يقوم الدكتور البريطاني (غاي ميدوز) مؤسس مدرسة النوم: "إنّ النوم الجيِّد لا يتطلب عمل شيء سوى وضع الرأس على الوسادة، بينما يؤدي التركيز على التخلص من الأرق إلى أن يبقى طالب النوم عالقاً في أرقه".
يتضح ذلك في إجابة شخص ينام جيِّداً عن سؤال: "ما الذي تفعله حتى تنام؟" يقول فيها: "لا شيء سوى وضع رأسي على الوسادة". وربّما يضيف على ذلك بأنّه حتى إذا استيقظ في منتصف الليل ليشرب ماء أو ليذهب إلى الحمام يعود للنوم دونما تفكير.
وفي المقابل، يسرد المصاب بالأرق قائمة طويلة لطقوس وممارسات قبل النوم، كالابتعاد عن تناول الكافيين، وأخذ حمام دافئ، وشرب كوب من شاي الأعشاب، والاستماع إلى موسيقى هادئة وممارسة تمارين استرخاء، وتمارين أخرى لغلق أبواب الوساوس والأفكار؛ ورغم ذلك، يبقى مستيقظاً وغارقاً في مشاعر من الإحباط والقلق والارتباط. وإذا يئس قبل انبلاج الصبح بقليل، جاءه النوم واستغرق فيه مستسلماً.
- علاج القبول والالتزام:
من مهمّات مدرسة النوم الأساسية تعليم المصابين بالأرق كيف لا يفعلون أي شيء من خلال برنامج يمتد لأسابيع خمسة، يتم خلالها تناول موضوعات ذات علاقة، كتعلم وقف محاولات النوم المستميتة وما يصاحبها من معاناة؛ وتعلم مراقبة الأفكار والمشاعر دون إصدار أحكام، والترحيب بالقلق وبالمخاوف، بل واللعب معها، ثمّ تقرير طريقة النوم الجيِّدة وكيفية البقاء في الفراش والتمتع بالراحة، حتى يتم في النهاية بلوغ الهدف المنشود وهو النوم بصورة طبيعية والمحافظة على ما تحقق من إنجاز.
في كتابه (كتاب النوم.. كيف تنام جيداً في كل ليلة)، ذكر ميدوز أنّ منهجية العلاج بالقبول والالتزام هي أكثر الأدوات أهمية في مدرسة النوم لكونها أداة سيكولوجية ثورية قائمة على البحث.
وتؤكّد هذه المنهجية أنّ كفاحنا أو تفاعلنا مع الألم ومع المعاناة هو ما يجعلنا أسوأ في الحقيقة. كما ترجع هذه الأداة المرونة الذهنية والانفتاح وإثارة الفضول على مكافحة الأفكار والمشاعر السلبية. وتعلمنا كيف نراقب ونتقبل ثمّ ننسى.
ويأتي ابتكار هذه الوسيلة لعلاج الأرق المزمن بعد فشل المداخل التقليدية كالعلاج السلوكي الإدراكي، الذي يركّز على التخلص من الأعراض المرتبطة بالنوم المضطرب، وتحدي الأفكار والتصدي للقلق، لأنّها غالباً ما تعود بصورة أقوى، وبتكرار أكبر، كما تستنزف الكثير من الطاقة في محاولات التخلص مما هو غير مرغوب فيه بدلاً من التركيز على المطلوب وهو النوم.
وتستند هذه الطريقة إلى ميل الإنسان الطبيعي للتخلص من الألم ومن المعاناة المرتبطة بعدم النوم، فلا أحد يرغب في الاستيقاظ طوال الليل ليعاني الإرهاق طوال النهار. وهكذا يعتبر القبول بالأمر الواقع دون مقاومة هو مفتاح العلاج، بشرط أن يفهم على نحو إيجابي بأن يختار المرء عن قصد ما يود فعله بوصفه الأنجع في حل المشكلة.
- الخروج من هوة الأرق:
جاء اعتماد طريقة القبول والالتزام في علاج الأرق، كما يؤكّد ميدوز، بعد دراسة امتدت لعام كامل شارك فيها أربعة عشر شخصاً من الإناث والذكور، في مراحل عمرية تتراوح بين الثلاثينيات والخمسينيات ممن عانوا الأرق لعشرة أعوام في المتوسط، إمّا بسبب توتر الحياة أو القلق أو العمل، وجربوا تناول أدوية، واستخدام طرق تقليدية للنوم وتعاملوا مع النوم المغناطيسي؛ ولكن من دون جدوى.
وفي ورشة عمل نظمت في يوم من أيام نهاية الأسبوع، تمّ وضع خطة نوم شخصية للمشاركين في الدراسة، وتسلم كلّ واحد كراسة عمل مدرسة النوم، ثمّ تمت متابعتهم عبر ست رسائل إلكترونية على مدار اثني عشر أسبوعاً. وجمعت بيانات من إجابات عن أسئلة استبيان طبّق قبل أسبوع من الالتحاق بالدراسة، ثمّ بعد البداية بخمسة أشهر، وعشرة أشهر، وسنة، إضافة إلى معلومات أخرى جاءت نتيجة لمسح آخر حول جوانب النظافة الشخصية المتعلقة بالنوم واختيارات أساليب الحياة، ومستويات الانتباه والقبول والعمل.
وبعد مرور عام من تجميع البيانات وتحليلاه، أكّدت النتائج انخفاض وقت الخلود إلى النوم من خمسين دقيقة إلى ربع ساعة. وتقلص وقت العودة إلى النوم من ساعة ونصف الساعة إلى خمس وعشرين دقيقة. كما ارتفع عدد ساعات النوم من أربع ساعات ونصف الساعة إلى سبع ساعات، وهو ما يُعتبر معدلاً طبيعياً.
