• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الزهايمر.. المرض والمريض

الزهايمر.. المرض والمريض

يختلف مرض الزهايمر عن حالة ضعف الذاكرة المعتادة في الشيخوخة حيث يتفق الجميع على أنّ تقدم السن يرتبط بالنسيان، ويقولون إنّنا حين نكبر فلا ممانع من بعض الخرف المقبول من المسنين، لكن الحالة المرضية هنا التي وصفها الطبيب الألماني الزهايمر (1864-1915) وذكرت تفصيلها في عام 1905 هي تدهور عقلي وسلوكي عام وليس فقط النسيان أو اضطراب الذاكرة.

وهي نوع من الحالات النفسية والعصبية يشبه إلى حد كبير حالات التخلف العقلي في الأطفال حيث أنّ القوى العقلية بصفة عامة تقل كثيراً عن المتوقع في مثل هذا السن، ونحن عادة ما نقوم بتشبيه المتخلف عقلياً بشخص لديه فقر شديد (في قدراته العقلية) لكنه فقير من البداية ولم يكن غنياً في أي وقت أما حالات العتة Dementia التي يعتبر مرض الزهايمر واحداً منها فإنّها تتمثل في شخص غني فقد ما لديه وأصبح فقيراً (من الناحية العقلية طبعاً).. هذا عن المرض فماذا عن المرضى!؟

تشير الإحصائيات إلى أنّ 18-20 مليون شخص في العالم يعانون من مرض الزهايمر، منهم نسبة كبيرة في الدول المتقدمة ونسبة أقل في الدول النامية ويصيب المرض 5% ممن فوق سن 60 سنة ويطلق عليهم صغار وكبار المسنين، أما الطاعنون في السن ممن تزيد أعمارهم عن 85 سنة فإنّ نسبة الإصابة تتزايد لتصل إلى 20% أو تزيد تالي النصف (أي 2 إلى 5 من كلّ 10)، وإذا علمنا أنّ نسبة المسنين في الدول المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة تتراوح بين 15-22%، وفي الدول النامية بين 5-12% فإنّ عشرات الملايين من المتقدمين في السن يحتمل إصابتهم بهذا المرض.

 

حقيقة مرض الزهايمر:

كشف الطب الكثير من أسرار وخفايا هذا المرض، فالمشكلة الرئيسية هي فقدان خلايا المخ العصبية بالضمور مما يؤدي إلى قصور في الوظائف التي تقوم بها وأولها العمليات العقلية، ويظهر ذلك في الغالب تدريجياً بالنسيان وضعف الذاكرة خصوصاً بالنسبة للأحداث القريبة Recent memory دون تأثر الذاكرة البعيدة Remote Memory مع إمكانية تذكر تفاصيل من الماضي البعيد منذ أيّام الطفولة والصبا ويتطور الأمر إلى تدهور أكبر في الذاكرة حيث ينسى المريض أسماء الأقارب والأهل حتى الزوجة والأبناء الذين يعيشون معه، ولا يستطيع الاهتمام بنفسه أو ارتداء ملابسه، وينسى أنّه تناول الطعام فيطلبه مرة أخرى، ولا يعرف الأوقات فيطلب الخروج بعد منتصف الليل ولا يذكر أيام الأسبوع وشهور وفصول السنة، ويحاول في البداية التغلب على ضعف الذاكرة بوضع الأشياء بترتيب محدد فإذا انتقل أي شيء من مكانه أحس بارتباك وتوتر شديد.

ويبدأ الزهايمر بإصابة المريض بفقدان غامض للذاكرة ويتطور سريعاً ويفقد المصابون بالزهايمر القدرة على التعرف على الأماكن أو من يحبونهم ولا يستطيعون الاهتمام بأنفسهم.

كما أنّ المرض يستمر بين ثمانية إلى عشر سنوات، بالرغم من أنّ بعض المصابين به قد يموتون في مرحلة مبكرة أو قد يعيشون لفترة 20 عاماً.

