• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (ع) يعلمنا مفهوم النصر الحقيقي

عمار كاظم

الإمام الحسين (ع) يعلمنا مفهوم النصر الحقيقي

علمنا الحسين أنّ المؤمنين بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقهم من أجل أوطانهم وأمتهم هم الفائزون، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...) (التوبة/ 111)، فهم فائزون بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وهذا سر نداء الحسين "هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت" لقد قام الإمام الحسين (ع) بعمل خالص لوجه الله تعالى دون أي شائبة، وأدى المهمة المطلوبة منه لامته ودينه في حدّها الأقصى، فلم يدع شيئاً قابلاً للتضحية في سبيل الله، إلا وقدّمت خالصاً لوجه الله، فكانت ثورة الحسين إنسانية الصبغة، وكانت خصوصية كربلاء أن جماعتها فتحت للأجيال طريق الخلاص من الظلم والاستبداد والتسلط، والانحراف عن دين الله القويم، فيما سيأتي بعدهم من الأيام، على مدى الزمن. ولم يكن أحد من أهل الحسين وأحبائه قد جيء به قسراً، بل كلّهم كانوا إخوة العقيدة والفكر والإيمان، وقد رفض الإمام من الأساس أن يكون بين صفوفه أي فرد يشكل نقطة ضعف، لهذا عرض على أصحابه العودة لمن أراد منهم ذلك، مرتين أو ثلاثة، ليبقي على النخبة الخالصة النقية. فالنخبة دائماً هي التي تحقق الغاية المنشودة والهدف الأسمى "هيهات من الذلّة" مهما كان العدو متغطرساً، ومهما كثر الخونة والمتآمرون، حتى في أكثر اللحظات حرجاً وضيقاً. غير أنّ الإمام الحسين (ع) على الرغم من هدفه الإصلاحي تبرز في اللحظة الحاسمة روحه الإنسانية وعطفه على رهطه من الأهل والأصحاب، فيقوم ليلة العاشر من محرم، حين ادلهم الخطب وأحاط بهم الأعداء، فيدعو الجميع بلمسة إنسانية رائعة ويقول لهم: "ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم أي حرج مني ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد الليل، وذروني وهؤلاء القوم فإنّهم لا يريدون غيري. "لكن! هيهات لهذه النخبة أن تقبل بالذلّة، فقد تعلموا أنّ المسؤولية بالغة القيمة إلى الحد الذي تتطلب التضحية بكل شيء في سبيل الله عند الضرورة، فكان الصمودُ والثباتُ المتينُ سيِّد الموقف. في يوم عاشوراء استشهد سبط رسول الله الإمام الحسين (ع)، ليكتب بالدم ضرورة التغيير حين تفسد الأمور، واستشهد أحفاد رسول الله ونكِّل بآل بيته، ونحن نحب رسول الله (ص)، ونبرأ إلى الله مما جرى لآل بيته، كلّما قرأنا في صلواتنا: "اللّهمّ صل على محمد وآل محمد". استشهد الحسين وتوالت الأحداث التي تنبَّأ بها، فلم تدم الخلافة ثلاث سنوات إلا في ظل الأزمات المتلاحقة، ثمّ انتهت حين شاءت حكمة الله، ألا يجعل في وريثها أهلية وصلاحية للخلاف، فاستقال واعتزل الحكم، ليحدث التغيير الذي ثار من أجله الحسين. سلام الله عليكم يا أبا عبدالله، وعلى آل بيتك وأصحابك.. فما زالت ثورتك الإصلاحية خالدة في قلوب المؤمنين، الذين فهموا دروس نهضتك، وعلى رأسها التضحية بكلِّ شيء في سبيل المبدأ حتى يحدث التغيير المنشود، عملاً بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الإصلاح. هذا هو درس عاشوراء ليكون الاحتفاء بالمناسبة إيجابياً: إنّه تحمّل المسؤولية والنهوض بها، لمنع ما يقوِّض كيان الأُمّة ويفرق كلمتها.

ارسال التعليق

Top