• ٨ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٦ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العبادة والتنظيم الاجتماعي

أسرة البلاغ

العبادة والتنظيم الاجتماعي
◄في هذا الموضوع نتحدث بشكل موجز عن جانب القوانين والأنظمة والعبادات والأخلاق في الرسالة الإسلامية؛ لنعرف عظمة هذا الدين وأهميته.

 

- الجانب الأخلاقي:

اهتمت الرسالة الإسلامية بشكل أساس بالأخلاق وتربية الضمير والوجدان الإنساني الحي الذي يوجّه الإنسان نحو الاستقامة، وفعل الخير واحترام حقوق الآخرين والإحساس بآلامهم، والعطف عليهم، والاهتمام بهم، لتنضج المعاني الإنسانية في نفسه، ولتكتمل إنسانيته.

وقد دعى القرآن الكريم إلى الأخلاق الفاضلة في آيات عديدة، ورفع مقام هذه الدعوة عندما خاطب الرسول محمّداً (ص) بقوله:

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).

وبتعريفه بالأنبياء بقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) (الأنبياء/ 73).

واعتبر الرسول محمّد (ص) كمال الأخلاق معبّراً عن كمال الإيمان في النفس الإنسانية. فقد رُويَ عنه قوله: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً".

بل واعتبر من مهامه الرسالية الأساسية هو إكمال الجانب الأخلاقي عند الإنسان. فقال (ص):

"إنّما بُعث لأتمِّم مكارم الأخلاق".

وقوله: "خيرٌ من الخيرِ مُعطيه، وشرٌّ من الشر فاعله".

كما حرّم الغيبة والغش والكذب والخيانة والحقد وأمثالها من رذائل الأخلاق، ولقد دعى الإسلام إلى مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة والإخلاص والعدل والرحمة والعفو عن المسيء والإيثار وحب الخير للجميع وحسن المعاشرة... إلخ.

 

- الجانب العبادي:

قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14).

وكما وضع الإسلام أُسس الاعتقاد وقام بمعالجة شؤون الفكر وتثبيت الأسس النفسية والأخلاقية السليمة في أعماق الضمير والوجدان الإنساني، قام أيضاً بتنظيم الحياة البشرية وعلاقة الإنسان بخالقه ونفسه وأُسرته ومجتمعه..

فحدّد له العبادات، كالصلاة والصوم والحج والدعاء والنذر وقراءة القرآن... إلخ، ليعلن عن عبوديته وإخلاصه لله خالق الكون العظيم، وليحرر نفسه من عبودية الشهوات والطواغيت.

اهتم بالطهارة من النجاسات؛ كالبول والغائط والدم والمني والميتة الخنزير والكلب... إلخ، واعتبرها شرطاً في العبادات.. فشرع الغسل والوضوء أو التيمم عند العجز عن الغسل والوضوء.. كشرط في أداء بعض العبادات كالصلاة مثلاً.

 

- الرعاية البدنية والنفسية:

قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...) (الأعراف/ 32).

وقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأعراف/ 33).

وقال: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ...) (هود/ 112).

وقال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (طه/ 124).

لقد وضع الإسلام القوانين اللازمة لحماية الصحّة والجسد ورعايته من الأمراض والقاذورات والحفاظ على الأناقة والجمال.. فحرّم الخمور والزنا واللواط وأكل الميتة وشرب الدم ولحم الخنزير والإسراف في الطعام والشراب، ليحفظ صحّة الإنسان وقواه الجسدية والنفسية، كما دعا إلى الأناقة والجمال بقوله:

قال رسول الله (ص): "إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده".

كما دعا إلى الرياضة والفتوة بنص القرآن الكريم:

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال/ 60).

ويقول الرسول (ص): "علّموا أولادكم السباحة والرماية".

ليربّي الإنسان القوي السليم الجسم، الذي يستطيع التمتع بالحياة كما أراد الله، كما يربّي الإنسان السليم العقل والأخلاق.. لتتم سعادة الإنسان وراحته.

 

- تكريم الإنسان:

ولقد اعتنى الإسلام بالفرد وبحقوقه وحرّيته وكرامته الشخصية ذكراً كان أو أنثى، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).

وقال جلّ شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).

 

- النظام الاجتماعي:

الإسلام رسالة اجتماعية هدفها بناء مجتمع تعاوني متماسك يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات، ويرتبطون بروابط الود والمحبة والتعاون..

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ...) (المائدة/ 2).

وقال الرسول (ص): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

ولقد اعتنى بالعلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع واعتبر الأسرة أساس البناء الاجتماعي.

 

- بناء الأسرة:

وتشكل الأسرة في نظر الإسلام القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، لذلك اهتم ببناء وتنظيم العلاقات بين الزوج والزوجة والأبناء والآباء، واعتبر العلاقة بينهما قائمة على أساس الود والرحمة والحب والاحترام المتبادل، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...) (الروم/ 21).

وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19).

وقال أيضاً: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228).

ووضح الرسول محمّد (ص) أهمية الزواج والأسرة فقال: "ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج".

وقال: "مَن تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتقِ الله في النصف الآخر".

وقال: "من أخلاق الأنبياء (ص) حب النساء".

وهكذا أرسى قواعد العلاقة بين الزوج والزوجة على أساس الحب والود والاحترام المتبادل.. وأوجب لها النفقة الكاملة على الزوج، نفقة الطعام واللباس والزينة والسكن والعلاج... إلخ، بقدر استطاعته وظروفه المالية.

قال تعالى في النفقة على الزوجة:

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (الطلاق/ 7).

وكما اعتنى الإسلام ببناء تلك الروابط الوثيقة بين الزوج وزوجته، أقام مثل تلك العلاقات الأخلاقية والقانونية بين الأبوين وأبنائهم..

قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء/ 23).

وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان/ 14).

وروي عن رسول الله (ص) قوله: "نظر الولد إلى والديه حبّاً لهما عبادة".

وأمر الآباء بحب الأبناء والعطف عليهم وتربيتهم والنفقة عليهم، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...) (التحريم/ 6).

وورد عن الرسول الكريم (ص) قوله: "أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، لا يدرون إلّا أنكم ترزقونهم".

وكما أوجب على الآباء النفقة على الأبناء الصغار لأنّهم عاجزين عن النفقة على أنفسهم، أوجب على الأبناء النفقة أيضاً على آبائهم حين العجز عن النفقة على أنفسهم.

 

- حقوق الجار:

ولكي يربط الأسرة بالأُسر الأخرى، ويشيد العلاقات داخل البنية الاجتماعية على أساس متين، أوصى بالجار، وبحسن العلاقة معه، ورعاية حقوقه: فقد قال رسول الله محمّد (ص): "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه".

وقال (ص): "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

 

- النظام السياسي:

ولقد نظّم الإسلام بعد ذلك المجتمع تنظيماً دقيقاً.. نظم شؤونه السياسية والاقتصادية والقضائية والإصلاحية والعسكرية والأمنية... إلخ.

ففي مجال تنظيم السياسة والحكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ...) (النساء/ 58).

وقال الرسول محمد (ص): ".. فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، كلّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته". ►

ارسال التعليق

Top