياً ومعروف بكتبه الرائجة حول إدارة الأعمال، والقيادة، والريادة. وقد طوّر واحداً من أوّل برامج الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال في كلّية الدراسات العليا في جامعة كليرمونت، حيث كان بروفيسوراً في العلوم الاجتماعية. في عمر التاسعة والثمانين، وفي مقالٍ له نُشِر في مجلة هارفارد لنقد الأعمال Harvard Business Review، ذكر دروكر أنه إذا أردتَ أن تبني حياةً ملؤها الامتياز، اسأل نفسك هذه الأسئلة: "ما هي قِيَمي؟" و"ما هي نقاط قوّتي؟" و"بماذا يمكنني أن أساهم؟". في ما يتعلق بالقِيَم، كتب دروكر: "من أجل أن تكون قادراً على إدارة نفسك، عليك في النهاية أن تسأل: ما هي قِيَمي؟ ليس هذا سؤالاً في الأخلاق... فالأخلاق مجرّد جزء من نظام القِيَم؛ خصوصاً من نظام القيم لمنظَّمة. إنّ العمل في منظّمة لا يتوافق نظام القيم خاصّتها مع ذاك للفرد أو لا يكون مقبولاً من قِبَله سيؤدّي بالفرد حتماً إلى الإحباط وسوء الأداء". يضيف دروكر: "ولكن في بعض الأحيان يكون هناك تضارب بين قِيَم الشخص ونقاط قوّته". ماذا عليك أن تفعل حينها؟ يعتقد دروكر أنه إذا كنت لا تقوم بمساهمة حقيقية لنفسك وللعالَم، فيجب أن تترك تلك الوظيفة وتبحث عن غيرها: "بتعبيرٍ آخر، القِيَم هي الاختبار النهائي، وينبغي أن تكون كذلك". حكيم الشركات التالي هو مارشال غولدسميث، المُعترَف به كواحد من مفكِّري العالم الخمسة عشر الأكثر نفوذاً. يدرِّس غولدسميث التعليم التنفيذي في كلية توك لإدارة الأعمال في دار تموث، وكان العميد المشارك لكلية إدارة الأعمال في جامعة لويولا ماريماونت، وله مؤلّفات عديدة رائجة، وقد درّب بعضاً من المدراء التنفيذيين البارزين في العالم. يؤكِّد الدكتور غولدسميث بشدّة على القِيَم الشخصية وتلك المتعلقة بالشركة، ولكنه يشعر أنّ المصطلح قد عولج بكثير جدّاً من السطحية. إنّ كلمات مثل نوعية، ونزاهة، واحترام تبدو مُلهِمة، ولكن إذا لم تمّ اتّخاذ إجراء لدعمها، فإنّ الكلمات تبقى فارغة: "هناك أملٌ ضمني بأنّه عندما يسمع الناس – خصوصاً المدراء – كلمات عظيمة، فسيبدأون في إظهار سلوك عظيم". ولكنهم لا يفعلون. الحلّ: احصل على تغذية راجعة صادقة من الموظّفين واستجب لها باحترام. لهذا السبب يفشل التواصل التعاطفي أحياناً في عالم الأعمال، لأنّ القادة قد لا يرغبون في التخلّي عن سيطرتهم الاستبدادية. إذا كنت لا تقدِّر وتحترم قيم الموظّفين وإسهاماتهم الفريدة، فليس بإمكانك أن تجمع فريقاً من الناس وتجعلهم يتواصلهون بفعالية لبلوغ رضاً وتعاون مشترك. يعبّر غولدسميث عن ذلك بصراحة فظّة: كقادة، نحن عادةً ما نعظ بقيم تتعلق بالناس والعمل الفريقي، ولكننا نستثني أنفسنا أحياناً من تطبيقها. وفي كثير من الأحيان، تفشل المنظّمات في إلزام قادتها بتطبيق هذه القيم. هذا التضارب يؤدي إلى الاستخفاف بالشركة، ويُضعِف المصداقية، ويمكن أن يستنزف حيوية المنظّمة. إنّ الإخفاق في دعم القِيَم المُعتنَقة بشكلٍ عام (وقيم "الناس" بشكلٍ خاص) هو واحدٌ من أكبر الإحباطات في مكان العمل. إذا لم نتعمّد قيمة القيم ضمن محيط الشركة، كبُعدٍ واضح من سياسة الشركة، فكيف سيتحسّن سلوكنا؟ - ابنِ احترام الذات في أسبوع واحد: ابتُدع هذا التمرين من قِبَل كلّية روس لإدارة الأعمال في جامعة ميتشيغان. اطلب من 10 إلى 20 شخصاً تعرفهم وتثق بهم – أصدقاء، زملاء، أقرباء، زبائن... إلخ – أن يعطوك وصفاً موجزاً للطرق التي تُضيف بها القيمة إلى حياتهم. اسألهم لماذا يقدّرونك، وألِّف مقالةً موجزة تدمج المعلومات التي تلقّيتها. ستبني بذلك صورة قلمية عن حقيقة نفسك في أحسن حالاتك. - الحفاظ على العلاقة: ليس علينا فقط أن ننقل قيمنا إلى الآخرين، ونعمل وفقاً لها، بل علينا أيضاً أن نفعل ذلك بطريقة تُظهِر تقديرنا الفعلي لهذه القيم. بتعبيرٍ آخر، القادة مسؤولون عن غرس التفاؤل والثقة في الآخرين. ويمكن لهذا أن يحدث فقط إذا قدّرنا الاحتياجات الداخلية لبعضنا بعضاً بشكلٍ متبادل. على سبيل المثال، أجرى الباحثون في قسم الإدارة في جامعة دركسل دراسة حديثة (100- year profile study) على 75 مديراً تنفيذياً لفرق بيسبول كبرى. ووجدوا أنّ أولئك الذين شجّعوا الثقة والتفاؤل في فرقهم فازوا بمباريات أكثر وجذبوا مشجِّعين أكثر، وأظهروا اهتماماً بالآخرين أكثر من اهتمامهم بأنفسهم. ولكنّ المدراء التنفيذيين الذين أظهروا علامات غرور، وخيلاء، وأنانية، فازوا بأقلّ عدد من المباريات وجذبوا أقل عدد من المُشجِّعين. مرّة أخرى، نرى أنّ اللطف والدعم الإيجابي يُحدِث كل الفرق في مكان العمل. وهذا صحيح تحديداً في مِهن الرعاية الصحية وضمن الأنظمة التعليمية. إنّ قدرتك على الإحساس بالآخرين بعمق تشكِّل عاملاً رئيسياً لكلّ أشكال النجاح في العلاقات؛ في العمل، وفي البيت. وإذا وجدت نفسك في موقع الإشراف على الآخرين – سواء أكانوا موظّفيك أو أولادك – فتذكَّر التالي: إنّ القادة الذين يقدّمون أقلّ قدر من التوجيه الإيجابي لمرؤوسيهم يكونون أقلّ نجاحاً في تحقيق أهداف منظّمتهم، ويكون الموظّفون غير سعداء بعملهم. بالفعل، فإنّ عدم اتّخاذك لدور فعّال في الحوار وبناء فريق العمل، سيولِّد خلافات أكثر بين الأشخاص في مجموعتك. - استخدام التواصل التعاطفي في كلّيات إدارة الأعمال: أصبحت القيادة المستندة إلى القيم أولويةً في عالم إدارة الأعمال، وهو السبب في تبنّي التواصل التعاطفي من قِبَل برنامج الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال في جامعة لويولا ماريماونت في لوس أنجلوس. بما أنّ عناصر التواصل التعاطفي تشتمل على استراتيجيات لتقليل الإجهاد، فهذه مكافأة إضافية للناس الذين يعملون بدوام كامل واختاروا العودة إلى الدراسة لتعميق مهاراتهم التنظيمية. يشير كريس ماننغ، وهو بروفيسور في علم تدبير الموارد الماليّة، إلى الحاجة إلى استخدام الإيجاز، والوضوح، والحنوّ في كلّ وجه من أوجه العمل، والقيادة، والتعليم: "في غرفة التدريس، تعلّمت أنه من الضروري أن أقيم علاقة وئام مع طلابي قدر الإمكان. عندما بدأت التعليم لأوّل مرّة قبل 30 سنة، كنت عادةً أتحدّث بسرعة جدّاً مُحاوِلاً أن أغطّي أكبر قدرٍ ممكن من المادة ضمن الوقت المحدّد للمقرّر. وقد أسفر هذا عن إرباك الطلاب بالحِمل الدراسي المطلوب منهم، وهو إجهاد إضافي لصفّ جامعي صعب مُجهَد بالفعل. تدنت العلامات، تحديداً تلك للطلاب الأضعف، وانسحب بعض الطلاب من المقرّر. علّمتني هذه التجربة أنّ علينا، كمعلّمين ومدراء أعمال تنفيذيين، أن نفعل كل ما بوسعنا لنُرِي الطلاب وقادة الشركات لماذا ستتحسّن مهاراتهم الإدارية مع الآخرين إن هم انتزعوا وقتاً من جدول أعمالهم المزدحم ليفكِّروا مليّاً في قِيَمهم الشخصية وتلك الخاصة بالعمل. إنّ مجرّد أخذ بضع دقائق يومياً للإسترخاء والحضور يمكن أن يجعل شركاتهم أكثر نجاحاً. وإذا لم يَسِموا محادثاتهم ومفاوضاتهم الخاصة بالعمل بهذين الفِعلَين (الاسترخاء والحضور)، فإنّ المبيعات ستتراجع، والموظّفين سيتركون العمل". - التفاوض التعاطفي: تؤكِّد ديبورا كولب، في كلّية الدراسات العليا للإدارة في جامعة سيمونز، على أهمية إظهار تقدير عميق وحقيقي عند التفاوض مع الآخرين: "إنّ الخطوات التقديرية تغيِّر المزاج أو الجوّ ما يفسح المجال لمبادلة كلامية أكثر اتّساماً بالتعاون". وتضيف أنّ هذا يساعد في ضمان ترسيخ جميع المتفاوضين لثقة مشتركة، بعيداً عن "مسرحيات القوّة غير المنطوقة وفي ضوء حوار حقيقي". وتذكَّر: كلّما تواصلت أكثر بطريقة ودودة، وداعمة، وحماسية، ومراعِية بصدق لشعور الآخرين، ستُفهَم أكثر من قِبَل الآخرين كقائد تحويلي. - التيقُّظ، والإجهاد، والإنتاجية: هربرت بنسون، من جامعة هارفارد، هو واحدٌ من أبرز الباحثين في العالم في مجال الآليّات العصبية للتيقُّظ، والاسترخاء، والإجهاد. وهو يستخدم اكتشافاته لتعليم الناس كيف يستفيدون من عملهم إلى الحدّ الأقصى من دون أن يُنهَكوا. اكتشف بنسون، أنّ الشخص يمكن أن يستخدم لغة القيمة الداخلية لتقليل الإجهاد الفيزيائي والعاطفي. وتستخدم طريقته الموثّقة جيِّداً المعروفة باسم استجابة الاسترخاء تكرار كلمة أو عبارة ذات معنىً عميق بالنسبة إلى الشخص لتوليد تغيُّرات صحية في كامل أنحاء الجسم والدماغ. يُطلِق بنسون على تقنيّته الجديدة اسم مبدأ التحرُّر Breakout principle، وهي تساعد الناس الكادِّين في عملهم على التحكُّم بمستوياتهم من الإجهاد بطريقة تحسِّن الإنتاجية والإبداع. إليك العناصر الأساسية، كما وُصَفت في مجلة هارفارد لنقد الأعمال Harvard Business Review. أوّلاً، ابذل أقصى جهدك في أثناء عملك على مشكلة محدّدة أو هدف. اغمر نفسك كليّاً في التجربة، ولكن حافِظ على إدراكك لمستوى الإجهاد لديك. وفي اللحظة التي تشعر فيها بالتعب، خذ فرصة وافعل شيئاً لا يرتبط بتاتاً بالعمل. اذهب في