وهكذا أصبح هدف البرنامج في أسبوعه الأوّل اكتشاف مغزى التوقف عن محاولة النوم، والتركيز في الأسبوع الثاني على العمل على كيفية تقبل الأمور التي لا يمكن تغييرها، ثمّ كيفية الترحيب بكلّ شيء يظهر في عقولنا وفي أجسادنا – في الأسبوع الثالث – وكيفية تكوين نمط نوم جديد، وكيفية عيش الأيام بكلّ ما فيها والنوم جيِّداً في كلّ ليلة في الأسبوعين الرابع والخامس.
ويساهم مثل هذا البرنامج في حل مشكلات الأرق واضطرابات النوم التي يعانيها العديد من الناس وتؤدي إلى صعوبات في التركيز وضعف الانتباه وانخفاض الإنتاجية والقلق، إضافة إلى مزاج يغلب عليه الشعور بخيبة الأمل.
ومن تعليقات تلاميذ مدرسة النوم ما يشير إلى وجود "صعوبة في رؤية طريق الخروج من هوة الأرق"، ممّا يؤكّد أنّ مدرسة النوم تساهم في تهدئة العقل ومساعدة المراجعين على التوقف عن التفكير في الأرق، وتلك هي الخطوة الأولى في التعامل مع المشكلة. ويعترف أحد التلاميذ بمساعدة المدرسة له على وضع إستراتيجية للنوم وتعلُّم تمرينات ذهنية للتعامل مع الأرق، وإن كان لا يزال يعاني بعض الشيء من "وعكات" نوم تلم به من وقت لآخر؛ ولكن في العموم يقر بأنّ ذلك أفضل من المساعدات الطبية التقليدية.
- مراكز بحوث النوم:
نتيجة لأهمية النوم وإصابة ما بين عشرة وعشرين في المائة من المجتمعين الأوروبي والأمريكي باضطرابات النوم، سعى عديد من الجامعات إلى تأسيس مراكز بحثية متخصصة لدراسته، ووضع إستراتيجيات فعّالة لتخطي اضطرابات، من بينها مركز بحوث النوم بجامعة سري البريطانية الذي أُسس في 2003م، ويقوم بدراسة موضوعات النوم من مداخل متعدّدة العلوم، حيث يوفر أجهزة ومختبرات نوم لتيسير مراقبة وتحليل أنماط النوم المختلفة.
ويجري بحوثاً متخصصة تحت عناوين متنوعة كتنظيم النوم بتكوين إيقاع يومي، وضبط ساعة الجسم البيولوجية، وأثر الضوء والإيقاع اليومي في النوم، والتقدم في العمر والنوم، وأسباب وتبعات معالجة اضطرابات الإيقاع اليومي الناتج عن تغيير مواعيد العمل أو السفر، وأثر قصور النوم على الإدراك والهضم، إضافة إلى البحث عن علاجات جديدة لمساعدة المصابين بالأرق. وعادة ما تنشر البحوث المنجزة في مجلات علمية مؤثرة وتظهر نتائجها في الصُّحف المحلية والدولية.
ويقدم المركز عبر موقعه الإلكتروني معلومات وخدمات للمهتمين بموضوعات النوم. ويجري اختبارات لكشف طبيعة الشخصية وعلاقتها بالنوم كالاختبار الذي يحدد ما إذا كان المرء نهارياً أو ليلياً، في ضوء الرد على أسئلة تتصل بأوقات الاستيقاظ ومواعيد النوم وأفضل الساعات تركيزاً. ويتبع ذلك بإرشادات حول ما ينبغي فعله أو تجنّبه من أجل نوعية نوم جيِّدة.
ومن جانب آخر، تدرس مراكز الجامعات الأمريكية المتخصصة في النوم كمركز جامعة روتشستر الطبي أسباب وتبعات وعلاج الأرق من أجل تخفيف الأعباء على الصحّة العامّة، والتقليل من أخطار الأرق والحد من تطوّره إلى أمراض أخرى، وذلك بمساعدة أساتذة متخصصين ومرضى ومتطوعين. كما يسعى مركز طب وبحوث النوم بجامعة ويسكونسن – التي تتمتع بسمعة دولية للتميز في بحوث النوم والبرامج الدراسية المتعلقة به –لإجراء بحوث أساسية وإكلينيكية في النوم، وتطوير تكنولوجيا خاصّة به، وتقديم برامج تدريب وبرامج زمالة لإعداد جيل جديد من المتخصصين في النوم ودعم مقدمي الرعاية الصحّية ومخاطبة السياسة العامّة المتعلقة بالنوم واضطراباته من أجل الدعوة إلى منع الحرمان من النوم.
أمّا جامعة ستانفورد، فطرحت عبر مركز علوم وطب النوم التابع لها عدداً من البرامج المتخصصة في النوم كبرنامج الزمالة في طب النوم، والبرنامج التدريبي المعتمد لإعداد متخصصين في تكنولوجيا النوم الذي يقدم تعليماً وتدريباً متعمقاً في طب النوم، وفي المهارات المهنية المطلوبة لتكنولوجيا النوم.
ويسعى المركز لاستحداث علاجات لاضطرابات النوم من دون عقاقير، كالعلاج بالضوء وبتكوين عادات نوم جيِّدة وسواها. أمّا اهتمام المركز بعلاج الأرق – الذي يعدّ مؤشراً قوياً للإصابة بالاكتئاب في وقت لاحق في الحياة – فيأتي من إصابة ما يزيد على 14 في المائة من الأمريكيين به.
ومن المتوقع أن يعاني ثلاثة أرباع البالغين عند نقطة ما في حياتهم نوعاً من أنواع اضطرابات النوم.
*د. أمينة التيتون
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق