• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التوازن السلوكي

التوازن السلوكي
◄قال رسول الله (ص) في خطبة شهر رمضان:

أيّها الناس:

"مَن حسّن خلقه في هذا الشهر كان له جوازاً على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومَن خفّفْ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف عليه حسابه، ومَن كفّ فيه شره كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ومَن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه ومَن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومَن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ومَن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ومَن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومَن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومَن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور..".

الاتزان السلوكي في التصرفات هو انعكاس طبيعي للتعاليم والتربية الناجحة في الحياة وعلى ضوء التعاليم وألوان التربية تتحدّد سلوكيات الإنسان وهذه الأسس التربوية والتعليمية هي الخلفية الثقافية لهذا السلوك المعين. على سبيل المثال في الفكر الإلحادي لا توجد خلفية ثقافية تؤمن بالآخرة ويوم الحساب أو عذاب القبر مثلاً بل يسخر أصحاب الفكر الملحد من ذلك فلذا نلاحظ تربية أجيال وأبناء هذا الفكر تركز على إشاعة حالة التمرد على القيم الاجتماعية والأخلاقية وسلطة الدين وقبضة الأعراف والعادات السائدة ولديها أنّ هذا التخلص من القيود المتعددة التي تحدد سلوكيات الإنسان هذا هو قمة التحرر وعين الكرامة والحرية.. فالفرد الذي ينمو في هذه الأجواء الإلحادية – غالباً – تراه يتحلل من القيم ويصطدم بالمجتمع الملتزم ويسخر من الأفكار الغيبية ويرفع شعارات الإباحية الجنسية والمساواة بين المرأة والرجل وحين يقف على مقابر المسلمين يتأوه حزناً ويقول حرام على هذه الأموال الطائلة التي تصرف على الأموات في الكفن والدفن وإقامة مراسيم العزاء وتوزيع الطعام على أرواح الموتى!! لماذا؟ لأنّ الاقتصاد لابدّ أن يدعم بالإنتاج لا بالاستهلاك غير الهادف – كما يتصور – وهنا لا نريد أن ننتقد الفكرة علميّاً ولكن لنراه كيف يعيش في مدينته الفاضلة التي يرسمها لنفسه إنها الغابات والحيوانات الجشعة والمفترسة للضعاف وبالفعل تسود لغة (فاز باللذات من كان جسوراً) ويبدأ يبرر لأعماله هذه التي تدفع للحقد والحسد والبغضاء والفساد.

بينما يأتي الإسلام لتثبيت وغرس الروح الكريمة بأنواع المثل العليا والمواقف النبيلة فيقوم بثورة أخلاقية كبرى في داخل النفس جنباً لجنب للثورة الفكرية والثقافية يقول الإمام عليّ (ع): "ميدانكم الأوّل أنفسكم فمن كان عليها قادر كان على غيرها أقدر ومن كان عليها عاجز كان على غيرها أعجز".

فالأخلاق تعني الالتزام تعني التقيد بالتربية الصالحة في كلّ الميادين الحياتية في المجال الاجتماعي في الصداقة والأصدقاء وفي المجال الصحي والمجال الثقافي في الجدال والمناقشة في العمل والمعاملة في الحياة والموت.. بل أكثر من ذلك يحددنا الإسلام كيف نتعامل مع الحيوان والنبات والطبيعة المحيطة بنا والواقع أنّ تعاليم الإسلام كلّها ثورة الأخلاق الإنسانية في الحياة ولابدّ أن نشير إلى ضرورة العودة إلى واقع الإسلام وإلى ثورته الأخلاقية الشاملة لأننا اليوم نعيش زمن الأزمات وأوّل الأزمات التي نعاني منها هي أزمة القيم والأخلاق فالدنيا سحبت منا قسطاً كبيراً فبدأنا نركض وراءها بلهاث مادي واضح والسرقة المكشوفة في الوظيفة والعمل صارت ممارسات طبيعية لدى البعض وسوء الظن بالآخرين قضية عادية بينما نلاحظ الشريعة الإسلامية تدعونا إلى بلورة التعاليم الدينية في أعماق النفس الإنسانية ليكون الفرد مؤمناً صالحاً متزناً ملتزماً بمعنى الكلمة وصاحب إرادة صلبة تنتج الصلاح فنقرأ في الأثر المبارك "إنما الدين المعاملة".