نزهة على الأقدام، أو لاعِب حيوانك المدلّل، أو خذ دشّاً. عندما تقوم بهذا، يهدأ الدماغ، ولكن على نحوٍ متناقض، يزداد النشاط في المناطق الدماغية المرتبطة بالانتباه، ومفاهيم الحيّز والوقت، واتّخاذ القرار. يمكن أن يقود هذا إلى بصيرة مفاجئة مبدِعة. مع التدريب، ستصل إلى حالة طبيعية جديدة من الإدراك المعزَّز والإنتاجية، بشرط أن تدمج استراتيجيات التيقُّظ وتقليل الإجهاد في حياتك اليومية؛ تمارين مثل تلك التي قدّمناها في هذا الكتاب. - زيادة الإنتاجية في العمل: مارسيال لوسادا هو مدير مركز الأبحاث المتقدّمة في آن أربور في ميتشيغان. أظهر بحثه الرائد أنّ أكثر فِرَق الأفراد نجاحاً في مجال العمل هم أولئك الذين يُظهرون إيجابيةً أكثر في تواصلهم بعضهم مع بعض. سيُظهر الشخص السلبي استهجاناً أو سخرية مستخدِماً إمّا كلماته الخاصة ("تلك فكرة غبية!") أو تعابيره الوجهية عندما يُقال شيء في المحادثة لا يعجبه. سيُظهِر الشخص الإيجابي الدعم، والتشجيع، والتقدير تجاه الآخرين، حتى لو كان لا يوافق على كلامهم أو خطّتهم. وقد يقول شيئاً مثل: "أنا أفهم ما تفكِّر فيه، ولكن دعني أشرح لماذا أعتقد أنّ هناك طريقة أفضل". إنّ الاستجابة بهذا النحو تتطلّب مهارةً وبُعدَ نظر، ولهذا السبب نحن نوصي بأن يأخذ الشخص بضع ثوان إضافية ليتدرّب ذهنياً على ما سيقوله، خصوصاً قبل أن يستجيب لشيء لم يعجبه. درس لوسادا 60 فريق عمل، ووجد أنّ المجموعات التي أظهرت نسبة 5 إلى 1 من التعابير الإيجابية مقابل السلبية كانت الأكثر نجاحاً في العمل. أمّا المجموعات التي قلّت نسبة تعابيرها الإيجابية إلى السلبية عن 3 إلى 1 فقد كانت الأقل نجاحاً. وعلاوةً على ذلك، يشكّل الناس ذوو النِّسَب الإيجابية العالية علاقات وروابط أقوى مع الآخرين. وهم دائماً ممتنّون، ومتفائلون، وجديرون بالحب، ويُظهرون الحنوّ دائماً تجاه الآخرين. أمّا الناس السلبيون فهم نزقون، ومُزدَرون، وعادةً ما يكون تواجدهم بغيضاً للآخرين. أظهرت أبحاثٌ أخرى أنّ من شأن الناس الذين يعملون تحت إمرة قائد إيجابي للغاية أن يكونوا أكثر سعادةً بعملهم. وفقاً للوسادا وزميلته في البحث باربارا فردريكسون (مؤسِّسة مشاركة لعلم النفس الإيجابي)، فإنّ أقلّ من 20 بالمائة من الراشدين الأميركيين يحافظون على نسبة إيجابية إلى سلبية مساوية 5 إلى 1، حيث يختبر المرء مدىً أمثل من الأداء، والخير، والإنتاجية، والنموّ، والمرونة". من الواضح أنّ هذه دعوة لنا لتشجيع التفكير والتواصل الإيجابي متى ما كان ممكناً. ما هي نسبة الإيجابية إلى السلبية الأعلى التي يمكنك أن تبلغها قبل أن تبقى المنافع على مستوىً واحد؟ 