• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الغضب.. قوة أم ضعف؟

راينهولد روتي/ إعداد: د. هدى محيو

الغضب.. قوة أم ضعف؟

◄يحمل الغضب وجهاً مزدوجاً، الوجه الهدام كما شحنة الديناميت، والوجه البناء الذي يسمح بتوجيه ليكون طاقة إيجابية وبناءة.

إذا كان ثمة غضب شرعي وطريقة متوازنة للتعبير عنه. إلّا أنّ الاستسلام لنوبات الغضب أمر مكروه. فما السبيل حتى لا يجرّنا الغضب لما وراء عتبة الاحتمال؟ وما الإجراءات العملية لوضع حد لردة الفعل المتسلسلة التي تؤدي إلى فقدان السيطرة على الذات؟ بالطبع لا يمكننا أن نتحرر بالكامل من الغضب ومن مساوئه ولكن يمكننا أن نمنعه من إثارة سلسلة من المواقف المتطرفة. ثمة ست وسائل تمكننا من التعامل بهدوء أكبر مع هذا الانفعال الجارف:

1-      تفحص دقيق لأسباب الغضب: مما لا شك فيه أنّنا نستخدم غضبنا للوصول إلى هدف ما ونستخدمه كأداة للتفوه بكلمات شريرة. لذا اسمحوا لي أن أطرح عليكم بعض الأسئلة: ما الرسالة السلبية التي تبعثون بها بواسطة مشاعر الحقد، والغضب؟ ما الذي تعبرون عنه بواسطة انفجاراتكم هذه؟

إليكم بعض الأهداف التي تسعون ربما إلى تحقيقها:

*  أنتم تستخدمون غضبكم لمعاقبة الآخر: لقد جرحكم أو خيّب أملكم بشكل فظيع ولا يمكنكم أن تسامحوه أو تنسوا الإساءة التي تسبب بها إزاءكم. أنتم تسعون إلى الانتقام بواسطة نوبات غضب تعتبرون أنّها مبررة. هل هذا ما تسعون إليه؟

*  أنتم تسعون إلى بث الخوف في نفس الآخر؟ مما لا شك فيه أنّ انفجارات الغضب قد تخيف الآخر، سواء أكان زوجاً أم طفلاً أم زميلاً، هو يخاف ويفقد ثقته بذاته. وربما أنتم تغضبون بهدف جعله أكثر خضوعاً لمشيئتكم.

* أنتم تسعون إلى إشعاره بالذنب: اللوم المعبر عنه بمزاج سيىء والتذكير الغاضب بخيبات الأمل لديكم يثيران لدى الآخر إحساساً بالذنب. فعدوانيتكم تشدد على نواقصه وعلى إهماله.

* أنتم تسعون إلى حمله على القيام بالمزيد من أجلكم: إنّ نوبة الغضب تثير لدى من توجه ضده تأنيب ضمير يحثه بشكل طبيعي على أن يكون أكثر لطفاً وأن يقوم بكلّ الجهود اللازمة لإرضائكم ذلك أنّه بحاجة إلى استعادة الهدوء.

* أنتم تسعون إلى إبعاده: نوبات الغضب جزء من إستراتيجيات متبعة لإبعاد الآخر. أنتم تريدون البقاء وحيدين على عكس حاجة الآخرين للاقتراب منكم.

أنتم تدركون أنّ هذه الإمكانات الخمس قابلة جدّاً للنقاش والجدل!

2-      الكشف الصادق عن الدوافع الهدّامة: لماذا لا يلبي الله صلواتنا التي ترجوه أن يدفع الغضب عنا؟ الله قادر بالطبع على تحريرنا من هذه النوبات، ولكن هل أنتم حقّاً مستعدون للتخلي عن أهدافكم المريبة ودوافعكم الشريرة؟ ليس الغضب سوى مظهر، أي إنّه مؤشر على وجود مشاعر مذنبة عميقة في داخلكم. نوبات الغضب هي مظهر تفكير مغلوط ومظهر من مظاهر أهداف لا ترغبون في البوح بها تعمل على جرح الآخر ومظهر من مظاهر رغبات شريرة. أمّا الصلوات الهادفة إلى الانعتاق من نوبات الغضب. فهي ليست في أغلب الأحيان سوى مسكن يهدف إلى التخفيف من العوارض بينما يظل سم الغضب قابعاً في الظل. يجب التخلص من السم نفسه الذي يغلف أفكارنا ورغباتنا ولا يكفي أن نتخلص من العوارض، أي من النوبات فقط.

