• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بعض المبادئ الاتصالية

بعض المبادئ الاتصالية
 ◄على الرغم من أنّ الناس تتواصل فيما بينها بشكل يكاد يكون بديهياً، ويسيراً، إلّا أنّ عملية التواصل بحد ذاتها عملية معقدة، وفيها الكثير من المتغيرات والعوامل، التي تجعل من الاتصال الإنساني نشاطاً فيه الكثير من التحديات، تستلزم منا المزيد من التعمق أكثر في فهم هذا النشاط، لكي نستطيع أن نوظّفه لمصلحتنا، بحيث نستفيد منه في حياتنا العائلية، والاجتماعية، والمهنية. فمثلاً، تذكّر بعض الأدبيات الإعلامية مجموعة من المبادئ التي تتعلق بالاتصال الشخصي، وهي مبادئ تكاد تكون ثابتة، ومستقرة. وسأتناول أربعة مبادئ، أراها مهمة، ولها تأثيرها الإيجابي أو السلبي، بحسب تفاعلنا معها.

المبدأ الأوّل هو "الاتصال الشخصي لا يمكن تفاديه "تجنبه"، وهذا مبدأ غاية في الأهمية، لأنّ بعض الأشخاص يظن أنّه يمكنه "وقف" أو "تجنب" التواصل مع الآخرين، وهذا غير صحيح بالمرة، لأنّه حتى عندما نحاول أن نتفادى الاتصال مع الآخرين، فإنّنا في الحقيقة، نتواصل معهم، لأنّه كما نعرف، فنحن نتواصل ليس من خلال الكلمات فحسب، بل نتواصل بالإيماءات، والإشارات، والحركات، حتى من خلال اللباس وطريقة المشي أو الجلوس، أو النظرات، وغيرها من أدوات لغة الجسم. فنحن حتى لو لم نتكلّم، فنحن نتكلّم، ونحن حتى لو لم نتواصل، فنحن نتواصل، لأنّ كلّ شيء محسوب علينا، وكلّ شيء يتم تأويله وتفسيره من قِبَل الآخرين، فلذا إن لم تود حقيقة أن تتواصل مع الآخرين، فاجلس في بيتك، ولا تغادره بتاتاً، لكن الطريف أنّه حتى لو أغلفت بابك دونك، فسيفتقدك الناس، وسيسألون عنك أهلك! أرأيت أنّه حتى اعتزالك الناس، إنما هو تواصل، لكن بطريقة غير مباشرة.

المبدأ الثاني هو "الاتصال الشخصي لا يمكن إعادته إلى الوراء"، فالضرر الناتج عن التواصل الخاطىء، قد وقع، وستبقى آثاره، حتى وإن تم الاعتراف بالخطأ، وتقديم الاعتذار، وطلب العفو، لأنّنا نتواصل مع الآخرين من خلال "سجلات الزمن" التي قضيناها مع هذا الشخص، وبالتالي فنحن لا نتواصل معه من فراغ، بل كلّ يوم نضيف شيئاً إلى "أرشيف" علاقتنا معه، ولذا لا يمكن إرجاع الاتصال إلى الخلف، ومسح "السبورة"، لأنّه لا يمكن محو التواصل السابق معه. نعم نحن نخطىء ونصيب، والاعتذار من شيم الكبار، لكنك لا تستطيع محو ما صدر عنك من أخطاء "خاصة إذا كانت قاسية"، ولذا علينا أن ننتبه حين نتواصل مع الآخرين، خاصة في القضايا الحساسة، والمصيرية، حتى لا نرتكب خطأ في التواصل معه، ويصبح من الصعب أن نزيل آثار ذلك الخطأ.

المبدأ الثالث "الاتصال الشخصي مسألة معقدة"، فالاتصال مع الآخرين فيه الكثير من الحيثيات والمعطيات، والتفاصيل، والمتغيرات، لأنّ لكلّ موقف ظروفه، وطبيعته، ومع أنّك أنت نفس الشخص، لكن تواصلك مع الآخرين يختلف بحسب طبيعة شخصياتهم، وعلاقاتهم بك، وزمان ومكان الاتصال، ومزاجك ومزاج الشخص الآخر، ونفسيتك، ونفسية الشخص الآخر، بل حتى ثقافتك وخبرتك، وتعليمك، والبيئة التي جئت منها، واستخدامك للمفردات، وما تعنيه لك، قد لا تكون بالضرورة متطابقة مع الشخص الآخر. إنّها تفاصيل كثيرة ومتشعبة، تتدخل بعملية الاتصال، لكن أغلبنا لا ينتبه لهذه التفاصيل، ثم نستغرب من رد فعل الآخرين تجاهنا! كلما كان الأمر الذي نريد إيصاله للآخرين مُهما لنا، ينبغي علينا حينها أن نتأكد من وصول الرسالة بالطريقة التي نريد، أو العكس حين نتلقى طلباً من الآخرين، يجب أن نتأكّد من أنّ فهمنا مشترك حول الموضوع الذي نتناقش حوله.

والمبدأ الرابع والأخير هنا هو "الاتصال الشخصي وله سياقه الذي يسير فيه"، فالاتصال مع الآخرين لا يتم في فراغ، بل لابدّ له من محيط، وسياق يسير فيه، وضمنه، ولهذا السياق قيمة كبيرة، لأنّه يضيف لمعنى الاتصال معاني أخرى، بحيث يغدو معه الاتصال أوضح، وأشمل، وأكمل: وبعض الناس يهتم فقط بالرسالة نفسها: بالكلمات المنطوقة أو المكتوبة، دون أن يعير السياق أي اهتمام، أو تقدير، مما يعرض الرسالة المراد إيصالها للتشويه، والنقص، والخلل. لذا فإنّ القلة ينتبهون للسياق، وهم فقط الذين يستطيعون أن يتواصلوا بنجاح وفعالية.

هذه بعض المبادئ الاتصالية التي أزعم أنّها مهمة، وهناك الكثير من المبادئ الاتصالية الأخرى، ويمكن للقارئ الكريم أن يبحث عنها في مظانها.►

 

المصدر: مجلة الكويت/ العدد 383 لسنة 2015م

ارسال التعليق

Top