يعني الثقافة الإسلامية والثورة الفكرية لابدّ أن تنعكس على سلوكيات الفرد والمجتمع الإسلامي وعلى كافة الأصعدة تبقى الخلفية الثقافية الإيمانية ملازمة لسلوك وتصرفات الفرد والمجتمع ومن أبرز هذه الانعكاسات السلوكية لابدّ أن يتميز الفرد المسلم والمجتمع بصفة – التراحم والتعاطف وحب الناس والسعي لقضاء حوائجهم "خير الناس مَن نفع الناس" والصدق والإخلاص والوفاء والمواساة واحترام الحقوق وأداء الواجبات وضبط النفس والعفة والكرم وعدم الغضب والانفعال والثرثرة وسوء الظن وإشاعة الفحشاء والابتعاد عن العجب والكبر والسخرية من الآخرين..

فالإسلام يدخل في كلّ نقطة بالحياة ليضع عليها لمساته الخيّرة ويعلّم الإنسان المسلم طريقة التعامل بدلاً من أن يقع فريسة للأفكار الدخيلة التي تسعى لسرقة هذه القيم المهذبة وتحويل الإنسان إل حيوان سهل القياد يبحث عن طرق إشباع غرائزه وحاجياته.

ولا بأس من التفاتة نادرة في هذا المجال إننا نرى بعض الناس غير المتدينين يحملون صفات خلقية جميلة من الضيافة والكرم وحسن المعشر والتضحية للأخ والجار على عكس بعض المتدينين لا يتمتع بروح التحابب والانسجام صعب العريكة عسير الانفتاح وحقاً لو يخير الإنسان بين التحدث مع أحدهما فيختار الأوّل لأنّ الثاني لا يرتاح إليه لعاداته وخلقه بينما نقرأ في الأحاديث والروايات العديدة بأنّ المؤمن كهف المؤمن يأوي إليه ويبث إليه شكواه ويناجيه..

يقول الرسول الأعظم (ص): "المؤمنون أخوة ولا شيء آثر عند كلّ أخ من أخيه، المؤمنون أخوة تتكافىء دمائهم وهم يد على سواهم يسعى بذمتهم أدناهم".

ويقول النبيّ (ص) أيضاً: "إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء البارد".

والرسول الأكرم يصف المؤمن: "يعطف على أخيه بزلته ويرعى ما مضى من قديم صحبته".

فيا حبذا لو اجتمعت عند المؤمن خصال الأخلاق الحميدة ليكون القدوة الحسنة بالمجتمع وإنّ ذلك النمط من المتدينين غير المتخلقين بأخلاق الإسلام من الابتسامة والألفة والعشرة فهو متدين ثقافةً وفكراً لا معاملة وخلقاً وسلوكاً وهذه المفارقة تظهر للعيان أمام الشباب والجيل الصاعد وتشكل سبباً من أسباب النفور من الدين فيقيس والده المتدين فكراً والمتعصب بل المعقد سلوكاً – في بعض الأحيان – على الدين من خلال معاملته مع والدته وجيرانه فيكفر بالقيم وبهكذا إيمان بالحذر الحذر من الوقوع في هذا النفق المظلم الذي يتصور فيه الشباب أنّ الدين لا يغير السلوك نحو الأفضل وبذلك نرتكب جريمة بحقّ الشبيبة الصاعدة ولابدّ أن نوجّه أنظار الناس إلى القدوة الحقيقية في حياة المسلمين وهو النبيّ (ص) فهو ترجمان القرآن والتطبيق الحي لتعاليم الإسلام.

والإنسان في حياته اليومية يمر بحالات عصيبة تفقده السيطرة على وضعه الخلقي الطبيعي والمفروض أن يمسك الإنسان على أعصابه ويكون هادئاً في أحلك الظروف المحيطة به ولكي لا تملي عليه الظروف أخلاقاً معينة لابدّ أن يحافظ على توازنه السلوكي وفي الوسط الاجتماعي خليط من الناس وخليط من المؤثرات فالأنجح من المؤمنين هو الذي يختار عناصر صالحة للمجالسة والمعاشرة دون أصدقاء السوء الذين يساهمون في سوء الخلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

والآن لنبين مفردات المقطع الخامس من خطبة الرسول الأعظم لشهر رمضان المبارك.

أيها الناس: نداء مفتوح لجميع الناس بما أنّ الواجبات العبادية هي فرض على جميع الناس (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56).

ويترك هذا النداء العام آثاره الإيجابية على النفس مهما اقتربت أو ابتعدت من الطاعة فالقريب يتنافس مع الآخرين للحصول على درجات القربى والتقوى والبعيد يشعر أنّ الرحمة الإلهية لا زالت شاملة له ولأمثاله فيحسب لنفسه حساب التقرب بالطاعة ولهذا الشهر الكريم عطاء خاص للمطيعين ومتميز بالحسنات المضاعفة.

