• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الشات» بين الشبان والفتيات

د. عليّ بن حمزة العُمري*

«الشات» بين الشبان والفتيات

◄لأوّل مرة في حياتي أحارُ في موضوع شبابي!.

فأنا – والحمد لله – على خبرة بواقع الشباب، منذ عقدين من الزمان، وكتبت عدة كتب عنهم، وفتحت مجلة شبابية (الفتيان) قبل عشر سنين، من عمر هذا الموضوع!، ومع ذلك أجد نفسي حائراً اليوم أمام هذا الموضوع، والسبب ليس في صعوبة معرفته أو ممارسته!، بل السبب في تطور أحداثه خاصة أنّه موضوع جديد نوعاً ما.

(والشات) يعتمد على طريقة الدردشة أو (الفضفضة) غالباً، إن لم يكن كليّاً، إذا تحدثنا بلغة الشباب وواقعهم.

وهو في فكرته جميل ولطيف، ويُعتبَر أحد أهم الوسائل المختصرة في لغة التفاهم والتعاون، على جميع الاصعدة.

وهو – فوق هذا – يفسح للنفس آفاقاً واسعة للخيال الخصب، والتعبير الصادق؛ الذي يمليه الضمير، لا ذاك التعبير المقرر في المدارس!.

ولسهولة التعامل معه، قرَّب البعيد، وسهَّل السبيل للمرغب فيه والممنوع.

والحديث عن تطور الخطاب في (الشات) صار موضة قديمة، لا يسأل عنها الشباب غالباً، طالما لا تتعارض مع ميولهم وأذواقهم، واهتماماتهم وقيمهم.

إلا أنّه _وللأسف – استجدَّ أمر في (الشات)، خرج عن حدود اللياقة، والأعراف، فضلاً عن القيم الإسلامية.

ودعوني أركّز على أمر مهم، أبدأ قبل ذكره بالتأكيد على أن لغة (الشات) من طبيعتها السهولة والخفة والتجديد، وبعض الخصوصية، والتخفيف عن النفس، وإذا أدركنا هذا الأمر فلنتجه للقضية التي تجعلنا بحاجة إلى استعادة فهمنا للقيم، وكيفية تطبيق مضامينها، وهي:

 

(الشات) بين الشباب والبنات:

إنّ النفس السوية غالباً ما تراعي المداخل الشيطانية، وتضع الأطر الصحيحة؛ التي تجعل صاحبها غير متناقض في الحياة، أو مختبئاً وراء الجدران!.

والحوار في (الشات) بين الشباب والبنات في قضية مفتوحة عامة، يطلع عليها الجميع، وفي حدود الأدب وأخلاق الكتابة، أمر مستساغ، ولربما يكون محموداً في الموضوعات التي تهمهم، وخاصة الحديثة منها، وبالأخص مع إمكانية وجود الأسماء غير الحقيقية.

أما (الشات) بين الشباب والبنات، أو بين الشاب والبنت، وإن كانا طيبين أو متدينين، أو محافظين، أو...، كالحديث عن الهموم الدراسية بين الطرفين، أو بعض المشكلات المؤرقة لأحدهما، أو الحوار في قضايا تطويرية مشتركة لهما، فإني وجدت من خلال التتبع والجلسات الخاصة مع الكثير، أنها بالتحليل منذ بداية الحديث إلى نهايته لا تخلو من مداعبات لطيفة، وأسئلة رشيقة، عن الصحة وحال الأمس واليوم وبرنامج الغد، وأحياناً ما يُصاب به أحدهما من هَمٍّ أو مرض، يؤدي غالباً إلى الانشغال به، والسؤال عنه، والمعاهدة على الطمأنة عن الأحوال!!.

إنّ هذه الأساليب تفتح باباً لا مبرر له، من الصداقة غير السليمة، تحت غطاء العلاقة في العمل أو المشروع أو الفكرة!!.

وقطعاً أنا لا أتحدث عن الموضوعات التي خرجت عن هذه الأطر، وصارت – وللأسف – سميرة الأيام والليالي، ورسائل الجوال الخاصة!!!

إنّ صاحب المروءة يرحم نفسه وما حوله، وكون كلا الطرفين راضيين بنوعية العلاقة؛ التي لم تخرج في تقديرهما إلى كلام سيئ، أو طلب مخل، مع وجود برنامج مشترك بينهما، لا يعني التبرير لهذه التصرفات؛ التي تشغل الفكر والعقل.

وأحياناً أتساءل في نفسي: ما الفرق بين الحديث عبر الهاتف والحديث عبر الشات، إذا  كان الكلام قد بدأ بالصحة والحال، وأخبار الأهل والأقارب، وما حصل في الدراسة ومع الأصدقاء، وما انتاب الطرفين من هموم اليوم وأشغاله...؟!

ثمّ أتساءل ببراءة: لو أنّ هذا الشاب رأى أخته تتصرف بمثل هذه الطريقة مع صاحبه، أو أي شاب آخر، ما الذي سيجري؟!

إنّ التجارب التي أعرفها تجعلني أعيش حائراً من كيفية هبوط الوعي لدينا.

إنّ (الشات) بين الشاب والبنت، يصعب ضبطه أو تحديد أطره، وسبب الصعوبة أنّه الحديث بين البنت والشاب!!.

ومرّة أخرى أؤكد: أنّ الحديث بين الطرفين – الشاب والبنت – عبر (الشات) في موضوع مفتوح، يطلع عليه الجميع، بضوابط الكلمة الطيبة، وفي الموضوع المناسب، له مبرره، بل مطلبه الملح أحياناً.

ويكون الحديث بينهما منطقياً، وإن تخلله لفظ عفوي لطيف عابر متوقع، في موضوع محدد، وبين الطرفين خيط واضح، وموضوع مشترك، لا يخفى على القريب أو البعيد.

وحتى ألخص الموضوع الواسع الذي حيرني في سطر أقول:

يوم يَحرص كلّ من الطرفين على إخفاء ولو كلمة واحدة من المكتوب في الشات – فضلاً عن المُرسَل عبر الإيميل أو رسائل الجوال – عن أي أحد، فحينها القلب يكتب لا العقل!!!.

 

*رئيس منظمة فور شباب العالمية

 

المصدر: كتاب قلبي يحدثكم

ارسال التعليق

Top