• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإنسان خليفة الله

الإنسان خليفة الله
◄1-    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة/ 30-33). 2-    (.. إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ...) (الأعراف/ 69). 3-    (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ...) (فاطر/ 39). 4-    (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ...) (ص/ 26). 5-    (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). شرّف الله سبحانه وتعالى الإنسان بالخلافة على الأرض، وبذلك ميَّز الإنسان على بقية المخلوقات واستحق أن تسجد له الملائكة، وتطيعه وتخدمه كل العناصر التكوينية في الكون. والخلافة الإلهية للإنسان ليست مقتصرة على نبيّ الله آدم (ع)، بل كل النوع البشري دون تمييز مبني على أساس اللون أو العرق أو الوضع الاجتماعي. ونستوحي من الآيات المذكورة في الأعلى إكبار الله للدور المناط بالمجتمع البشري في تسلم الأمانة وحمل الرسالة وتطبيق الحاكمية المطلقة للحق تعالى. فلو تأمل المرء في عظمة الدور المناط به وحجم الأمانة لاستنفذ كل الجهود في سبيل احترام الدور وحمل الأمانة. تصور لو أقدم أكبر تاجر في العالم صاحب الأملاك المنتشرة في كل أنحاء العالم على اختيارك تحديداً لتحمُّل مسؤولية أملاكه في ظل غياب حاجته لك؟ وفي ظل هدفه لتنمية مواهبك وقدراتك وإكبار دورك في الأرض. كيف ستتعامل معه يا ترى؟ وكم يتكرم هو عليك بهذا الدور؟ فما بالك بالله سبحانه صاحب القدرة المطلقة والإرادة المطلقة والغني الكليّ عن كل شيء. فالمجتمع المؤمن والحزب الإلهي قد جعله الله الشاهد والمستخلف في الأرض وكان آدم أول من حظي بهذا الدور الإلهي العظيم فخرَّت له الملائكة سجدا. فالحزب المكلَّف بهذه الخلافة مكلف بالعموم بما يلي:   1-    رعاية الكون وكل المقدَّرات الأرضية: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ...) (البقرة/ 29). (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ...) (الأنعام/ 165). (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) (الأعراف/ 10). (أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف/ 129). (.. أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/ 105).   2-    السعي لبناء الإنسان الكامل: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 162).   3-    السير بالمجتمع البشري نحو الكمال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الأنفال/ 1-3).   4-    إقامة العدل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد/ 25).   5-    تسخير الأرض لحاكمية الله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ...) (النساء/ 105). (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ...) (الأنعام/ 57).   6-    دعوة الناس لمعرفة الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) (الأحزاب/ 45-46). (.. يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...) (البقرة/ 257)، وهذه تعبيرات صريحة في دعوة الناس للتعرف على الله.   7-    هداية الناس لعبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56). (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/ 79). (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 162). فالخلافة الإلهية هي أنّ الله سبحانه وتعالى أناب لحزبه الحكم وقيادة الأُمم وإعمار الأرض واصلاح المجتمع وتطبيق العدالة في توزيع ثروات الشعوب ورعاية كل مشاريع النمو والإزدهار وسداء السلام العالمي واستئصال ومحق جذور الظلم والشر والإرهاب.   أصول المشروع الخلافي في الأرض: 1-    إنتماء الحزب (اعني الكتل البشرية) إلى مصدر واحد في الحكم والعبادة وهو الله سبحانه وتعالى والإعراض عن الانتماءات الأخرى المبنية على اللغة والحدود الجغرافية والإنتماءات القبلية والعرقية والمصالح الشخصية، وفي ذلك تجسيد حقيقي لوحدانية الله وتطبيق حركي لكلمة أشهد أن لا إله إلا الله. 2-    إقامة المجتمع الرباني وصياغة العلاقات على أساس العبودية الحقة لله وتحرير الإنسان من عبادة الطواغيت (.. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى...) (البقرة/ 256). 3-    تفعيل المساواة والأخوة الإيمانية بين كل أبناء المجتمع الواحد، بعد إزالة صور الظلم والاضطهاد والاستغلال والتسويف، بما انّ الله وحده لا شريك له هو الحاكم وله مقام السيادة على الأرض بما فيها. وهذا يلغي صور التمييز بين أبناء الأُمّة الواحدة والمساواة في توزيع الحقوق ويؤصّل التسابق للخيرات، فالتمييز في المجتمع الإيماني لا يكون على لون أو شكل أو ملبس أو جاه أو نفود أو سلطان، إنما يكون مبني على العمل الصالح والتمييز والإبداع في خدمة المشروع الإلهي. 4-    بعث الهمم وتأجيج الإرادات، وتحفيز المجتمع الرباني لخدمة المشروع، فالمشروع الإلهي المقدس أمانة في أعناق المستخلفين، ولذا يفترض التفاعل المسؤول مع المشروع والإحساس بالتكليف الإلهي المناط بالأُمّة فمن دون إدراك حجم المسؤولية لا يمكن للفرد والأُمة التحرك بمسؤولية واعية نافذة لخدمة المشروع وتحمل العناء لتطبيقه على الأرض.   التخلص من الصور الذهنية السلبية: العراقيل والقيود والموانع قد تعطل الفرد الإلهي في سعيه لتحمل مسؤولية تطبيق المشروع، إلا انّ العراقيل في الغالب تكون مبنية على تصورات سلبية واستنتاجات وهمية تشل حركة المؤمن لإعمار الأرض واصلاحها. وهذه القيود الذهنية تجمِّد الطاقات الإيمانية وتهدر إمكانات الإنسان الفعلية وتحول، وتربي الأُمّة على حالات الكسل والخمود والدعة. لذا ينبغي للسالك أن يطرد من ذهنه تلك الأوهام ويعيش طموحاً عالية وإيماناً بالمدد الغيبي المستنزل من السماء في قلوب أوليائه ليهبهم السكينة والطمأنينة والشجاعة ويسلم بأنّ الغلبة والنصر من عند الله، وليس خاضعاً فقط للحسابات المرئية والتحليلية للمواقع السياسية والاجتماعية والثقافية في الأُمّة، عليه أن يؤمن بأنّ النصر حليفه والقدرة من مولاه والغلبة لأُمّته (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (آل عمران/ 126).►  

المصدر: كتاب التحفيز الإيماني

ارسال التعليق

Top