• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آليات تفعيل العلاقات الاجتماعية

آليات تفعيل العلاقات الاجتماعية
    العلاقات الاجتماعية تتولد وتنبعث من تفاعل الناس والمجتمعات مع بعضها ببعض لتشكل انسجاماً جميلاً يضفي بصفات تشاركية ما بين أطرافها المتبادلة والتي لا يمكن الاستغناء عنها مطلقاً. وتتحقق الأهداف الإنسانية النبيلة كلما اتسمت العلاقات الاجتماعية بين الناس بالمحبة والتسامح والتفاعل الإيجابي. وبرغم ذلك فإنّ الحفاظ على تلك العلاقات لأمد طويل يعد أمراً صعباً، وتكمن مخاطر الصعوبة هنا في أنّ العلاقة بين الناس لفترة طويلة لا تخلو من المجادلات، وفي هذا الشأن يقول رسولنا الكريم (ص) أنّ "الدين هو المعاملة" أي أنّ الطريقة التي نتعامل ونتعايش بها مع غيرنا من الناس هي التي تحدد مستوى ديننا وإيماننا بالله. إنّ التعايش مع الآخرين يحتاج سهولة في غير ذلة، الصبر والاستيعاب لآرائهم وبشاشة الوجه ومراعاة كبيرهم وصغيرهم، عالمهم وجاهلهم ومن يوافقك ومن يعارضك، سماع مَن لا يرضيك في أوقات لا تعجبك (تحملهم على علاتهم) لأنّ الثمن هو الجنة، وأكثر ما يدخل الناس الجنّة هو حسن الخلق.. ومع ذلك هنالك بعض النصائح التي يمكن لكلّ منا الالتزام بها وممارستها لتحسين ورفع مستوى وجود العلاقة مع الآخرين، وتتمثل بالنقاط الآتية:

 

1- الجلوس مع الذات لبعض الوقت:

إنّ من أهم الأمور التي يجب أن لا تغيب عن بال أحد منا هو الجلوس مع النفس لوقت ليس قصير ومناقشة كلّ الأمور التي دارت بينك وبين الآخرين ومناقشتها بانفراد وبرؤية اجتماعية هادفة سواء كنت أباً أو زوجاً أو زوجة أو ولداً أو طالباً أو موظفاً حيث ستتأكد بنفسك إنّ هذه الخلافات مع الآخرين لابدّ أن تذوب وهي مسائل طبيعية بحكم التجربة الإنسانية الواسعة. لذلك نقول "إنّ من العيب أن تفتخر بشيء لم تصنعه أنت فلا تفتخر بجمالك لأنّك لم تخلقه ولا تفتخر بنسبك لأنّك لم تختره، إنّما افتخر بأخلاقك فأنت مَن يصنعها".

 

2- التفكير بالكلام قبل الادلاء به:

يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): "يا ليت رقبتي كرقبة البعير حتى أتمكن من تلافي الأخطاء الواردة في كلامي أو لكي أحبس كلامي قبل أن يخرج وربما فيه بعض الخطأ" ويحتاج كلّ إنسان أن يدرّب عقله على الصبر وتحمل الآخرين ليكون محصنا من الانفعالات ومواجهة الأمور بعقلية عصبية تفرز سلبيات وقت حدوثها. ومهما كانت الأخطاء التي تواجهنا في يومنا فهي مشكلات طبيعية وعادية ولكنّها بحاجة إلى الحكمة والصبر ومن هذه المشكلات:

أ) الشعور بالضيق من بعض الأشخاص.

ب) مقاطعتهم.

 

3- معاتبة النفس قبل توجيه اللوم للآخرين:

إنّ الحياة المثالية للإنسان في المجتمع هي عندما يكون إيجابياً ومرناً لغاية تحقيق السعادة في أصعب الظروف، وهذه الصفة تستدعي أن يضع أي منا نفسه مكان الآخر بحيث يلوم نفسه على أخطائه أولاً قبل أن يلوم الآخرين، وهي حالة نادرة أن يعترف الإنسان بأخطائه، ومن هنا تزداد مشكلات المجتمع وتتعقد جراء أسلوب التعنت ومحاولة التمترس بالرأي على حساب الآخرين. وحتى لو أخطأ الناس بحقك فلابدّ من التفكير بإيجاد السبل اللازمة لإسعاد نفسك بدل من جعلها تكون فريسة وضحية لأخطاء الآخرين.

 

4- اجعل لسانك ينطق بالكلام الجميل:

مصداقاً لقول نبينا محمّد (ص) "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". أنّ الكلام الطيب صدقة هكذا علّمنا الإسلام بأن نعطي قيمة مثلى للكلام وتطويع اللسان بأن ينطق بما يسرُّ الآخرين ويزيد من تألفهم حولك ويعزز الأخوة، ولكن بشرط أن لا تكون هذه الكلمات عبارة عن تزويق ونفاق تطلق أمام الشخص لكنّها تتبدل في غيابه أو هي كلمات تقال لأجل المصلحة وحسب وقتها المطلوب. وكما يقال: "إذا كان الكلام من فضة فإنّ السكوت من ذهب"، لكن ضرورة وجوب حضور الابتسامة على الشفاه، خاصة إذا سكت اللسان لأنّ الكلام مطلوب أن يُنطق به عند الضرورة وليس دائماً للتخلص من الوقوع في فخ كلام التلفيات الذي لا معنى له. وقمة الصبر أن تسكت وفي قلبك جرح يتكلّم وقوة القوّة أن تبتسم وفي عينيك ألف دمعة، والنبيّ محمّد (ص) يقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". أنّ من أسباب الهيبة قلة الكلام ومن أسباب الجمال كثرة الابتسامة، فكن جميلاً ذو هيبة. إنّ هذه المسائل بحاجة إلى تعضيد لتعزيز القيم الاجتماعية التي نحن بصددها وهي بالتأكيد جزء من فن الأتيكيت والمجاملة وحتى الدبلوماسية الإنسانية.

 

5- استمع جيداً لما يقال ولا تتسرع في الحكم عليه:

من الحكمة أن يكون الإنسان دقيقاً ومنصفاً مع الآخرين عندما يستقبل كلامهم والأهم عليه أن يتحرر من مرض الشكّ، ولابدّ أن يأخذ كلام الآخرين على قدر كبير من الثقة لتجنب الانفعال وردة الفعل السلبية التي تولد نفوراً مقرفاً يؤدي إلى هدم جدار العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. وأفضل الناس مَن يستمع بأريحية وبتأني لكلام الآخر حتى يعطي نفسه فرصة التأمل والتحليل، فإنّ الصبر مفتاح الفرج.

 

6- لا تهمل صحتك حتى لا تفقد المجتمع:

إنّ العقل السليم في الجسم السليم هكذا تعلّمنا منذ الصغر بأنّ العقل هو المنظومة الفكرية الديناميكية التي تتفاعل مع الأشياء والتصرفات والسلوك، ولكن هذا العقل قد يصاب بالضيق والخمول في حال إهماله وسجنه في مكان محصور، ومن هنا لابدّ من ممارسة الرياضة بأنواعها سواء المشي أو الألعاب المختلفة وإشغال الوقت بعيداً عن الوحدانية التي تتعدى حدودها، وكلما أصبح الجسم سليماً وصحياً كلما نشط العقل ونشط التفاعل الاجتماعي إيجابياً.

 

7- التسامح:

لا تكن قاسي القلب وتقف لكلّ شخص على هفوة، فأنت تتعامل مع بشر والبشر بطبعه خطاء لذلك عليك أن تكون شخصاً متسامحاً، ولا تستمر في العزف على الوتر الحساس فقط واترك الأمر يمرّ بسلام لكن لا تسمح لأحد بتعدي الحدود الأساسية، فنحن نسامح نعم، لكن لا نسمح لأحد أن يجرح كرامتنا وكبريائنا فهي أغلى ما نملك في هذه الدنيا، ولأنّ الله خلقنا أحراراً والكرامة هي من أهم صفات الحرية. والاحترام هو سبيل للكرامة. إذ أنّ الاحترام لا يدل على الحبّ إنّما يدل على حسن التربية فاحترم الناس حتى ولو لم تكن تحبهم.

 

8- قم بشيء مرح كلّ يوم مع شخص مختلف:

عليك أن لا تستسلم للحياة بل كن فاعلاً فيها وخصص وقتاً يومياً للاستمتاع بالأشياء البسيطة في الحياة مع أصدقائك، لأنّ الحياة تصبح أكثر قسوة مللاً إذا حاولت دائماً التفكير في المشكلات وتقييمها، مثل التحدث عن المال، والقلق بشأن تربية الأطفال، وتحديد الخطوة التالية التي عليك اتخاذها. وعليك أن تزيد من تواصلك مع آخرين من الأصدقاء الجدد ولا تكتفي بقلة من الناس والأصدقاء.