 

3-       نزع فتيل قنبلة الغضب الموقوتة: كثيرون هم من اعتادوا مراكمة اللوم والنقد والاستياء، يجمعون كلّ هذه المسائل السلبية التي تسمم حياتهم ويبررون سلوكهم هذا بالقول: "لن نتحدث في كلّ مرة بكلّ هذه التفاصيل غير المهمة"!،"لن نجعل من الحبة قبة"!، "غداً ننسى كلّ شيء"، "الزمن يشفي كلّ الجراح"، "ما اتجاهله لا يؤثر فيّ". هذه سلسلة من الأعذار تسمّم العلاقات بين البشر، وهي ذرائع تعفينا من طلب تفسيرات وإعطائها. وهي تعكس الخوف من الإساءة إلى الآخر والخوف من فقدان حبه، والخوف من أن يفهم الآخر بشكل سيىء الضيق الذي يشعر به كلّ مَن يقبل كلّ شيء والخوف من تعكير صفو علاقة جيِّدة.

بيد أنّنا ننصحكم دائماً بالتصالح مع الآخر قبل أن تخلدوا إلى سريركم. فمن يحمل معه المرارة والمهانة واللوم والخيبة إلى السرير، سيجتر مشاعر سلبية إضافية. فالاحتجاج سيكبر في داخله حتى يصل إلى مرحلة الثورة ورفض الآخر، وهنا ينتصر الشر ومعه الأفكار الهدامة التي تسمم الحياة المشتركة.

4-      أخذ الآخر على محمل الجد: الإنسان الشريف الذي يريد بصدق أن ينزع فتيل قنبلة غضبه الموقوتة عليه أن يأخذ الآخر على محمل الجد. فالعديد من ردات فعلنا الانفعالية وغير المفهومة تنجم عن أنّنا لم نفعل ذلك. وإليكم بعض ردات الفعل الممكنة التي تثبت قولنا: "أنا لا أفهم حقّاً ما الذي يصيبك من جديد"! "كف عن النظر إلى نفسك بهذه الأهمية"، "ما تقوله مستحيل بالكامل"، "هذا تضخيم من جانبك"، "كيف يمكنك قول هذا"!. أمام أقوال من هذا النوع. يجبر الآخر على اتخاذ موقف دفاعي، ولا يعود يعرف ما يقول إلّا إذا فرض نفسه بالقوة وصرخ بأعلى منكم وتكون النتيجة شجار عنيف.

5-      نسب دوافع إيجابية للآخر: فكروا بأنّ الآخر يحمل دوافع إيجابية إذ أنّنا بشكل عام ميالون أكثر إلى التفكير بالسوء بالآخرين. وهذه النوايا السلبية التي ننسبها اليهم تثير مقاومتنا وغضبنا. هل تشكين بأنّ زوجك لم يعد يحبك أو تعتبرين أنّه قد عاد تعباً من العمل؟ هل تعتقدين أنّ زواجك كارثة طبيعية أو إنّه يتعين عليك أنت أيضاً أن تسعين إلى تحسين المناخ الزوجي؟ هل تنطلقين من فكرة أنّ زوجك لا يحمل سوى نوايا سيئة تجاهك أو أنت مستعدة للتفكير بأنّه لا يضمر لك سوى الخير؟

عادة ما تتحقق الافتراضات وتتجسد التوقعات وتجد الأحكام المسبقة مبرراتها. وكما كان ألفرد أدلر يقول: "لست الأحداث التي تحدد حياتكم بل المعنى الذي تعطونه إياها". المشاعر السلبية التي تنسبونها إلى الآخرين تؤثر سلباً على حياتكم. والافتراضات السلبية هي نوع من التوقعات التي تتحقق. فلتكن لدينا توقعات إيجابية ولننسب إلى الآخرين نوايا حسنة.

6-      طلب العفو: لقد تعرفتم على الناحية الشريرة في داخلكم وعلى الأهداف الخفية التي تثير نوبات غضبكم وقررتم تصحيح الهدف. إنّ السعي إلى تصحيح الأهداف الداخلية نعمة إلهية. ولكن لا تتوقعوا من الآخر أن يأتي إليكم ليعترف بذنوبه، ولا تتوقعوا أن يعبر عن رغبته بالتصالح معكم.

إذا كنتم من تسبب بالضرر للآخر، لا يجب أن تجعلوا العفو ينتظر ولا يجب أن تضعوا أي شرط من الشروط. فالعفو لا يحتاج أي إجراء مسبق من الطرق الآخر.

أما الكائنين اللذين يعفو كلّ منهما عن الآخر. فإنّهما يصيران قادرين على التحرر من نوبات الغضب ليعقدا سلاماً مع النفس ومع الآخر.► 

ارسال التعليق

Top