11 إلى 1. - التواصل التعاطفي في مهنة الطبّ: عندما يكون عملك صناعةً سريعة الوتيرة مثل المبيعات، فإنّ عناصر التواصل التعاطفي يمكن أن تزيد قدرتك على التجاوب والتعاطف مع زبونك. والأمر صحيح أيضاً في مهن الرعاية الصحية، خصوصاً في بيئة المستشفى، حيث أمضي (الضمير عائد إلى أندرو، مؤلِّف مشارك لهذا الكتاب) معظم أوقاتي المهنية. في هذه البيئة التي يشكِّل الناس محورها، يمكن أن يكون الإجهاد اليومي هائلاً جدّاً بحيث إنّ الوقت الإضافي الذي يتطلّبه التكلُّم ببطء يمكن أن يبدو مثل استراتيجية عكسية الأثر. غالباً ما أضطر إلى الركض بين أجنحة المستشفى، والصفوف التي أدرّسها، والمطعم السريع، بافتراض أنّ لديّ وقتاً للأكل. ولكنّ هذا يُضعِف العلاقات بين الأشخاص. عندما تكون في عجلةٍ من أمرك، أنت تفكِّر في ما تريد أن تفعله تالياً، وليس بما يقوله الشخص الآخر. ولكن إذا لم تعطِ مساعديك انتباهك الكامل، فمن الممكن أن يقوموا بأخطاء غير مقصودة ستؤثّر على حياة مرضاهم. علينا أن نبطئ، حتى لو كنّا نشعر أننا لا نملك الوقت، وإلا فإنّ أحدهم قد يموت. إنّ مهارات التواصل الرديء متفشّية في المجتمع الطبي، ويمكنك أن تراها في مقابلات الطابي الوظائف في المستشفى أو في فريق الأبحاث خاصّتي. غالباً ما أقابِل واحداً من نوعَين مختلفَين من طالبي الوظائف؛ أولئك الذين يتكلّمون كثيراً وأولئك الذين بالكاد يتكلّمون. بما أنّه عملي أن أوظِّف الناس الذين يرتبطون بالآخرين بسرعة وعمق، فعليّ أن أدرس بإمعان وسائل تواصلهم غير اللفظية. يسارع الثرثارون إلى الكلام، مُقدِّمين لي موجواً لكامل قصة حياتهم. وأحياناً يتحدّثون عن الطقس، أو يتذمّرون بشأن وجه سابق من أوجه المقابلة. أنا لا أقاطعهم. ماذا سيحدث؟ سأقول في النهاية، "حسناً، انتهت المقابلة". في هذه الحالة، لا يتيح لي طالب الوظيفة أبداً أن أنشئ أيّ نوع من العلاقة، ويكلّفه ذلك خسارة الوظيفة. أمّا الصامتون أو قليلو الكلام فشأنهم مختلف. أسألُهم سؤالاً هامّاً، مثل "برأيك، كيف يمكننا أن نحسِّن نظام الرعاية الصحية في هذه المستشفى؟" فيجيبون: "الأمر معقّد جدّاً". وأجلس منتظراً المزيد، ولكنهم لا يقولون شيئاً. أو أسأل طالب الوظيفة عن مشروع كان يعمل عليه، ويمكن أن يكون قيِّماً للبحث الذي أقوم به، ظانّاً أنّ الحديث عن عمله سيبهجه، ولكنه لا يقول شيئاً سوى "إنّه مثير للاهتمام بالفعل". الأمر كما لو كنت تسحب منه الكلام سحباً لتجعله يجتاز المقابلة؛ لوظيفة تتطلّب حوارات مكثّفة مع المرضى والعاملين في المستشفى! في كلتا الحالتين أعلاه، تمثِّل عصبية (قلق) الشخص مشكلةً رئيسية. يؤثِّر القلق على سرعة الكلام فيجعل بعض الناس يتسارعون في الكلام، والبعض الآخر ينقطعون عنه. لهذا السبب، طوّرنا أنا ومارك برامج التواصل التعاطفي لتعليم موظّفي الرعاية الصحية المتبدئين كيفية الاسترخاء، وإحداث الاتصال البصري الملائم (الذي يعجز معظم طالبي الوظائف عنه)، والحضور الكافي للدخول في حوارٍ ثنائي مفيد. استخدم الباحثون في جامعة مسيسيبي الجنوبية استراتيجية مشابهة جدّاً لاستراتيجية التواصل التعاطفي. قاموا بتدريب طلاب الدراسات العليا على تحسين سلوك المقابلات الرديء باستخدام ما