 

9- كلمة شكر دواء سحري:

أهم من يجب عليك أن تشكره هو الله فهو العاطي الذي لا يمكن أن نعد ولا نحصي نعمه، وبعده يأتي البشر، قم في نهاية أو بداية كلّ يوم بعمل قائمة واكتب بها كلّ الأشياء الجيدة التي فعلها لك الآخرين وتستحق أن تقدم لهم الشكر عليها، وبعد هذه الخطوة ستتحول نظرتك إلى الآخرين إلى الشكل الإيجابي وستزدهر علاقتك بهم أمام عينيك.

 

10- التواصل المستمر:

التواصل عنصر محوري في كلّ العلاقات الإنسانية وبدونه سرعان ما تنهار، حيث يؤدي نسيان فن التواصل بين العلاقات إلى وصولها لنوع من العذاب، ويمكن أن تقوّي روابط العلاقة بين شركائك بواسطة التعبير عن نفسك معهم لكن لا تحاول إرهاقهم بمشكلاتك أو ما يجول بداخلك من موضوعات، فقط ناقشها معهم بطريقة هادئة حين تجد لديهم الاستعداد لذلك.

 

11- التجاذب:

جميعنا يعلم أهمية التجاذب الجسدي الذي يلعب دوراً هاماً في العلاقات الإنسانية، وتذكر أنّ أوّل شيء يجذب إليك أحداً يكون مظهرك الخارجي لذلك من الهام أن تبذل أفضل ما عندك لدعم جاذبيتك البدنية.

 

12- غيّر من نفسك إذا تطلب الأمر:

إذا كنت تعاني من مشكلة ما تسبب بُعد الآخرين عنك وفشل علاقاتك بهم حاول أن تغيرها إذا أمكن، ولا نقصد هنا تغيير جانب إيجابي في شخصيتك من أجل أحد، لكن التغيير هنا يكون في الصفات السلبية وتشمل: العناد – التسرع – عدم الصبر – عدم الاكتراث – عدم احترام رأي الآخر – الصوت المرتفع عند المناقشة وغيرها من الصفات السلبية التي تنفّر منك الآخرين.

 

13- واقعية التوقعات:

الحياة ليست بها عصا سحرية تحقق ما نتمنى في لمح البصر، فيجب أن نتحلى بالواقعية في علاقاتنا، فمهما كانت العلاقة مثالية لابدّ أن يحدث بها بعض المشكلات وهذا شيء طبيعي.

 

14- المساندة والتآزر:

يمكن أن تنهار علاقة ما إذا اعتقد أحد طرفيها أنّه يحمل أعباء تزيد عن قدرته، ومن المهم أن يتبادل الأطراف تحمل الأعباء معاً والتواجد الدائم لتأييد بعضهم البعض خلال ما يواجهون من عقبات على مدار الحياة وخبراتها.

 

15- إضافة لمسة من روح التجديد:

العلاقات تشبه المنتجات التي لابدّ لها من لمسة تجديد حتى لا يشعر الشخص بالملل، ويكون هذا ببعض المفاجآت والنزهات وقضاء بعض الوقت معاً، وهذا يضيف لهذه العلاقة بعض الخبرات والذكريات الجديدة، كما يساعد الأشخاص على اكتشاف أوجه جديدة في شخصية أطرافها لم يلاحظوها من قبل.

 

16- احصل على النصيحة إذا كنت بحاجة إليها:

أحياناً يكون من الضروري السعي للنصيحة الخارجية من الأصدقاء، أفراد الأسرة، وحتى لمتخصص في العلاقات الإنسانية، ويكون من الصعب في بعض الأوقات أن تعبر عما بداخلك من مشاعر لشريكك، لذلك عند استشارة الآخرين ستحصل على نصائح، ولكن من زوايا مختلفة يعطيك فرصة لحل مشكلاتك بحلول لم تخطر على بالك.

 الكاتب: د. فاضل البدراني

المصدر: كتاب فن الأتيكيت في بناء العلاقات الاجتماعية

ارسال التعليق

Top