ويمكن للعلاج أن يساعد على إبطاء تطور الزهايمر ولكن لا يمكن الشفاء من المرض ويُكتشف المرض بوجود رقع Plaques وكتل Tangles حول وداخل خلايا المخ. وتتكون الرقع من نوع من البروتين الموجود بالمخ بينما تتكون الكتل داخل الخلايا العصبية بفعل تشوه يصيب بروتينا آخر، وبموت الخلايا العصبية يتقلص المخ ويفقد مظهره المتجعد.

ومن حالات العتة أو الخرف التي تحدث في الشيخوخة وفي صغار السن أيضاً ما يشبه مرض الزهايمر، ولكن لأسباب يمكن التعرف عليها بفحص المريض مثل تصلب الشرايين وأمراض المخ والأعصاب والأمراض المزمنة وتعاطي المخدرات والكحوليات، وبعض هذه الحالات قابلة للعلاج إذا تم التعامل مع أسبابها فيختلف ذلك عن مرض الزهايمر الذي لا يستجيب للعلاج وتستمر حالة المريض إلى التدهور بمرور الوقت.

ويمثل مرض الزهايمر مشكلة كبرى في الدول المتقدمة، ويستحوز على اهتمام الجهات الصحية والخدمات النفسية والاجتماعية، ومع تزايد أعداد المسنين فإنّ دور رعاية المسنين لا تستوعب سوى 4% منهم فقط بينما يبقى 96% في منازلهم ونسبة كبيرة منهم لا توفر من يقوم برعايتهم ويعيشون بمفردهم، ومن هنا بدأ التفكير في تقديم خدمات للمسنين في أماكنهم تشمل الرعاية الصحية بواسطة زائرين يقومون بالمرور عليهم في منازلهم وعربات تحمل لهم الطعام، لكن كلّ ذلك ممكن في حالة المسن الذي يعيش الشيخوخة العادية، أما عند الإصابة بمرض الزهايمر فإنّ هذه الخدمات لا تكون كافية حيث انّ التدهور العقلي يجعل المريض يرتكب أفعالاً غريبة وأحياناً يكتشف ذلك الجيران حين يبدأ في مهاجمتهم، أو يترك المنزل ولا يعرف كيف يعود إليه مرة أخرى، أو يتوهم انّ أشخاصاً يتكلّمون معه أو يخططون للاعتداء عليه، وكلّ هذه التوهمات والأفعال بتأثير حالة المرض على العقل. ويؤدي وضع هؤلاء المرضى في دور المسنين إلى تدهور سريع في حالتهم والحل الأمثل هو علاجهم ورعايتهم في أماكنهم مع أقاربهم، ولعل ذلك يقودنا إلى العودة إلى المنظور الإسلامي رعاية المسنين، والتوصية التي تكررت في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبويّة بضرورة رعاية الأبناء للآباء في الكبر، ويمثل ذلك الوقاية والعلاج لمشكلات الشيخوخة التي تزايدت بصورة حادة في العصر الحديث الذي ينفصل فيه الأبناء ويتركون الآباء والأجداد لمواجهة الحياة بمفردهم في الشيخوخة.

وقد تركزت الأبحاث حول محاولات التوصل إلى أسباب الإصابة بمرض الزهايمر والتدهور العقلي الذي يحدث نتيجة لذلك وتشير الدلائل إلى تغييرات في بعض المواد الحيوية التي يتم إفرازها في مراكز الجهاز العصبي ويتطلب أداء الأنشطة والوظائف العقلية المعتادة أن يظل إنتاج هذه المواد مستمراً لمنع الاختلال في الوظائف العقلية مثل الذاكرة، والتفكير، والسلوك، ودورة النوم واليقظة، ومن هذه المواد تم اكتشاف تأثير الاستيل كولين Acetyl Choline وهو من الناقلات العصبية التي يرتبط نقص مستوياتها في مراكز المخ العليا بأعراض الخرف والتعة الذي يحدث في الشيخوخة وبمرض الزهايمر، ومن هنا فقد أمكن التوصل إلى بعض العقاقير التي تزيد فعالية هذه المادة وتسبب وقف تدهور الحالة إذا استخدمت مبكراً في حالات مرض الزهايمر.

 

      الكاتب: د. لطفي الشربيني

المصدر: كتاب الزهايمر/ مرض (أرذل العمر)

ارسال التعليق

Top