• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحج وتحقيق هدف الأنبياء (ع)

الحج وتحقيق هدف الأنبياء (ع)
◄من الملاحظ لكل متأمل في النصوص الإسلامية أنها تربط تماماً بين الحج ومسيرة الأنبياء (ع) وأهدافهم، بشتى أنواع الربط. فنحن نجد هذه النصوص تصرح – مثلاً – بأنّ الحج منسك قام به الأنبياء فشكّل سنة لهم. جاء في الرواية عن الرضا (ع) "فإن قال قائل: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة؟ قيل: لأنّ الله تعالى أحبّ أن يُعبده بهذه العبادة في أيام التشريق، فكان أوّل ما حجت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنّة ووقتاً إلى يوم القيامة، فأمّا النبيون آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمّد – صلوات الله عليهم – وغيرهم من الأنبياء، إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنّة في أولادهم إلى يوم القيامة"[1]. وعن الحلبي: سئل أبو عبدالله الصادق (ع) عن البيت أكان يحج قبل أن يبعث النبي (ص)؟ قال: "نعم تصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوج: (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) (القصص/ 27)، ولم يقل ثماني سنين، وإن آدم ونوحاً حجا، وسليمان بن داوود قد حج البيت بالجن والإنس والطير والريح، وحج موسى على جمل أحمر يقول: لبيك لبيك، وإنّه كما قال الله: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 96)، وقال: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (البقرة/ 127)، وقال: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/ 125)، وإنّ الله أنزل الحجر لآدم وكان البيت"[2]. وعن الباقر (ع): "إنّ الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح ثمّ بعث ملائكة فأمرهم ببناء بيت في الأرض بحياله (بمثاله) وقدره فلما كان الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوّأه الله لإبراهيم فأعلمه مكانه"[3]. وجاء في الخطبة القاصعة للإمام عليّ (ع) قوله: "وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم (ع) إلى الآخرين في هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله الله للناس قياماً..."[4]. وجاء عن الصادق (ع) قوله: "وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وقد جعله محل الأنبياء وقبلة للمصلين له"[5].   مواقف الأنبياء: كما أن بعض النصوص تركز على أن تسمية أماكنه مستقاة من حوادث جرت لبعض الأنبياء (ع)[6]. ويعتبر أمير المؤمنين مواقف الحج للأنبياء (ع)، ويركز في إحساس الحجاج أن يشعروا بأنّهم يقفون مواقفهم فيقول: "واختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه"[7]. والأدعية التي يدو بها الحاج تذكّره بالأنبياء وهدفهم وتدعوه للتسليم على جميع الأنبياء مع التركيز بسلام خاص على إبراهيم (ع). وهناك نصوص كثيرة تتحدث عن حج هذا النبي أو ذاك وقد رأينا بعض النصوص التي تربط البيت بآدم (ع) كما أنّ هناك نصوصاً كثيرة تتحدث عن حج موسى (ع) منها: إنّ رسول الله (ص) مرّ بوادي الأزرق وهو ما بين مكة والمدينة فقال: "أيُّ وادٍ هذا؟" قالوا: وادي الأزرق. قال "كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية مارّاً بهذا الوادي"، ثمّ أتى على ثنية هرشا فقال: "أيُّ ثنية هذه؟" قالوا: ثنية هرشا أولغت. قال: "كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة، ماراً بهذا الوادي يلبّي"[8].   الحج.. وإبراهيم (ع): إلا أنّ التركيز الرئيس يتم على ربط عملية الحج بشيخ الموحدين إبراهيم (ع) حيث أكّد القرآن الكريم على ذلك بشتى أنواع التعبير. فهو مثلاً يتحدث عن امتحان إبراهيم بالكلمات الإلهية ويتبع ذلك بعملية الربط. يقول تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/ 124-125). ويقول تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 95-97). وإذا لاحظنا سورة الحج وجدناها تؤكد في مواضع عديدة على صراع الخطين خط الحق وخط الباطل كما تؤكد نصرة الله لخط الحق بعد أن تأذن للمؤمنين في قتال الكافرين، وبعد كل هذا ترد على الكافرين الذين يلحدون بظلم في بيت الله فتربط هذا البيت بإبراهيم (ع) فتقول: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج/ 26-27). وفي ختام السورة يدعو الخط المؤمن للجهاد حق الجهاد وينفي الحرج عنه ويعتبر ذلك ملة إبراهيم (ع) مذكّراً المسلمين بدورهم الحضاري كشاهد على الناس، وبدور الرسول (ص) كشاهد عليهم، وهكذا يتم أروع ربط بين خط الأنبياء وبالخصوص خط إبراهيم وهذه الأُمّة المسلمة فيقول تعالى في آخر سورة الحج: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78). ولما كان الرسول العظيم (ص) خاتم الأنبياء وأفضلهم فهو يمثل خطهم خير تمثيل ولما كان الحج يعني فيما يعني التذكير بالرسول العظيم وآثاره وانطلاقة دعوته العالمية الإنسانية الكبرى فإنّ الحج يمثل أروع عملية تذكير بسيرته (ص). وقد جاء عن هشام بن الحكم عن الصادق (ع) وهو يذكر حكم الحج قوله: "ولتعرف آثار رسول الله (ص) وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى..."[9].   أهداف الأنبياء (ع): من خلال هذا الاستعراض ننتهي إلى الحقيقة المهمة القائلة بأنّ الحج هو سنّة الأنبياء (ع)، والمحقق لهدفهم بكل وضوح وهو سنّة إبراهيم المؤدية لتركيز أهدافه الحضارية ولكن ما هي أهداف الأنبياء (ع)؟ وكيف يحققها الحج؟ إنّ القرآن الكريم أوّلاً يربط هدف الأنبياء (ع) بهدف الخلقة الإنسانية عموماً وهو الوصول إلى أقصى درجات التكامل عبر الرقيّ في مدارج العبودية الكاملة لله تعالى. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56). فكلّما تعمّقت معاني العبوديّة في الوجود الإنساني تكامل وقرب من الكمال المطلق. وكل دعوات الأنبياء (ع) تتلخّص في التعبد لله تعالى ولزوم صياغة الحياة كلّها وفق أوامره جلّ وعلا. وعبارة (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (المؤمنون/ 32)، كان يردّدها كل الأنبياء دون استثناء. والدعوة للتوحيد هي روح كل كلماتهم عليهم الصلاة والسلام. يقول تعالى: (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ...) (فصلت/ 14). وروي عن رسول الله (ص) قوله: "أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة فهو أفضل من سبعين حجّة من غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)"[10]. وكلمة التوحيد هذه إثبات للحاكمية الإلهية في الحياة ونفي لكلّ معاني الطاغوت والتجبّر ومن هنا أعلن القرآن الكريم أنّ كلّ الأنبياء طالبوا أممهم بأمرين (عبادة الله واجتناب الطاغوت) فقال جلّ وعلا: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ...) (النحل/ 36). وهكذا كانت حياتهم عليهم السلام عملاً على تحكيم شريعة الله في الأمم ومحاربة لكلّ مظاهر الصنمية والطاغوت. إلّا أنّ التجلي الرائع لهذا الهدف يبدو في حياة سيّدنا إبراهيم (ع) وربما كان الربط الشديد للحج به ناتجاً من هذا التجلي العظيم لمسألة تعبيد الأرض لله ومحاربة الأصنام والطاغوت بشتّى مظاهره. وقد تكرر ذكر إبراهيم (ع) في القرآن تسعاً وستين مرة وفي ست وعشرين سورة مع التركيز على الخصيصتين الرئيستين له وهما توحيده وصراعه ضد الطاغوت. أما توحيده فيسخّر الحياة كلها بكلّ نواحيها لله جلّ وعلا، إذ يقول: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/ 79). وإذ يعلن: (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 162). وإذ يعلن هو وابنه: (.. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا...) (البقرة/ 127-128). وهكذا كان شعاره الرائع: (.. أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ...) (البقرة/ 131). وفي مجال صراعه مع الكفر والكافرين يقف إبراهيم بطلاً توحيدياً لا يخشى في الله لومة لائم، ويصرخ بوجه نمرود، ويجادل عبدة الكواكب، ويقارع الأصنام حاملاً فأسه التاريخية ساخراً منها قائلاً: ألا تأكلون؟ مالكم لا تنطقون؟ ويعلن العداء للمشركين والبراءة منهم: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء/ 75-81). ويتبرأ حتى من أبيه عندما يتبين شركه. ويعلنها حرباً ضد الشرك ليقول: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...) (الممتحنة/ 4). وهكذا يشكّل إبراهيم (ع) الأسوة الحسنة لكلّ المؤمنين عبر التاريخ فإيمانه يصل إلى حد اليقين، وتأمّله استوعب الكون، ودعوته تلخّصت في التوحيد، وأساليبه في الدعوة متنوّعة، واهتمامه بتعبيد البشرية لله تجاوز عصره إلى كلّ العصور، وصراعه الفكري والعملي يشمل كل الأصنام، وهو في ذلك ما كان يخشى أحداً إلّا الله. وتضحياته في سبيل هدفه متوالية، وبالتالي فهو قد امتلك كلّ الصفات الإنسانية العليا. (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا * وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا) (النساء/ 124-125). وهكذا إذاً ترتبط عملية الحج بأهداف الأنبياء (ع) ونماذجهم القيادية خير ارتباط، وإذا شئنا أن نسير من هذه الأهداف الإجمالية إلى الخطوط التفصيلية استطعنا أن نشير إلى كل الخطوط التي تشكّل بمجموعها (الإسلام) بجوانبه، فهي إذاً تعني: أ‌-     تركيز العقيدة الإلهية بكل مقتضياتها في نفوس أبناء البشر وتعميق المفاهيم التي تحد موقف الإنسان من الكون والحياة كلها وإرجاع البشرية إلى فطرتها السليمة وتنمية هذه الفطرة. ب‌- بناء أبناء الإنسانية بناءً عاطفياً منسجماً مع العقيدة الإلهية الحقّة ونداءات الفطرة الصافية. ت‌- إيصال التعاليم الإلهية البنّاءة إلى كل البشرية وإقامة الحجة عليها. ث‌- قيادة تجربة تطبيق الشريعة الإلهية وصياغة المجتمع العابد لله والسائر نحو كماله بشكل منسجم، وإقامة القسط والعدل وإثارة دفائن العقول. ج‌-   مقارعة كل مظاهر الطاغوت والاستكبار ونفي كل صورها المادية، وكل قيودها الوهمية وكل مطلقاتها الذهنية الكاذبة، ولسنا بصدد استعراض الآيات القرآنية الكريمة التي تتعرض بشكل متفرق لهذه الأهداف بالتفصيل ولكن نلاحظ الآية التالية كمثال لتلك الاهداف التفصيلية إذ يقول تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف/ 157-158). وإذا عدنا إلى مناسك الحج نفسها وجدناها منسجمة تمام الانسجام مع ذلك الهدف الكبير (عبادة الله واجتناب الطاغوت) لإننا نجدها عملية صمِّمت بشكل تنسجم فيها (الأفعال، والأقوال، والمحرمات، والأسماء، والشرائط، والذكريات، والأمكنة والأزمنة، ومراسم العيد، وبالتالي جوّ القدسية والأمان المضمون من قبل المجتمع الإسلامي)، نعم تنسجم فيها كل هذه العناصر مع الأهداف المذكورة وهي أهداف الأنبياء – عليهم السلام –.►   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العدد 47 و48 لسنة 1994م
[1]- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج99، ص43. [2]- م. ن، ص64، نقلاً عن تفسير العياشي. [3]- م. ن، ص65. [4]- نهج البلاغة، د. صبحي الصالح، ص292. ومحمد عبده، ط. دمشق، ص426-427. [5]- البحار، ج99، ص29. [6]- م. ن، ص44. [7]- نهج البلاغة، د. صبحي الصالح، ط. بيروت، ص45. [8]- جمع الفوائد، ج1، ص291. [9]- بحار الأنوار، ج99، ص33. [10]- جمع الفوائد، ج1، ص249.

ارسال التعليق

Top