◄إنّ أفضل ما يجتهد العبد في القيام به في الدنيا هو عقد صفقات رابحة مع الله تعالى يسعد بها حين يلقاها مسطّرة في صحيفة أعماله يوم القيامة، ولكن قد يزل العبد أو يضل، وتبوء صفقته بالبوار والخسران، وعندها يندم حين لا ينفع الندم. فما الصفقات الرابحة وتلك الخاسرة؟ وكيف تكون الصفقة رابحة؟
1- الرياء بالأعمال:
مَن يعمل الصالحات وأعمال البر لا يقصد بها وجه الله، وإنّما يعملها ليراه الناس أو لتُنشر وتُعلم فيثني الناس عليه خيراً، هذا شخص أجهد نفسه بلا طائل، ووقع في أمرين خطيرين، الأوّل: أنّه يرائي بعمله الناس وهذا شرك أصغر، والثاني: أنّه لن يجد في صحيفته إلا وزراً، بمراءاته الناس، فتلك إذن صفقة خاسرة.
* وأمّا الصفقة الرابحة ففي إخلاص العمل لله تعالى قدر الطاقة، فإن أثنى الناس عليه خيراً، فهذا من عاجل بشرى المؤمن، وإن لم يثنوا فيكفيه ثناء الله تعالى وثوابه.
2- إرضاء الناس بسخط الله:
قد يسعى الإنسان إلى إرضاء غيره طلباً لحاجة عندهم أو استدامة لمودتهم أو لينال إعجابهم أو ليمدح عندهم، ولو كان ذلك بمعصية الله، فقد يُسهل لهم الحصول على ما ليس من حقهم، أو يُوجد لهم المخارج والحيل لظلم الآخرين وانتقاص حقوقهم، وقد يشارك من أجل ذلك في أمر يعلم أنّه حرام، فتلك صفقات خاسرة، إذ كيف يطلب رضا المخلوق بسخط الخالق؟ وهذا كما هان عليه أمر ربه سيهون هو على الناس، وسيذوق، عاجلاً أو آجلاً، ما لم يكن يتوقعه.
* وأمّا الصفقة الرابحة، ففي أن يقدم الإنسان رضا الله قبل كلّ شيء، فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق.
3- عدم تقديم المشورة على وجهها الصحيح:
قد يكون ذلك مجاملة للغير، أو طلباً لمصلحة عندهم، أو انتقاماً من طالب المشورة وتغريراً به، وكلها صفقات خاسرة. فقد قال رسول الله (ص): "المستشار مؤتَمن"، وقال: "مَن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه".
* وأمّا الصفقة الرابحة ففي إخلاص النصيحة، والصدق في المشورة، وألا يشير الإنسان إلا في ما يعلم، وفي ما يحسن.
4- شهادة الزور بمقابل أو بغير مقابل:
وهي من أشد أنواع الكذب قبحاً وحرمة، إذ تترتب عليها مظالم، وتضيع بها حقوق، ولا يجني شاهد الزور إلا الخيبة والندامة، ولذلك كانت من أسوأ الصفقات، ومن أكبر الكبائر، قال رسول الله (ص): "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟". قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين – وكان متكئاً فجلس – فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور".
* وأمّا الصفقة الرابحة: ففي قوله تعالى في (الآية 2 من سورة الطلاق) (.. وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً).
5- تشويه سمعة الآخرين تحصيلاً لغرض من الأغراض:
وهذا أمر عظيم، يحصل غالباً عند المنافسة على أمر ما. فقد يظن بعض ضعاف النفوس أنّه لن يحصل على غرضه، أو لن يروج لنفسه أو لشركته، مثلاً، أو يظهر إجادته في عمله.. إلا على حساب الآخرين، وقد تظن بعض النساء أنّها لن تروج لسوق بناتها أو قريباتها في الزواج مثلاً إلا بانتقاص الأخريات وذكر ما يطعن فيهنّ أو يقلل من قدرهن صراحةً أو إشارةً. وهؤلاء قد يحصل لهم ما أرادوا، ولكن هل هذا خير لهم؟ كلا. يقول الله تبارك وتعالى في (الآية 15 من سورة النور): (.. وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، ويقول رسول الله (ص): ".. وإنّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم".
* وأما الصفقة الرابحة: ففي قوله (ص): "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.
6- إظهار الفتاة زينتها طلباً للزواج:
وذلك بأن تخرج الفتاة عن حشمتها فتُظهر ما يدعو إلى النظر إليها، مثل كشف شعرها أمام الأجانب، أو تزيين وجهها، أو أن تلبس الثياب القصيرة التي تبدي ما أمِرَت بستره من بدنها أمامهم، أو أن تلبس ما يشف عما تحته، أو ما يصف من الثياب الضيقة، أو أن تخرج متعطرة بما تظهر رائحته، قد تفعل ذلك بعض الفتيات من نفسها أو بتوجيه من أمّها أو غيرها، خاصة عند تأخرها في الزواج، ظناً منهنّ أن ذلك يعجل بزواجها. نعم، قد يكون ذلك سبباً لزواجها، ولكنّه لا يعجله، لأنّ الزواج رزق، والرزق مكتوب عند الله تعالى، لا يتقدم ولا يتأخر، وسيأتي الفتاة ما قُدر لها، فلا تطلب ما عند الله بمعصيته، وإلا كانت صفقتها خاسرة.
* وأما الصفقة الرابحة ففي طلب بركة الله ورزقه بطاعته، وبكثرة دعائه، وألا تنقض الفتاة العهد الذي بينها وبين الله تعالى، وبالمبادرة إلى التوبة، فتلك هي الصفقة الرابحة.
يقول رسول الله (ص): "إنّ الروح الأمين – يعني جبريل (ع) – نفث في روعي: أنّه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنّه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته". ومعنى نَفَثَ في روعي: أي ألقى في قلبي وألهمني.
7- إفساد المرأة المرأة على زوجها لتُطلق فتتزوج بغيره:
قال رسول الله (ص): "ليس منا من خَبّبَ امرأة على زوجها" رواه أبو داود وأحمد. وخَبّبَ، يعني أفسد وخدع. ويكون ذلك بإفساد العلاقة بين المرأة وزوجها، أو تحسين الطلاق لها من قبل امرأة أو من قبل رجل ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو لغير ذلك من الأمور، فهذا من الكبائر، وقد نهى الشرع أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، فكيف بمن يفسد امرأته؟ فتلك إذن صفقة خاسرة.
* وأما الصفقة الرابحة ففي قوله عزّ وجلّ في (سورة النساء الآية 114): (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَات اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
8- ظلم الضعفاء والمساكين، ومن لا ناصر لهم من الناس:
قد يظلم الإنسان عاملاً أو خادماً أو يتيماً أو زوجة أو أرملة أو مسكيناً في نفسه أو ماله أو غير ذلك، اعتماداً على عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ورد الظلم عنهم. والظلم على أي وجه محرم، وأقبح أنواعه ظلم من ليس له ناصر إلا الله، ومن لا يجد حيلة إلا أن يفوض أمره في من ظلمه إلى الله.
ومن الثلاثة الذين يتولى الله سبحانه وتعالى مخاصمتهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموهم "رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه". ويقول رسول الله (ص): "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفَه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة". فكيف بالأجير والعامل المسلم؟ والمعاهد: هو الذمي من أهل الكتاب، والمستأمن في بلاد المسلمين. فقد أخطأ إذن من غره ضعف الضعفاء، وعرض نفسه لسهام دعواتهم، واستعدى على نفسه رب العالمين بظلمهم، وتلك صفقات خاسرة.
* وأما الصفقة الرابحة ففي توفيتهم حقهم، والتماس صالح دعواتهم، ونصرة الله وعونه بإكرامهم.
فهذه بعض الصفقات الخاسرة وما يقابلها من الرابحة، تنبيهاً وتذكيراً لأنفسنا ولإخواننا، فنسأل الله أن يُجنّبنا الخسرانَ، وأن نكون من الرابحين في الدنيا والآخرة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق