◄قال الإمام زين العابدين (ع) في أدعية الصحيفة السجادية: «وإذا انقَضَت أيّامُ حياتِنا، وتصرَّمَت مُدَدُ أعمارِنا، واستحضرَتنا دعوتُك التي لابدّ منها ومن إجابتِها، فصلِّ على محمّدٍ وآله، واجعلْ خِتامَ ما تُحصي علينا كتَبَةُ أعمالِنا توبةً مقبولةً لا تُوفِفُنا بعدها على ذنبٍ اجتَرحناه، ولا مَعصيةٍ اقترَفناها، ولا تكشِفْ عنّا سِتراً سَترْتَهُ على رؤوسِ الأشهَادِ يومَ تَبلُو أخبارَ عبادِك، إنّك رحيمٌ بمَن دَعاك ومُستَجيبٌ لِمَن نَادَاك».
أُمنياتنا توبة مقبولة!
تلك هي ـ يا ربّ ـ أُمنياتنا ودعواتنا، عندما تنطلق الحياة بنا في امتدادها، في حركة العمر الذي يحمل في داخله الأمل الطويل... أن نكون من عبادك الصالحين الذين يعيشون في نطاق المسؤولية الجادّة، ولكنّ لكلّ بدايةٍ نهاية، ولكلّ نفسٍ أجل، هناك تضيق الحياة، فلا تبقى لنا إلّا نافذةٌ صغيرةٌ منها، وتتضاءل الفرصة، فلا نملك منها إلّا الشيء القليل، وذلك عندما تنقضي أيّام حياتنا، وتتقطع مدد أعمارنا، وتأتي الساعة الأخيرة، وتنطلق الدعوة من الله إلى أن ننتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة... وهي الدعوة الحاسمة التي لا مجال للعباد إلّا من إجابتها، لأنّها سنة الله في الكون الذي قضى على جميع عباده بالموت، وكلّهم صائرٌ إليه، فكيف يكون الموقف؟ وكيف تكون النهاية؟
إنّنا نتوسل إليك أن تأتينا ساعة الموت الأخيرة، ونحن في حال الطاعة لا في حال المعصية، وفي حالة التوبة الخالصة التي تمثّل الامتداد الحيّ لإيماننا بك وطاعتنا لك، والتي تحصل على القبول منك، لأنّها ليست التوبة الطارئة التي كانت نتيجة الرعب المفزغ لحظة معاينة الموت في عملية هروب لا معنى له في عمق الوعي، ولا غناء له في حجم النتائج، بل هي التوبة العميقة التي تنطلق من الخوف من مقامك، ومن الرغبة في نهي النفس عن الهوى، من موقع الاختيار الهادئ الذي ينطلق من حسابات الفكر الدقيقة، على أساس القناعة الذاتية بالموقف، والتصميم الحاسم في الحصول على جنّة الله ورضوانه.
وفي ضوء ذلك، فإنّ التوبة لا تحمل معنى الهروب، بل تمثّل معنى الإرادة الفاعلة التي تجعلنا نواجه الموقف بقوّة، من خلال الطمأنينة الهادئة الآمنة بأنّ الله قد ألغى لنا كلّ ذنوبنا، وجعلنا ننفتح على يوم القيامة كمن لا ذنب له، فلا يوقفنا على ذنب اكتسبناه ليؤنّبنا أو ليبكتنا عليه، ولا معصية اقترفناها ليعذّبنا عليها هناك عندما يقوم الناس لربّ العالمين، ليبلو أخبارهم، وليفضح أسرارهم، ويكشف أستارهم. إنّنا نتوسل إليك، وأنت الذي سترت علينا ما فعلناه، فلم تطلع عليه أحداً من هؤلاء الذين جعلتهم شهداء على خلقك، أن تديم لنا هذه الرعاية الإلهية، لتستر علينا في الآخرة كما سترت علينا في الدنيا، لأنّنا انطلقنا من مواقع الخطيئة إلى مواقع التوبة.
لقد دعوناك ـ يا أرحم الراحمين ـ فارحمنا، ولقد ناديناك ـ وأنت الذي تستجيب لنداء المؤمنين من عبادك ـ فاجبنا، إنّك رحيم بمن دعاك، ومستجيب لمن ناداك.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق