• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى النفس

أسرة

الإحسان إلى النفس

 1- الإحسان إلى النفس في القرآن الكريم:

أ) نهيها عن الهوى، أي إبعادها عن تزيينات الشيطان والعجب والغرور: قال تعالى: (وأمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى * فإنّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى) (النازعات/ 40-41). ب) أن تعرف أنّ على نفسك حافظين كراماً كاتبين يُسجِّلون ويحصون عليكَ كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من قولٍ أو عمل: قال سبحانه: (إنّ كُلُّ نَفسٍ لَما عَلَيها حافِظٌ) (الطارق/ 4). وقال تعالى: (عَنِ اليَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ قَعِيد) (ق/ 17). ت) تزكيتها بكلِّ عوامل الصلاح والإصلاح، وتجنيبها ما يُعيبها ويُسيء إليها أو يشين بها. قال عزّوجل: (قَد أفلَحَ مَنْ زَكّاها) (الشمس/ 9). ث) أن تذكر الله فيها بالضراعة والسِّرِّ، أي أن تعيش ذكر الله في نفسك، بأن تُعظِّمهُ في مواقع العظمة، وتشكرهُ في مواضع النعمة، وتستغفرهُ في مواطن المعصية: قال تعالى: (وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفَةً) (الأعراف/ 205). ج) تصبيرها على الطاعة والتزام الحق والإستقامة، ومواصلة السير في طريق العدل والخير: قال سبحانه: (وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ) (الكهف/ 28). ح) بيعها لله، فهو (المانح) وهو (المشتري) وهو الذي يدفع أغلى الأثمان وهو الجنّة والرضوان: قال عزّوجل: (ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشرِي نَفسَهُ ابتِغاءَ مَرضَاةِ اللهِ) (البقرة/ 207). سواء كان البيع بالإخلاص في العمل، وتوظيف الطاقات في خدمة الناس، أو بالدفاع عن القِيَم والمُقدّسات. خ) تسخيرها في طريق الهداية والنفع والخير والصلاح، فذلك هو أحمدُ سُبُلها: قال جلّ جلاله: (فَمَنِ اهتَدَى فإنّما يَهتَدِي لِنَفسِهِ) (النمل/ 92). وقال تعالى: (ومَن يَشكُرْ فَإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ) (لقمان/ 12). وقال عزّوجل: (ومَن جَاهَدَ فإنّما يُجاهِدُ لِنَفسِهِ) (العنكبوت/ 6). وقال سبحانه: (ومَن تَزَكّى فإنّما يَتَزَكّى لِنَفسِهِ) (فاطر/ 18). د) تعويدها على البذل، وتربيتها على العطاء، وترويضها على السَّخاء: قال تعالى: (ومَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فأولئِكَ هُمُ المُفلِحُون) (الحشر/ 9). وقال سبحانه: (ومَا تُقَدِّموا لأنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ) (البقرة/ 110). د) الترفُّع بها على المباذل والسفاسف والترهات والنقائض والدنايا، لأنّها أرفع مستوى وأغلى ثمناً من أن تُمتهَن في الموبقات والمنكرات والخطايا: قال تعالى: (عَلَيكُم أنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَنْ ظَلَّ إذا اهتَدَيتُم) (المائدة/ 105). ذ) احترامها باحترام الآخرين، فلا تهزأ أو تسخر أو تسخفّ بأحدٍ، إن كنتَ تريد لنفسِكَ أن تبقى على احترامها: 2- الإحسان إلى النفس في الأحاديث والروايات: أ) إذا لم تستطع أن تجعل نفسك (مطمئنّة)، فاجعلها (لوّامة) على الأقل: يقول رسول الله (ص) في وصيّته لابن مسعود: "يابن مسعود، أكثِر من الصالحات والبرّ، فإنّ المُحسِن المُسيء