◄كان هناك رجل يريد التخلص من ظله.. يقول: إنّ هذا الظل أزعجني، ثمّ أخذ يجري بأقصى سرعة.. يجري ويجري لعله يبتعد عن ظله لكن دون فائدة، فما كان منه إلا أن أخذ عصا كبيرة وبدأ يعارك الظل، ويحاول أن يضربه لعل الظل يخاف فيهرب منه.. ولكن أيضاً دون فائدة، وبقي الظل معه، وهكذا بقيت حياة الرجل طوال ستين عاماً! كلما جاء الظل في النهار بدأ يهرب منه ثمّ بدأ يعاركه دون فائدة..
ما رأيك في هذا الرجل؟ مجنون؟ غبي؟ متخلف؟
ما بالنا نقلد هذا الرجل يومياً في حياتنا في تعاملنا مع المشاكل؟ لاحظوا.. عندما تعترض حياة أحدنا مشكلة فإما أنه يحاول الهرب والابتعاد سواء بالهروب من المكان أو بالهروب الفكري، بأن نتجه للتدخين أو المخدرات أو الكحول أو الجنس في محاولة منا للهروب من المشكلة.. ولكن سرعان ما نكتشف أننا رغم الهروب فالمشكلة ما زالت موجودة (ورانا ورانا!!)، وأحياناً نحاول معاركة المشكلة ومحاربتها بالعنف والصراخ والغضب.. فنكتشف بعد مدة أننا لم نعالج شيئاً!
ما رأيك فينا؟ هل نحن مجانين؟ أغبياء؟ متخلفون؟ أم أننا جاهلون لهذه الحقيقة اليومية في حياتنا؟
نعود للرجل صاحب الظل لنعرض عليه حلولاً أخرى غير الهروب أو العراك! أقترح عليك يا صاحب الظل أحد الأمور الآتية:
1- ألّا تقاوم الظل وأن تنتظر حتى يأتي المساء فيذهب لوحده دون جهد منك!! وهكذا الكثير من المشاكل إذا تركناها (لم نهرب منها ولكن تركناها فقط) قد تحل مع مرور الوقت!!
2- أن تنظر للظل على أنّه طبيعة في الحياة وأنّه ليس مشكلة في حد ذاته!! وبالتالي إذا غيرت نظرتك له زالت المشكلة!! وهكذا الكثير من الأمور في حياتنا هي مشاكل لأننا نحن جعلناها مشاكل، ولكنها في الحقيقة جزء من الحياة وليس مشكلة! تعامل بعض الناس لك بشكل سيء ليس مشكلة في حد ذاته ولكنه طبيعة في هذه الدنيا، لن تنتهي، فلماذا لا تحاول أن تنظر له على أنّه طبيعة في الحياة، وليس مشكلة، فتتقبله كما هو فتزول المشكلة!
3- أن تنظر للظل ليس على أنّه طبيعة في الحياة فحسب، ولكن على أن فيه فائدة لك!! فظل الشجرة يفيدك في الحر وظل العمارة قد يظل سيارتك فيقيها من الحر!! وهكذا الكثير مما يظهر لنا أنها مشاكل في حياتنا، هي في الحقيقة نِعَمٌ من الله علينا في ظل المنظومة الكبرى في الحياة! فلولا سيء الخلق لما أتيحت لك الفرصة أن تمارس الصبر والحلم؛ فتكسب الأجر من الله بغير حساب (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) فمن دون مشاكل لا يوجد صبر ودون صبر لا يوجد أجر! أرأيت كيف أنها منظومة بديعة ابتدعها الله لنا وهي كاملة على وضعها الحالي، وأي تغيير فيها ينقص من كمالها!! فالذي تراه أنت نقص، هو في الحقيقة كمال، ضمن الرؤية الكبرى للحياة..
يا صاحب الظل أحمد الله على الظل، ويا صاحب المصيبة أحمد الله على المصيبة، ويا صاحب المشكلة أحمد الله على المشكلة، فالظل والمصيبة والمشكلة من نعم الله لمن كان له قلب يدرك به حقائق الأمور..►
المصدر: كتاب خواطر/ 2
ارسال التعليق