محمد رضا
خصائصها – حاجاتها – مشاكلها..
حينما تريدأن تعالج أيّة حالة أو مشكلة. لابدّ من دراسة الأبعاد المختلفة التي تحيط بها، قالطبيب قبل أن يصف الدواء، يلجأ إلى معرفة ظروف الداء، كي يأتي العلاج ملائماً وشافياً. ونحن حينما نريد أن نعالج قضايا مصيرية، فالمحور الذي يجب أن نركز عليه هو الإنسان، والإنسان، الذي له دور في صنع الأحداث أو تطويرها أو تغييرها، هو نتاج عوامل فطرية ووراثية وبيئية، تفعل في بناء شخصيته عبر مراحل الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة..
ومرحلة المراهقة هي من المراحل الحساسة والحاسمة في حياة الفرد المسلم، أنها تترك بصماتها الواضحة والصريحة في معالم شخصيته المستقبلية. لذا كان من مسؤوليتنا الشرعية أن نفهم الإنسان في هذه المرحلة، ونستوعب حاجاته ومشاكله، كي نرسم الخطط، ونختار الأسلوب، ونحدد الوسيلة التي تجعل منه عنصراً رسالياً متوازناً، فاعلاً ومنتجاً في الحياة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...) (التحريم/ 6).
- تحديد فترة المراهقة:
هناك فرق بين كلمتي "البلوغ" و"المراهقة".
1- البلوغ: هو نضوج الغدد التناسلية واكتساب معالم جنسية جديدة تنتقل بالطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج والرشد.
فالبلوغ هنا يقتصر على ناحية واحدة من نواحي النمو، هي الناحية الجنسية التي تتعلق بالبعد الجسدي فقط.
وبالبلوغ تطرأ على الطفل تغيرات مفاجئة من زيادة في الطول والوزن والحجم، إلى بروز معالم رئيسة تميز جنس الذكور عن جنس الإناث بشكل واضح.
وبالبلوغ الشرعي يبدأ الإنسان بتحمل مسؤولية ما يعدر عنه من أقوال وأفعال ومواقف، فيلزم بالممارسات العبادية التكاليف الشرعية المختلفة الأخرى.
2- أمّا المراهقة فتعني مجمل التغيرات التي تطرأ على كامل شخصية الإنسان، أو هي التدرج نحو النضج البدني والجنسي والانفعالي والعقلي والاجتماعي.
وتحديد فترة المراهقة ليس بالأمر السهل، فهي تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن حضارة إلى اخرى، أيضاً، فقد تبدأ عند البعض في سن التاسعة، وعند البعض الآخر، قد تتأخر إلى سن الثامنة عشرة.
في المناطق الحارة تبدأ متقدمة، وفي الباردة تأتي متأخرة.
في بعض الحضارة البدائية ينتقل الطفل مباشرة من الطفولة إلى الرشد، فأبناء وبنات الثالثة عشرة والرابعة عشرة يشرعون بتحمل مسؤوليات الراشدين، فيتزوجون ويؤسسون أسراً مستقلة، ويجنحون بذلك إلى الاستقرار النفسي والاستقلال الذاتي في تأمين متطلبات حياتهم المعيشية.
أما في مجتمعاتنا الحاضرة حيث الظروف الحياتية أصبحت أكثر تعقيداً، والمسؤوليات أكثر صعوبة.. فإن فترة المراهقة من الطبيعي أن تطول، ما يصاحب ذلك مشكلات نشاهد بعضها في واقع المراهقين والمراهقات الذين يعيشون الأزمات والمثيرات التي تلاحقهم يومياً، فتسبب لهم القلق وتسلبهم الهدوء والاستقرار.
وعلى الرغم من ذلك، يمكننا أن نحدد متوسط مرحلة المراهقة بين طرفي العاشرة والثامنة عشرة، وفي المجال التعليمي بين نهاية المرحلة الابتدائية وأواسط الحياة الجامعية.
