قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10)، (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (القصص/ 54).
الصبر هو أم الفضائل، وأصل مكارم الأخلاق، ومنه تتفرع المحامد.
وردت مادة صبر في القرآن في مائة موضع، ولم ترد فضيلة أخرى مثل ما ورد الصبر في الكتاب المجيد، قال رسول الله (ص): "الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فمن لا صبر له لا إيمان له". "وما من طاعة إلا وأجرها بحساب إلا الصبر"، ولأجل كون الصوم من الصبر قال تعالى: (الصوم لي وأنا أجزي به).
والله وعد الصابرين أنّه معهم (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46).
وعلق النصرة على الصبر: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران/ 125).
وجمع للصابرين أموراً لم يجمعها لغيرهم فقال: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 157).
وقال الإمام الصادق (ع): "إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبر مطل عليه، ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه المكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه".
والصبر نوعان..
أحدهما بدني، مثل تحمل المشاق بالبدن كالجهاد والقيام بالأعمال الشاقة، وقيام الليل، والصيام.
والثاني نفسي، وهو الصبر على الشهوة والهوى والميول النفسية.
وضد الصبر هو الجزع والهلع والتذمر والشكوى، وقد يخرج عن ذلك.
وللصبر أسماء كل حسب نوع الحالة التي عليها الإنسان، فالغني الذي يصبر على النعمة ولا يسرف فيها حسب مشتهياته أو يمنع حقها يسمى المقتصد، وعكسه البَطِر.
والصبر في الحرب نسميه شجاعة وعكسه الجبن.
وفي كظم الغيظ نسميه حلماً، ويضاده التذمر.
وإن كان في مصائب الحياة وشدائدها سمي الاحتساب والاحتمال، وضده الجزع والبرم.
وإن كان في إخفاء السر سمي كتماناً، وضده الاذاعة.
وإن كان في فضول العيش سمي زهداً، ويضاده الحرص.
وإن كان على قلة ذات اليد سمي قناعة، ويضاده الشَره والإنسان يحتاج الصبر في كل ألوان حياته، ولا يستغني عنه في كل الأحوال، يحتاجه عند الطاعة، ويحتاجه عند المعصية، ويحتاجه عند المصيبة.
احتياجه في الطاعة: الإنسان يحتاج إلى الصبر حال الطاعة لأنّ النفس بطبعها تنفر من العبودية، ولا تريد الالتزام بما تؤمر به، ومن هذه الطاعات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل كالخمس والزكاة، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.
ويحتاج الإنسان في الصبر على الطاعة إلى ثلاثة أشياء:
1- قبل الطاعة وذلك بتصحيح النية، والإخلاص فيها، وترك الرياء، وهو النفس، وهذا صعب جدّاً.
2- الصبر حال العمل بأن لا يغفل عن الله في أثناء عمله.
3- الصبر بعد الفراغ من العمل وذلك بعدم افشائه والتفاخر به مما يدعو إلى الرياء والعُجب، وهما يفسدان العمل.
- الصبر على المعصية:
للنفس نزعاتها ولذاتها ومحركاتها، وقد ترمي صاحبها في المهلكات، وتدفعه إلى الظلم والتجاوز والاستحواذ، أو تحرك لسانه بالسب، أو الغيبة، أو السخرية، والاستهزاء بالآخرين، وشتم أعراضهم، وتسقيطهم بغية التلذذ أو التشفي، ولا علاج لهذه النزعات إلا الصبر والتوقف دون حدود الله، وأوامر الشريعة، وهذا هو حقيقة الورع. قال تعالى: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا) (إبراهيم/ 12)، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (المزمل/ 10)، وقال النبي "صِل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عن ظلمك".
وقال (ص): "من صبر عن معصية الله فهو كالمجاهد في سبيل الله".
الصبر على المصائب: كموت الأحبة، والمرض والفقر، قال الرسول (ص) في دعائه: "أسألك من اليقين ما يهون عليّ مصائب الدنيا".
وجاء في الحديث القدسي: "إذا وجهت على عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثمّ استقبل ذلك بصبر استحييت أن أنصب له ميزاناً، أو أنشر له ديواناً".
ارسال التعليق