أيها الناس: مَن حسّن خلقه في هذا الشهر كان له جوازاً على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.. والسؤال الوارد في هذا المجال لماذا في هذا الشهر بالتحديد؟

وللإجابة نقول لا على مستوى الحصر بل نذكر أهم الأسباب فمن الأسباب لذلك إعلان الضيافة الإلهية في شهر رمضان فالعناية الربانية في شهر الطاعة والصيام متميزة بالمنح والعطاء ومما لا شك فيه أنّ العبادة في هذا الشهر تتميز عن الأشهر الأخرى فالنهار مغلق بالعبادة والطاعة والليل فيه المراسيم والدعاء. ومن الأسباب أن توقيت العطاء يعتبر جيداً حيث أنّ الجوع والعطش أثناء الصيام والتعب وتغيير أوقات الطعام كلّ ذلك يغير – عادةً – سلوك الإنسان إلّا المؤمن الصابر فالذي يروّض نفسه بالمحافظة على حالته السلوكية الطيبة أو الذي يزيد من حسن سلوكه بمعنى أنّه نجح من أعسر الأوقات وأشدها تأثيراً لذلك يعطيه الله عزّ وجلّ موعداً عظيماً زماناً ومكاناً حيث النجاة والعبور والجواز على صراط المستقيم يوم يسقط الناس لسوء أعمالهم وسلوكهم ولا يعبر إلا الصالح المؤمن فالصيام مع ظروفه النفسية الذاتية والموضوعية المؤثرة على الصائم المقاوم لعوامل الظرفين بحسن تصرفه وسلوكه يضمن الجواز أي المرور بسلام يوم تزل فيه أقدام الناس. يقول الرسول الأكرم (ص): "والناس عليه كالبرق وكطرفة العين وكأوجاد الخيل والركاب وشداً على الأقدام فناج مسلّم ومخدوش مرسل ومطروح فيها"، ويقول أيضاً: "والناس على الصراط فمتعلق بيد وتزول قدم ويستمسك بقدم".

"ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينُهُ خفف عليه حسابه" يوم القيامة فالله سبحانه حينما يرى الصائم العابد في هذا الشهر وقد تجاوز عن أخطاء عبيده وما ملكت يمينه فيجزيه خيراً يوم الحساب بالتخفيف والتجاوز "ارحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء".

"ومن كف فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه".

يقول الرسول (ص): "كفّ أذاك عن الناس فإنّه صدقة تصدق بها على نفسك"، ويقول أيضاً: "من آذى مؤمناً فقد آذاني".

والإنسان المؤمن لابدّ أن يكون بعيداً عن الشر وأخلاق الأشرار وفي هذا الشهر الذي يكف شره ويمنع شره عن الناس لقاء ذلك يمنع الله غضبه عنه يوم القيامة يقول الرسول الأعظم (ص): "شرّ الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون إتقاء شرهم".

فيحصل الإنسان يوم القيامة على رضا الله إن امتنع عن أذى الناس وبالفعل يستطيع الإنسان أن يكتشف سلبياته ونوازعه الشريرة والمعتدية على حقوق الآخرين وذلك في أجواء شهر الصيام فإنّها خير أجواء مناسبة لاكتشاف نقاط الضعف لديه فيبدأ بإزالتها ويمرّن نفسه على ذلك ويعمل جاهداً لاستبدالها بصفات الخير ففي الحديث: "عودوا أنفسكم على الخير، العادة طبيعة ثانية".

فإذن لابدّ من قلع صفة الأذى والشر من النفس ويدفع النبيّ (ص) نحو العمل الإيجابي بقوله: "ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه".

فاليتيم هو مقطوع الحنان من الأب أو الأبوين فإكرامه يقلص هذه الفجوة المفقودة في نفسية اليتيم لذلك يقول الرسول الأعظم (ص): "كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم إنك تزرع كذلك تحصد"، ويقول أيضاً: "مَن قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة ألبتة إلّا أن يعمل ذنباً لا يغفر". ومن وصايا أمير المؤمنين (ع) قبل الموت: الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول الله (ص) يقول: "َمن عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجلّ له الجنة كما أوجب لأكل مال اليتيم النار". وبالفعل كما قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء/ 10).

ومسألة صلة الأرحام من المسائل التي يؤكدها الإسلام ولها آثارها الإيجابية في الصلة والسلبية في القطع كما في الدنيا لها آثار ففي الآخرة أيضاً وقد بينا ذلك فيما مضى من خطبة الرسول (ص) ويقول الإمام الصادق في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ) (النساء/ 1)، هي أرحام الناس إنّ الله عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظّمها ألا ترى أنّه جعلها منه.

والرسول الأعظم يقول: "اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنّه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة"، ويقول (ص) أيضاً: "صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر". وبالمقابل – لقطع الرحم آثار سلبية فيقول الرسول (ص): "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر ومؤمن سحر وقاطع رحم. إنّ الرحمة لا تنزل على قومٍ فيهم قاطع رحم".