يندمان، يقول المُحسِن: يا ليتني ازددتُ من الحسناتِ، ويقول المُسيء: قصّرت، وتصديقُ ذلك قوله تعالى: (وَلا أُقسِمُ بِالنَّفسِ اللَّوَامَة) (القيامة/ 2)". ب) تربيتها على الفضائل، وتزكيتها من العيوب والنقائص، وتعليمها كيف تكون أسوةً بسيرتها إلى غيرها: يقول الإمام علي (ع): "أيُّها الناس، تولّوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها". ت) إستدرِكَ ما فاتكَ لأنّ نفسكَ قد تمرض كما يمرض جسدك، فعالجها من قبل أن تستفحل أمراضها، ومادامَ في العمر متّسعٌ، فإنّكَ في فسحةٍ من إصلاحها وهو حقّها عليك: يقول (ع): "تدارَك في آخِر عمرك ما أضعتهُ في أوّله، تسعد بمُنقَلَبِك". والمُنقلَب: الآخرة. ث) من الإحسان إلى النفس أن لا تعطيها كلّ مآربها، ولا تقضي لها جميع حوائجها، فإنّها طمّاعة، وهي إذا وجدت الإستجابة لما تطلب فسدت: يقول (ع): "أقبِلْ على نفسِكَ بالإدبارِ عنها". وأوصى (ع) بأسلوب التعامل مع النفس، فقال: "إذا صعبت عليكَ نفسك، فاصعبْ لها تذلّ لك، وخادِع نفسك عن نفسِك تنقد لك". وعنه (ص): "دواءُ النفسِ الصوم عن الهوى، والحِميةُ عن لذّات الدنيا". ج) إكرامها بالطاعة والخضوع لله: قال (ع): "مَنْ كرمت عليه نفسه، لم يُهنها بالمعصية".   3- الإحسان إلى النفس في الأدب: في المَثَل الإسباني: "معرفةُ النفس هي بداية تحسين الذات". وقال (م. أرنولد): "قرِّر أن تُكوِّن نفسَك، واعلم أنّ مَنْ يجد نفسه يخسر تعاسته". ويقول (جورج جيردين): "تبدأ اليقظة عندما يُدرك المرء بأنّه ذاهب ليس إلى أيِّ مكان، ولا يعرف إلى أين يذهب". ويعتبر (ماكسويل مالتز) الإحسان إلى النفس بأن تكون صديقاً لها، فيقول: "إذا كنتَ صديقاً لنفسِكَ، سوف لن تكون وحيداً أبداً". وفي الأمثال العربية: "مَنْ أصلحَ نفسه، أرغمَ أنف أعدائه". ويرى (أبوالفتح البُستي) أنّ خدمة النفس أربح وأنفع من خدمة الجسد، لأنّكَ في النهاية بنفسِكَ لا بجسمِكَ، فيقول:   يا خادِمَ الجسمِ كم تشقى بخدمتِهِ لتطلبَ الرِّبحَ في ما فيهِ خُسرانُ أقبِل على النفسِ فاستكملْ فضائلها فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ ويلاحظ (المُتنبِّي) أنّ النفوس الكبيرة هي التي أحسن إليها أصحابها بالتعليم والتهذيب والتربية، فيقول:   وإذا كانت النفوسُ كباراً تعبت من مُرادِها الأجسامُ   ويقول (الفرزدق) ناظراً إلى أنّ حُسن الجسم بحُسن العقل والنفس:   ولا خيرَ في حُسنِ الجسومِ وطولها إذا لم يزن حُسنَ الجسومِ عقولُ   4- برنامج الإحسان إلى النفس: يرسم الإمام علي بن الحسين (ع) برنامج الإحسان إلى النفس من خلال معرفة حقوقها، فيقول: "وأمّا حقُّ نفسِكَ عليكَ: 1- فأن تستوفيها في طاعةِ الله (أي أن تستكمل فضائلها في خطِّ طاعته ورضوانه). 2- فتؤدِّي إلى (لِسانكَ) حقّه. 3- وإلى (سَمعِكَ) حقّه. 4- وإلى (بَصَرِكَ) حقّه. 5- وإلى (يَدِكَ) حقّها. 6- وإلى (رِجلِكَ) حقّها. 7- وإلى (بَطنِكَ) حقّه. 8- وإلى (فَرجِكَ) حقّه. وتستعين بالله على ذلك".   فالنفس بحسب هذا البرنامج ليست شيئاً لا تحديد له، فهي جوارحك، وأعضاؤك التي بها تستطيع أن تحيا وتعيش وتُبدع وتترك الأثر الطيِّب، وبالتالي فأيّما إحسان لكلٍّ جارحةٍ هو إحسانٌ للنفسن شريطة أن يكون أداء الحق للجارحة هو أداء حق الطاعة لله سبحانه وتعالى.

ارسال التعليق

Top