أسموه "توقَّف – فكِّر – تكلَّم". عندما يُطرَح عليهم سؤال، يقومون بتعيين الكلمات الرئيسية في السؤال، ومن ثمّ يُحدثون اتصالاً بصرياً بينما يشرعون في الإجابة بتركيز. بدأنا أيضاً بتطوير برنامج تقليل الإجهاد باستخدام التواصل التعاطفي ليستفيد منه الجرّاحون في مستشفى كاليفورنيا الجنوبية. الجراحة مهنة مُجهِدة بشكل استثنائي، ومعدّل الإنهاك فيها مرتفع، ولكنّ الإجهاد سيؤثِّر أيضاً على قدرة أيّ شخص على الأداء جيِّداً في العمل بما أنّ حياة الناس عرضة للخطر، فإنّ أيّ شخص يتعامل مع الحالات الطارئة – الإطفائيون، ممرّضات غرفة الطوارئ، وحتى السمكريون الذين يجب أن يهرعوا في منتصف الليل لإنقاذ منزل من الفيضان – يجب أن يكون هادئاً للغاية ومُركِّزاً. إليك التقنية التي نعلِّمها للجرّاحين ومقدِّمي الرعاية الصحية قبل أن يدخلوا إلى غرفة العمليّات أو يتحدّثوا إلى مريض في شدّة. وهي قابلة للتطبيق من قِبَل أيّ شخص في العمل يُوشك أن يدخل إلى غرفة ستُجرَى فيها مفاوضات جدِّية جدّاً. وحتى الشخص الذي يُوشك أن يساوم مع بائع لخفض سعر سيارة مثلاً يمكنه أن يستخدم هذه التقنية للتوصُّل إلى صفقة أفضل. 1- قبل أن تدخل إلى غرفة العمليّات، أو غرفة الزبائن، أو غرفة المبيعات، توقّف خارج الباب. 2- خذ 60 ثانية لتتثاءب، وتتمطّط، وأرخ كلّ عضلة في جسمك. 3- قم بعملية جرد ذهني. إذا كنت تشعر بقلق، أو نزق، أو كان ذهنك مُشتَّتاً بأفكار غير مرتبطة، كرِّر الخطوة 2 إلى أن تصبح هادئاً فيزيائياً وعاطفياً. 4- ركِّز على هدفك الحالي، واسأل نفسك: "ما أفضل إطار ذهني أحتاج لأن أكون فيه؟" اكبح أي سلبية أو شكوك، وتصوّر نفسك في أفضل حال من الأداء. 5- تدرّب على استراتيجيتك في ذهنك (تُظهِر الأبحاث أنّ هذا يحسّن الأداء عندما تنفِّذ المهمّة الفعلية). 6- ركِّز على القِيَم التي أكثر ما تهمّك بسبب ارتباطها تحديداً بوظيفتك أو هدفك. 7- أرخ جسمك أكثر، وخذ نَفَساً عميقاً، وأمشِ ببطء إلى الغرفة مع ابتسامة رقيقة على وجهك. حتى لو لم تكن لديك إلا دقيقة واحدة، توقّف لثلاثين ثانية لتسترخي وتتصوّر نتيجة ناجحة، وحافظ على تلك النظرة الإيجابية طوال الاجتماع. إذا كان النشاط الذي أنت على وشك الانهماك فيه يتطلّب حواراً، أبطئ كلامك قليلاً؛ ما يكفي فقط للتفكير مليّاً في ما ستقوله قبل أن تتكلّم. سيعزّز هذا تواصلاً أكثر تركيزاً، ودقّةً، وإيجازاً، وسيكون له أكبر الأثر على أولئك الذين يسمعون كلماتك. من أجل إقامة أفضل علاقة وئام مع الغير، عاملهم باحترام، وانتبه لكلّ ما يقولونه، واهتمّ بهم واخدمهم قدر الإمكان. والواقع إن تعاطفك – سواء أكنت مقدِّم رعاية، أو بائعاً أو مديراً – هو الذي سينشئ القدر الأكبر من الرضا المتبادل. - غيِّر كلماتك، غيِّر حياتك: في الأعمال التي أدرتها – ضابط في الجيش الأميركي خلال حرب فيتنام، مدير تنفيذي مالي، رأسمالي مغامِر، مقاوِل – غالباً ما كنت أحتاج إلى توليد تفانٍ من الجند، أو الموظّفين، أو شركاء العمل، أو الزبائن. ساعدتني تقنيّات التواصل التعاطفي الخاصة بالقيادة التي تعلّمتها مع الوقت على انتزاعهم مع شعورهم الطبيعي بعدم الأمان وساعدتهم في تركيز إبداعيّتهم على ابتكار استراتيجيات جديدة لبلوغ أهدافنا المشتركة. حتى لو لم تكن لدينا إلا دقيقة واحدة، يمكننا أن نستخدم تلك الدقيقة لتثبيت أنفسنا في جسمنا وعقلنا. إنّ التكلُّم ببطء وعناية سيفتح قلوب أولئك الذين نعمل معهم، وسيبني شعوراً ودّياً تجاه الآخرين. لكني لم أكن كذلك قبلاً. فقبل خمس عشرين سنة، كنت أتكلّم بمنتهى السرعة ولم أكن أعطِ انتباهي الكامل لما يقوله الآخرون. وكان الإجهاد الناجم عن ذلك طاغياً. ولهذا فقد اتّخذت قراراً، وغيّرت أسلوب حياتي، وأنا أدرّس هذه الدروس لطلابي. عندما تطبّق مبادئ الحنوّ والتعاطف ببراعة في حواراتك مع الآخرين – خصوصاً في الحالات المُجهِدة – ستحقِّق نتيجة أفضل في وقتٍ أقصر. كريس ماننغ بروفيسور في علم تدبير الموارد الماليّة والعقارات جامعة لويولا ماريماونت، لوس أنجلوس - العمل في أرض اللا (NO): "عندما تُطبَّق مبادئ التواصل التعاطفي، كما هو موصوف في هذا الكتاب، في مجال إدارة الأعمال، أو التوظيف، أو التجنيد، أو البيع، أو تُدمَج في أيّ مستوىً من التفاوض والمشاريع المرتبطة بالعمل، فسيدرك الجميع بلا استثناء نتائج ممتازة". ذاك هو رأي ستيفن إ. رولاك، خبير عالمي رائد في الإدارة الاستراتيجية، والأسواق الرأسمالية، والاستثمار العقاري. وكمستشار دولي في إدارة الأعمال، نذكر من زبائنه شركة آبل للكمبيوتر، وبنك أميركا Bank of America، وPrudential (شركة خدمات ماليّة عالمية)، ووزارة العمل الأميركية. وهو يحمل درجات علمية من ستانفورد، وبيركلي، وهارفارد، وقد شغل مناصب تعليمية في 17 جامعة. ألّف رولاك وحرّر 22 كتاباً وأكثر من 400 مقالة. وهو يعمل حالياً معنا ومع الدكتور ماننغ لجلب مقاربة التواصل التعاطفي إلى جمهور أعمال أوسع. في تأمُّله لقِيَمه وحياته المهنية، سألنا إن كان يستطيع مشاطرتنا هذه القصة، التي تصلح مثلاً للكيفية التي يمكن بها لكلّ فرد أن يُشخِّص عناصر التواصل التعاطفي لجعله جزءاً من عمله. يكتب رولاك: وفقاً لخبرتي، كوني انهمكت في أكثر من مليون تواصلٍ في كل وجه تقريباً من أوجه إدارة الأعمال والاستثمار واتّخاذ القرار في الشركة، فإنّ المرء لا يستطيع أن يتجاهل مبادئ واستراتيجيات التواصل التعاطفي. يجب أن تُطبَّق في التفاعلات الشخصية بين الأفراد، ويجب أن تُدمَج في الرسالة التنظيمية للشركة. لا يمكنك أن تمتاز في عالم الأعمال التجارية إذا قدّرت مستوىً واحداً فقط من التواصل وتجاهلت الآخر، لأنّ فِعل ذلك سيضرّ بالأفراد وأيضاً بمشروع الشركة. قبل بضع سنوات، شغلت منصب المدير التنفيذي الإداري الأعلى في شركة كبيرة جدّاً متعدّدة الجنسيات. كانت تصلني باستمرار رسائل كتابية من المكتب الوطني