أمّا الذي يوصل رحمه في هذا الشهر المبارك سيوصله الله عزّ وجلّ بالمغفرة والعطاء والبركة يوم القيامة ومَن قطع رحمه في هذا الشهر قطع الله عنه رحمته وعطاءه يوم يلقاه.

ثمّ ينتقل النبيّ (ص) من بيان المنهجية الاجتماعية للمؤمن إلى بيان المنهجية العبادية والحقيقة إنّ شهر الله كلّه عبادة – نومكم فيه عبادة – ولكن النبيّ يوضح المستحبات العبادية في بقية هذا المقطع من خطبته فالصلاة المفروضة والواجبة أمر مفروغ عنه والصيام غرض قائم لا كلام فيه وإنما في حالة الصيام يتعبد الإنسان المؤمن بمجمل الأعمال المسنونة التي تزيده تقرباً إليه سبحانه وتجعله دائم الذكر والتفكر في الله وكتابه المبارك فيقول (ص): "ومن تطوّع فيه بصلاةٍ كتب الله له براءةً من النار".

وصلاة التطوع أي صلاة النوافل المستحبة وهي تشمل المرتبة التي ترفق الفرائض الخمس وغيرها، وما أكثرها في شهر الصيام فهنالك صلوات ليليّة وصلوات في ليالي القدر وليلة العيد والزيارات وأداء هذه الصلاة المستحبة في هذا الشهر الكريم يعطي وثيقة البراءة من النار ونفهم من لفظة (تطوّع) معنى التفاعل مع الصلاة وقت أدائها وكذلك في ترتب آثارها الإيجابية في التعامل والسلوك أي التطوّع الصادق يمنح وثيقة لنجاة من الجحيم أي مع شرطها وشروطها يقول الرسول (ص): "الصلاة عماد الدين"، ويقول أيضاً: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلّا بُعداً، لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".، وفي الحديث صلاة الليل تبيض الوجوه وصلاة الليل تطيب الليل وصلاة الليل تجلب الرزق. والرسول الأعظم: يقول: "يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب لاه".

ويستمر النبيّ (ص) في خطبته الرائعة ليقول: "ومَن أدى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن أكثر فيه من الصلاة عليَّ ثقل الله ميزانه يوم تخفُ الموازين ومَن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور..".

هذا كرم الله وضيافته في هذا الشهر المعطاء فأجرُ وثوابُ فريضة يحسب بسبعين أجرٍ وثواب لهذه الفريضة في شهور السنة الأخرى أما الصلاة على النبيّ في هذا الشهر يثقل ميزان الأعمال الخيرة ليرجحها على الكفة الأخرى فيقول الرسول (ص): "الصلاة عليّ نور على الصراط، كلّ دعاءٍ محجوب حتى يصلي على النبيّ، من صلّى عليَّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام أسمي في ذلك الكتاب". ويقول الإمام الباقر أو الصادق: أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمّد وعلى أهل بيته.

وأيضاً من كرم الله في هذا الشهر العظيم أنّ قارىء آية من الكتاب العزيز له أجر ختم القرآن في غير شهر رمضان وهذا التأكيد على القرآن وقراءته كأنما يريد منا الرسول (ص) أن نحطم الأسوار الموضوعة من حولنا سواء كانت مقصوده أو عن حسن نية لنقترب من الكتاب الكريم ونقرأه قراءة واعية هادفة فالآية الواحدة لو قرأت بإمعان لعملت عملها التغييري في واقع السلوك الإنساني فلكي لا يكون هم القارىء للقرآن نهاية السورة – كما ورد في الأثر المبارك –.

وهكذا يسود المنطق المصلحي حينما تتزاحم المصلحة الإسلامية العامة بالمصلحة الذاتية فيفضل الإنسان غير الواعي مصلحته الشخصية وكأنّه يتعامل مع القرآن تعاملاً ثانوياً لذلك نقرأ في التأريخ أنّ الإمام الحسين حينما خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جده في زمن يزيد بن معاوية والكثير من الذين تخلفوا عن اللحوق بركبه للجهاد قدموا تبريرات لتخاذلهم إياه فكان أحدهم: (حمامة المسجد) وكان الآخر يقرأ القرآن ولا يتدخل في شؤون السلطة والآخر يقول – إني ألازم المسجد واقرأ القرآن – هذا الموقف الانهزامي أمام سلطة الباطل كما في قصص الأنبياء مثلاً في قصة موسى (ع) وصراعه مع الانحراف نقرأ الآيات الكريمة: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة/ 24-26).►

ارسال التعليق

Top