• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مستقبل الإنسان والتطور العلمي

خليل حسين*

مستقبل الإنسان والتطور العلمي

◄كلّ سنة تُنقذ حياة آلاف الناس من خلال زراعة الأعضاء، وهذه من أكبر اختراعات الطب في القرن العشرين. ولكن الطلب على زراعة الأعضاء حالياً يفوق المتوفر، فالطلب أكبر من العرض. حيث في 2004 صرحت منظمة الشبكة الموحدة لمشاركة الأعضاء في أمريكا أنّ 100000 مريض بحاجة إلى زراعة الأعضاء ولا يوجد سوى 29000 عضو للتبرع. والحاجة كبيرة لزراعة الأعضاء فعلى مستوى العالم يموت كلّ يوم عدد كبير من الناس وهم على قوائم الانتظار للتبرع.

ومن أجل حل هذه المشكلة العالمية والإنسان يسعى الطب إلى محاولة حل المشكلة، فالعلوم الطبية تتقدم سريعاً وخاصة الجراحة والتخدير وصناعة التقنيات المستخدمة في كلّ المجالات الطبية والرعاية الصحّية. وهناك أمل كبير في تطور الزراعة المصنعة للأعضاء Xenotransplantation حيث إنّها الوسيلة الواعدة لتلبية الحاجات الإنسانية المتزايدة، وهذه الوسيلة بالأساس هي زراعة مادة عضوية مستخرجة من كائنات حية غير إنسانية. ولو تطورت هذه الوسيلة سوف تلبي الطلب المتزايد للناس على زراعة الأعضاء، وسيُشفى الآلاف من أمراض مستعصية مثل مرض باركنسون أو مرض السكري الذي يصيب الأطفال أو مرض هنتنغتون وأمراض كثيرة أخرى.

ويتولى العلماء في جامعة هارفارد مثل الدكتور ديفيد كوبر متابعة تقنيات الزراعة المصنعة للأعضاء ويتمنون البدء في استخدامها على نطاق واسع. وهذا يعني أنّ زراعة العضو تبدأ بتصنيعه مع بداية العملية الجراحية. وهذا سوف يقضي على المشكلات الأخلاقية والقانونية التي تظهر من بيع الأعضاء والتجارة فيها وخاصة في الدول الفقيرة. من جانب آخر هناك محاولات علمية متزايدة لتصميم تقنيات تجعل من الممكن صناعة أعضاء إنسانية من مواد متنوعة وهي عملية تسمى organ Fabrication، وفي الجامعات الغربية تمكن العلماء والأطباء من استخدام أشكال معينة من المواد البلاستيكية في صنع أعضاء للجسم البشري. وتساعد الهندسة الوراثية في التغلب على المشكلة الكبرى في زراعة الأعضاء والتي دائماً تكون في رفض الجسم للعضو الجديد. فالهندسة الوراثية تستطيع تشكيل خلايا لا تولد ردود أفعال من الجهاز المناعي للإنسان. ويبدو المستقبل مبشراً جدّاً مع عمل العلماء على إنتاج عقاقير تجعل الجسم البشري يتقبل الأعضاء المزروعة دون مشاكل صحّية.

كما أنّ زراعة الأعضاء تستفيد كذلك من التطورات الطبية المثيرة في استخدام الخلايا الجزيرية Islet Cells لأنّها تشكل حلاً مثالياً أكثر من المواد البلاستيكية. وهذا هو السبب وراء تركيز العلماء حالياً في إجراء تجارب كثيرة وسريعة حتى يمكن توفير بيئة مناسبة لاستمرار حياة هذه الخلايا المزروعة، ويرغب العلماء في التغلب على مشكلة نقص كمية هذه الخلايا. ولذلك يتجه العلماء حالياً إلى سد الفراغ من خلال استخراج الخلايا الجزيرية من الحيوانات، أو سحبها من جسم المريض نفسه أو من أحد أقاربه أو المتبرعين وبعد أن تتم زيادة عدد هذه الخلايا في المختبر تحقن في جسم المريض.

هذه التطورات الطبية ستجعل إمكانية صناعة أعضاء كاملة "كالكُلية والكبد" وبعد ذلك سهولة نقلها إلى المرضى، مما سيجعل صحّة الإنسان كاملة في وقت قصير لأنّ الخلايا هي التي تتحكم في عملية تجديد النسيج الذي استخرجت منه. كما أنّ الخلايا تتمتع بإمكانية ذاتية في تجديد العضو وإعادة بنائه. وبذلك يتوقف العمل لإنقاذ حياة المريض على إجراء صغير يقوم به طبيب الجراحة في توصيل العضو المزروع مع الأعصاب والأوعية الدموية والقنوات اللمفاوية في جسم المريض.

ويأمل العلماء أن تستمر البحوث الخاصة بزراعة الأعضاء على نفس السرعة، حيث من المتوقع أن تقدم اختراعات هذا المجال صناعة أعضاء كاملة مثل الأيدي والأقدام لها حركات وتركيبات معقدة. وهذه ليست صعبة فزراعة الخلايا سهلت كثيراً استنساخ الأنسجة العضلية والعظام والغضاريف والجلد والفقرات، فالمزارع الخلوية على أتم استعداد للإنتاج. ولكن المشكلة الكبيرة في وجه هذه التطورات هي في انتقال الأمراض إلى طرف ثالث. وهذه مشكلة كبرى جدّاً لأنّها تتحكم في القرار القانوني لمتابعة الأبحاث في زراعة الأعضاء.

وهناك جدل كبير في الساحة الطبية عن المخاطر المحتملة لتطبيق هذه الاكتشافات والتقنيات، فبعض العلماء يحذر من أنّها قد تصنع على جانبها أمراضاً خطيرة ومستعصية ويمكن أن تنتشر بين الناس كالأوبئة. وقد سبق أن دق بعض الأطباء ناقوس الخطر في نهاية القرن الماضي من أنّ زراعة النسيج الحي بين الإنسان وكائنات حية تسبب في سرعة نقل الأمراض، وهذا صحيح تماماً على المستوى النظري. والمشكلة أنّ أغلب الأوبئة التي انتشرت مؤخراً هي في الأصل ذات منشأ حيواني مثل الأيبولا وانفلونزا الطيور والتهاب الكبد الوبائي.

ويتولى العلماء خلايا الحمض النووي التي يعتقد أنّها تحمل في داخلها الفيروسات الخطيرة، وهي التي تهدد هذه التقنيات الجديدة. فالإنسان بحاجة كبيرة إلى مشروع زراعة الأعضاء حتى يضمن حياة صحّية وعمراً أطول، والمستقبل سيحمل الكثير من المفاجآت السارة للناس، بفضل التطورات العلمية والطبية والصيدلية الكبيرة.►

 

* كاتب كويتي

المصدر: مجلة الكويت/ العدد 383 لسنة 2015م

ارسال التعليق

Top