National Office، الذي كان يُختصَر اسمه بالحرفَين NO. في كثيرٍ من الأحيان، بدا أنّ الرسائل نفسها كانت تعكس سلبية اللفظة الأوائلية (NO). فهذه الرسائل كانت غير ودّية، ونادراً ما عكس محتواها أيّ نوع من الحساسية أو المراعاة لشعور الآخرين، ولم تكن تنمّ عن أيّ احترام، أو حتى تقدير للموظّفين إلا في ما ندر. كانت الرسائل جوهرياً تزعق في وجهك. اقترحت على المدير التنفيذي للشركة أنه يمكن أن يكون فعّالاً أكثر في تحقيق أهدافه إذا أرسل رسائله من موقع إيجابي: "نعم Yes". واقترحت أن يغيِّر تسمية المكتب الوطني إلى خدماتك التنفيذية Your Executive Services. في تأييدي للتغيير من "لا NO" إلى "نعم YES"، نصحته بأنّ جمهوره سيكون أكثر تقبُّلاً للنعم من اللا. فحتى لو كانت الرسالة الضمنية ليست بالضبط ما قد يرغب الناس في سماعه، إذا أنه إذا بدأ من موقع نعم سيكون أفضل حالاً بكثير ممّا لو بدأ من موقع لا. شعرت أنّ موقع الـ"نعم" هذا سيكون هامّاً بصورة اصة لأنّ الوظيفة الرئيسية للمركز الرئيسي للشركة هي خدمة شركاء الشركة. إنّ رسالة "خدماتك التنفيذية" ستكون أكثر انسجاماً وتساوقاً مع تلك الأولويّة. وبما أنّ هذا المدير التنفيذي قد أكّد تحديداً على ضرورة تقديم خدمة استثنائية للعملاء، فإنّ هيكلية "نعم" ستعزِّز أولويّته الاستراتيجية. في هذه الحياة – خصوصاً في عالم الأعمال – يمكن للمرء أحياناً أن يتعلّم من مراقبة تأثيرات السلبية تماماً كما يفعل من مراقبة تأثيرات الإيجابية. كان هذا واحداً من تلك الأوقات، لأنّ هذا المدير التنفيذي المنتمي إلى مدرسة اللا لم يستخدم موقع تواصل إيجابياً. والواقع أنّه لم يكن يملك اللباقة أو القدرة لتقدير الاقتراح. ولكن، ماذا ستتوقّع من أرض اللا؟ عندما تتجاهل المبادئ القويمة للتواصل التعاطفي، أنت تضرّ بالكفاءة الاستراتيجية والنزاهة للمجموعة بأكملها. وفي حين أنّه هذا التواصل – أو هل يجدر بي أن أقول اللاتواصل – مع المدير التنفيذي كان بمثابة إشارة واحدة من إشارات إنذار عديدة، إلا أني شعرت أني كنت رمزياً ومعبِّراً بعمق. تركتُ الشركة بعد زمنٍ وجيز. توصيتنا: خذ تقنية التواصل التعاطفي إلى عملك، وإلى أعلى مستويات الإدارة التي يمكنك بلوغها. أطلعهم على الأبحاث، ومارس التقنية مع زملائك، وتذكَّر: يتطلّب الأمر شخصاً واحداً فقط قادراً على التواصل الفعّال – قائداً أو معلِّماً متعاطفاً – ليجعل ملء غرفة من الأدمغة المستندة إلى اللغة تتجاوب مع نوعية كلامك.بعد أن تكون قد أطلعت مجموعتك على هذه الاستراتيجيات، افتح المجال للمناقشة. إنّ ما ستسمعه سيحرّكك بطرق لم تكن لتتوقّعها. وكما قال أحد المدراء التنفيذيين، بعد تطبيقه لتقنية التواصل التعاطفي مع أعضاء مجلس إدارة شركته، "لم أدرك أبداً قبل الآن ما الذي يستلزمه الإصغاء فعلياً".
المصدر: كتاب (الكلمات وتأثيرها على العقل)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق