• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مرحلة المراهقة ومشكلاتها

مرحلة المراهقة ومشكلاتها
◄تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن فترات حياته المختلفة التي تتسم بتقليد الآخرين والتجدد الجسمي المستمر وتكمن الخطورة في هذه المرحلة التي ينتقل بها الإنسان من الطفولة إلى البلوغ بالتغييرات في مظاهر نمو الجسم المختلفة منها (الجسمية، الفسيولوجية، العقلية، الاجتماعية، والانفعالية، الدينية، الخلقية) وغيرها والتي يتعرض فيها المراهق إلى صراعات داخلية متعددة ومتناقضة في ذات الوقت.

 

ما هو مفهوم المراهقة؟

المراهقة في مفهوم العلم النفسي الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والاجتماعي لكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد ما يقارب 10 سنوات والمراهقة تشير إلى التدرج في النضوج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ولذلك يعتبر البلوغ أحد جوانب المراهقة لكنه يسبقها من الناحية الزمنية وهو أوّل دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة والطفل ينتقل تدريجياً من مرحلة إلى أخرى ويتخذ هذا الإنتقال تغييراً في الجسم والعقل والمشاعر ويكون نمو المراهق متفجراً في عقله وفكره وجسده وانفعالاته.

وتختلف المدة الزمنية لفترة المراهقة من مجتمع لآخر، ففي بعض المجتمعات نراها قصيرة وفي البعض الآخر نراها طويلة، لذلك قسمها علماء النفس إلى ثلاث مراحل.

1-    مرحلة المراهقة الأولى تبدأ من (11-14) عاماً وتتميز بتغييرات جسدية سريعة.

2-    مرحلة المراهقة المتوسطة وهي من (14-18) عاماً وتعتبر هذه مرحلة اكتمال التغييرات البيولوجية.

3-    والمرحلة المتأخرة تكون من (18-21) عاماً إذ يصبح المراهق إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات. ويقول الدكتور عبدالرحمن العيسوي: إنّ المراهقة تختلف من شخص لآخر ومن بيئة جغرافية لأخرى وكذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى وسطها المراهق، ففي المجتمع البدائي تختلف عن المجتمع المتحضر وكذلك تختلف في المجتمع الريفي عنها في المدينة، والمراهقة مشاكلها كثيرة بالنسبة للمجتمع العربي والإسلامي فقد ينشأ صراع داخلي لدى المراهق يكون سببه التغييرات الجسدية التي تطرأ عليه فنراه جسدياً يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه قد تسبب له قلقاً وإرباكاً  كبيراً وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل وتؤدي سرعة النمو هذه إلى جعل المهارات الحركية لدى المراهق غير دقيقة وقد يشعر المراهق بحالات من اليأس والحزن لا يعرف لها سبباً، فمن الناحية النفسية نراه يبدأ بالتحرر من سلطة والديه ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس والمسؤولية الاجتماعية وهو في الوقت ذاته لا يستطيع الابتعاد عن والديه لأنهما مصدر الطمأنينة والأمن ومنبع الجانب المادي لديه وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرر والحاجة إلى الاعتماد على الوالدين وعدم فهم الأهل لطبيعة المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق وهذه التغييرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، فإذا تصرف كطفل سخر منه الكبار وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها.

قد يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية، فقد يكون صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وبين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراعات بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بأفكاره وأفكار الجيل السابق (جيل والديه) فهو يشكو من والديه أنهما لا يفهمانه ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل لأنّه يحسبها سلطة فوقية، لا توجيه أو إرشاد، إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.

وإن كثيراً من تصرفات المراهق هو ما يريد أن يعلنه على الآخرين، إنّه لم يعد طفلا وإن له شخصية قوية والتي يستطيع أن يستغني بها عن والديه، كما يغلب على المراهق استخدام الألوان الزاهية في الملابس والجري وراء الموضات الحديثة وقد يبالغ المراهق في لفت الأنظار إليه في إطلاق لحيته والتدخين واللجوء إلى التصرفات الغريبة وكذلك قيادة السيارات بجنون.

 

نظرة الإسلام للمراهقة:

تأتي المراهقة من اتجاهات ومؤثرات كثيرة منها الصحف والمجلات الاباحية والانترنت والقنوات الفضائية الفاضحة والأفلام السيئة وكثرة تداولها بين المراهقين ونرى في الفترة الأخيرة كثرة المسلسلات المدبلجة وتأثيرها السيء على أخلاق المراهقين، كما أنّ الاختلاط بين الذكور والإناث في الكليات والمعاهد أدى إلى وجود علاقات محرمة ولا يسمح بها الدين الإسلامي. وإذا تدخلت المجتمعات ومنعت كلّ هذه المؤثرات من الوصول إلى المراهقين إتهمت بأنها مجتمعات متخلفة ورجعية وضد التطور والتقدم. وإذا تركتها سيكثر الفساد في المجتمع ولن تستطيع السيطرة على أبنائها إلى درجة كبيرة..

لقد اهتم الإسلام بالشخص المراهق اهتماماً كبيراً لأنّه جزء مهم في المجتمع ويجب أن لا يهمل وقد اهتم الإسلام بالصحة النفسية والبدنية والروحية والذهنية واعتبرها من أهم مقومات التعاون والتكافل والتراحم لأنها من الأمور التي تجعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً قوياً، وقد أكّد الإسلام على الطاعة بمعنى طاعة الله ورسوله وطاعة الوالدين وتمثل هذا في الآية الكريمة من سورة لقمان، بسم الله الرحمن الرحيم (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13)، وأيضاً الاقتداء بالصالحين وعلى رأسهم النبيّ (ص) إذ يجب الاقتداء به واتباع سنته ومنهجه. وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21)، وكذلك اعتبر الإسلام أن إحدى أهم هذه المقومات التعاون والتكافل والتراحم وصلة الأرحام في فترة المراهقة يجعل الفرد في خدمة المجتمع الذي هو جزء منه، وإنّ المراهق يحتاج إلى من يتفهم حالته النفسية واحتياجاته لذا فهو بحاجة دائماً إلى الصديق الذي يكون قريباً منه دائماً ويجيب على كلّ تساؤلاته بصراحة ودون غموض. وقد حث الإسلام الوالدين في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها ابنهم أو ابنتهم أن يكونا على وعي تام لهذه المرحلة وعلى استعداد لكل الأسئلة التي توجه إليهما وإجابتها بأسلوب الحوار العائلي والذي يشعر به المراهق باحترام استقلاليته وتفكيره والتعامل معه كشخص كبير وله دوره المهم في الأسرة والمجتمع.►

ارسال التعليق

Top