• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شبابنا ومسؤولية رعايتهم وحمايتهم

عبدالله شرارة

شبابنا ومسؤولية رعايتهم وحمايتهم
غني عن القول أنّ الشباب وخاصة من هم في مقتبل العمر يمثلون صورة المستقبل الآتي والواعد لأي أمّة ولأي شعب، فهم يكونون عنصر التجديد والاستمرار في حياتهما، وهم الذين يوشك أن تنتهي إليهم أزمة الأمور وصناعة الغد. .. لذا فإن أي مجتمع إنساني يريد أن يحافظ على استمراريته، ويتطلع إلى حياة ومستقبل أفضل، لابدّ له أن يجعل من الشباب واليافعين مركز اهتمامه، فيعدّهم الاعداد الصحيح ويرعى مسيرتهم نحو الحياة الحرة الكريمة، بما يحق إنسانيتهم ويؤهلهم لحمل المسؤولية الكبير المنتظرة تجاه أنفسهم ومجتمعهم وأمّتهم، وأي مجتمع لا يقوم بواجبه تجاههم أو يقصّر في تأمين متطلبات رعايتهم، فإنّه يحكم على نفسه بالضعف والتراجع. وإذا كانت الرعاية السليمة الحانية من قبل الأهل والمجتمع يجب أن تشمل أيضاً كل مراحل الطفولة التي تسبق عمر الشباب، إلا أن مدار الحديث ينحصر هنا بالمرحلة التي تسمّى حسب التصنيفات السائدة "بالمراهقة" حيث تبدأ عندها مكونات الشخصية لدى الشاب اليافع بالبروز والتبلور لتكتمل معالمها في نهاية هذه المرحلة، وهي التي يسميها الرسول الأكرم (ص) بمرحلة الصحبة حيث يوجّه (ص) عناية الأهل وبالتالي المجتمع المسلم للطريقة المثلى لتربية الأبناء حسب كل مرحلة من مراحل العمر، بقوله (ص): "اتركه سبعاً، وأدّبه سبعاً، واصحبه سبعاً". ومرحلة الصحبة هذه التي تبدأ من السنة الرابعة عشرة إلى الواحدة والعشرين، على سبيل التقريب لا الحصر، وكمقياس عام قد يشذّ عنه أفراد، هي من أخطر مراحل العمر وتستوجب أن تولى العناية الخاصة، والتي بقدر ما هي مسؤولية الأهل الواعين، كذلك هي مسؤولية المجتمع والمتصدّين فيه للشأن العام، خصوصاً في أيامنا هذه حيث لم يعد الأهل بقادرين مع امكانياتهم المحدودة على الامساك بزمان تربية أبنائهم وتوجيههم، حيث أصبح الشباب أكثر تأثراً بمحيطهم وما يدور فيه، بل وبسبب وسائط الاتصال ووسائل الاعلام أصبحوا منشدّين إلى دوائر عالمية أوسع تضغط على الكثيرين منهم وتفرض عليهم أنماط تفكير وسلوك هي غالباً غير مألوفة أو غير سليمة. من هنا فإن كنا نرغب في الحفاظ على شبابنا وأجيالنا الطالعة في إطار المبادىء والتوجيهات التي يرمسها ويبيّنها ديننا الحنيف – وهذا واجب وليس خياراً – وإن كنا مهتمين بالأخذ بيد أبنائنا إلى ما فيه خيرهم وتقدمهم وسلامتهم، وبالتالي خير مجتمعاتنا من خلالهم، كما تقتضي منا روح الأمانة والمسؤولية الإنسانية والشرعية المناطة بنا تجاههم وتجاه مجتمعاتنا أيضاً، إذا كنا كذلك، فلابدّ أن نعطي هذه الشريحة من أبنائنا العناية الأكثر وأن ندخل في عالمها ونبحث في السبل التي تكفل حمايتها من المزالق والأخطار، وتنأى بها إلى بر الأمان، لنجعل منها بعد ذلك طاقات تتفجر بالعطاء وتعد بمستقبل زاهر.   - عالم الشباب: والموضوعية هنا تقتضي منا ونحن نلج عالم الشباب – ذكوراً وإناثاً – أن لا نفكّر بهم من خلال تطلعات أحدية الجانب، بمعنى أن لا نضع نصب ا‘يننا فقط أمر وجوب رعايتهم إيمانياً وسلوكياً لنحفظهم من المؤثّرات الخارجية الفاسدة بمعزل عن العمل من ناحية أخرى لتأمين احتياجاتهم الأساسية الأخرى، من التعليم أو العمل أو الظروف والإمكانيات التي تؤسس للاستقرار في حياتهم الشخصية. فهذه المسائل هي من الأولويات التي لا يمكن أن تنتظر ولا يجوز أن يكون هناك تراخ في العمل على تأمين ما أمكن منها، حتى مع غياب خطط ومشاريع هامة من المفترض أن تكون الدولة – أي دولة – هي التي تضعها وتنفذها.. وهنا نسجل بكثير من الاعتزاز للمبادرات الطيبة التي يقوم بها أهل الخير والمسؤولية في مجتمعاتنا والتي تظهر على شكل مشاريع ومؤسسات تهيء فرص التعليم والعمل لأعداد من الشباب وإن كانت الحاجة أكثر وأعمق. ولكن هذه الأمنية والرغبة الدائمة في تحسين أوضاع شبابنا العامة، لا تعفينا من الاهتمام بالواقع الذي يحيط بهم، والذي ينذر تفاقمه بشر كبير على صعيد التحلل من كثير من روابط الأخلاق الكريمة والدين، وانجرار وراء مظاهر الميوعة والتقليد الأعمى للأزياء والتقليعات الغربية الخليعة – خاصة بين الفتيات – بل ومن ارتكاس لارتكاب كثيرمن المحرمات، وارتماء في أحضان المخدرات المهلكة، مع ما يصاحب هذا كله في كثير من الأحيان من تراخ وتواكل واستسلام للأمر الواقع، الذي يقتل الطموح، ويجعل من هؤلاء الشباب فريسة سهلة لأصحاب الأغراض الدنيئة، بل للذين يعملون على تطويعهم في مخططات ومواقف تحمل الخيانة للأوطان والأمّة. ونظرة فاحصة في مجتمعاتنا... في مدننا وقرانا وأحيائنا، نراها تضم أمثال هؤلاء الشباب والفتيات، من مختلف الفئات والمستويات المعيشية والتعليمية، من الذين اصطادهم شرك الفساد الممتد بأخطبوطه، عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تملك حرية بث سمومها المتمثلة بالتشجيع على العنف والجريمة، وعلى الترويج للمخدرات والاباحية والعلاقات الجنسية المحرمة، بالإضافة للتشويه الفكري والعقائدي، وعبر مراكز الفساد المنتشرة هنا وهناك والتي تبثّ إعلاناتها في كل مكان وتفتح أبوابها بدون رقابة ولا حسيب، وأحياناً تتغطى بعناوين مثل: مراكز التسلية والرياضة، والنوادي الاجتماعي والإنسانية، والمراكز التعليمية، ولكن منها ما يخفي أهدافاً هدّامة ويعمل على قتل الروح الطيبة لدى الشباب والفتيات.   - مسؤولية الضياع والانحراف: وإذا ما بحثنا عمن تترتب عليه المسؤولية في السماح بإيجاد وترك مثل هذه المواطن والوسائل التي تغري وتجرّ الشباب واليافعين – موضوع الحديث – إلى مزالق الفساد، نراهم كثيراً: المجتمع الذي تتبنى قطاعات منه مفاهيم الغرب الهجينة التي جاءتنا مع الاستعمار أو مع بعض المتعلمين والمثقفين المبهورين بعوائد حياته، فبات الاستهتار بالقيم الدينية والأخلاق لدى هؤلاء أمراً مقبولاً، أو هو ليس من الأولويات التي تتطلب علاجاً حاضراً، والدولة – أي دولة – التي لا تملك تصوراً لعلاج ذلك أو لا ترى أحياناً أن هناك مشكلة حقيقية قائمة، أو أنّ الأمر ليس من اختصاصها، وأصحاب النفوس المريضة من التجار وأصحاب المال الذين يريدون تنمية مواردهم بأي سبيل كان حتى ولو بالحرام وهدم القيم والأخلاق. ولا نهمل في هذا المجال أصحاب المخططات الخفية الخارجية التي تريد تقويض مجتمعاتنا وشعوبنا من الداخل والشباب أفضل وسيلة لديهم في هذا المجال، وهؤلاء لهم وجودهم الفاعل عبر أسماء ومسميات كثيرة.   - مسؤولية الاصلاح والرعاية: إذا كان أولئك ممن ذكروا آنفاً يتحملون المسؤولية المباشرة عن إيجاد وتهيئة الظروف أمام انحراف الشباب – سابقاً ولاحقاً – فإن من تناط بهم مسؤولية مواجهة هذه الأجواء والمخططات وحفظ ورعاية الشباب والمجتمع ككل، أولئك الذين يحملون همّ الدعوة والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يستطيعون الادعاء أنهم قاموا ويقومون – منذ مطلع هذا القرن، حيث بدأت مظاهر الغزو الغربي لعقول ونفوس شبابنا، إلى اليوم – بواجبهم في التصدي المدروس والفاعل لهذه القضية الشائكة. ومع الاعتراف بالجميل والفضل لكل الذين حشدوا ويحشدون طاقاتهم وإمكاناتهم، عبر الجمعيات والأندية والمنظمات والمشاريع التربوية والثقافية أو عبر مجالس الوعظ والارشاد، هؤلاء الذين استطاعوا تحييد أعداد كبيرة من الشباب والفتيات عن طريق مجرفة الفساد الكبيرة، بل بعثوا روح الاستقامة والعمل المثمر والأمل المشعّ والتوثب في النفوس الشابة، حيث يتجلّى ذلك في الصحوة الإسلامية المباركة التي تعم أوساط الشباب في كل الأقطار.. مع الاعتراف بذلك، فإنّ النقص والقصور في العمل العام في مجال النشاطات الشبابية، التي تستهوي عنصر الشباب، يدعونا إلى التفكير بإيجاد وتكثير الوسائل التي عن طريقها يمكن أن نسقطب المزيد منهم إلى صف الإيمان والاستقامة والعمل المنتج البناء. وهنا نشير إلى بعض المجالات التي تخدم هذا الغرض الهام: أوّلاً: العمل على وضع دراسات اجتماعية ونفسية وميدانية حول أوضاع الشباب واهتماماتهم ومشاكلهم والأماكن والأفكار والمجالات التي تشدّهم بحيث تحرفهم، ومن ثمّ حول سبل رعايتهم. ثانياً: العمل على إيجاد جمعيات ومنظمات مختصة برعاية الشباب، من أصحاب الكفاءات والرؤية، همها التفكير والعمل لاحتضانهم ورعايتهم، عبر انشاء النوادي الثقافية والكشفية والرياضية الموجّهة، والتي تتضمن التسليات المفيدة والبريئة، وعبر وضع البرامج والخطط التي تستهدف تنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية، وتحفزهم إلى مزيد من العطاء الإيماني والاجتماعي وحتى الاقتصادي. وهنا يمكن إدخال عنصر التشجيع والتشويق عبر المسابقات المختلفة ورحلات التعرّف والاستجمام المدروسة، التي يمكن أن تملأ أوقات فراغهم وتبعدهم عمن يستهويهم في المراكز المنحرفة. ثالثاً: إصدار نشرات خاصة بالشباب، توزّع في مراكز التعليم والعمل والاستجمام، وتهتم بتنميتهم وتوعيتهم. رابعاً: تكثيف الجهد من أجل إيجاد فرص التعليم والعمل للشباب عبر انشاء المراكز المختصة، أو باعطاء المنح والمساعدات. وكل هذه الأعمال وسواها يمكن أن تقوم بمساعدة الأهل أنفسهم، وبتقديمات أهل الخير، الذين عليهم أن يبذلوا في هذا المجال النافع والضروري كما يبذلون في المجالات الأخرى، التي ترفع من شأن ومستوى المجتمع والأُمّة.

ارسال التعليق

Top