- حاجات المراهق:
يقال إنّ مرحلة المراهقة تمثل فترة قلق واضطراب وصراع في عمق الشخصية الإنسانية، ولكن هذا القول لا يشير إلى الحقيقة كاملة، فالقلق والاضطراب والصراع في معظمه ينشأ من التناول الخاطىء لحاجات المراهقين النامية. صحيح أن هناك مشكلات تفرزها التغيرات الجسدية والعقلية والنفسية.. المفاجئة، لكن هذه سرعان ما تتلاشى إذا استطاع المجتمع أن يواجهها بحكمة وموضوعية وواقعية. لذا كان من المفيد أن نفهم تعقيدات هذه المرحلة، حتى نساعد المراهقين على الانتقال الحسن إلى سن الرشد بأقل قدر مستطاع من التوتر والقلق.
ولكن ما يؤلم هو أنّ الكثيرين من الأهل والمربين بسبب سوء فهمهم لحاجات وخصائص هذه المرحلة، يشعرون المراهقين والمراهقات بالإحباط، ويمارسون عليهم سياسة الإذلال مما يؤدي إلى سوء تكيف مع الواقع الجديد.
فما هي حاجات المراهق الجديدة في هذه المرحلة؟
1- الحاجة إلى المكانة:
الطفل بانتقاله من الطفولة إلى المراهقة يطمح إلى أن تكون له مكانة في جماعته، أي أن يكون موضع اهتمامهم واحترامهم وتقديرهم. إنّه يتوق أن تكون له مكانة الراشدين، وأن يتخلى عن موضع كطفل لا مكان له بين الكبار.
أنّه بدأ يشعر بأنّه أصبح مماثلاً للرجال، على الآخرين أن يحترموه ويقدروه ويستمعوا إلى آرائه، ويأخذوا بأفكاره، وحتى يكون مماثلاً لهم نرى المراهق يحاول أن يقلد الكبار فيلجأ إلى التدخين مثلاً، أمّا المراهقة فنلاحظها تحب لبس الأحذية ذات الكعب العالي، وغير ذلك من الأمور التي تمارسها المرأة الراشدة.
المراهق حساس وحريص على أن لا يعامل معاملة الأطفال، أو يطالب بأعمال تختص بالصغار، لذا كان من واجب الأهلين والمربين أن يولوا هذه الناحية أهمية كبيرة، فيحرصوا على توفير المكانة اللائقة لكل مراهق أو مراهقة، فالذي يوفر له المكانة الاحترام في بيته ومدرسته ومجتمعه قلما يكون مشكلة عند الآخرين.
2- الحاجة إلى التحرر والاستقلال:
والمراهق من خلال شعوره بمكانته وقيمته، يطمح إلى الحرية والاستقلال، فيتوق إلى التخلص من قيود الأهل والمعلمين، وإلى أن يكون حرّاً مسؤولاً عن نفسه وتصرفاته. إنّه يحاول الانفصال عن أخوته الصغار فيطالب بغرفة خاصة يمارس فيها شؤونه الخاصة بمعزل عن رقابة ووصاية أحد.
والمراهق حريص أيضاً على أن لا يظهر تعلقه الشديد بأسرته واعتماده عليها، ففي حين نرى الطفل لا يمانع في زيارة أهله لمدرسته، فإنّ المراهق يكره ذلك كراهية شديدة لأنّه يعتبر أن مثل هذه الزيارات دليل على الوصاية عليه.
المراهق يطمح إلى المكانة والاستقلال، وبعض الآباء والأُمّهات والمربين يهملون هذا الطموح أو لا يفهمونه، فيرتكبون بحقه أخطاء فادحة، فيصرّون على التعامل الطفولي معه، فيوبخونه من أجل أبسط الأخطاء، ثمّ يخططون له أعماله، ولا يحملونه أي لون من ألوان المسؤولية، وتكون النتيجة واقعاً سيئاً على شخصية المراهق الذي غالباً ما يميل إلى أحد الأمور التالية؛ التمرد أو الانطوائية أو الانحراف.
أنّ المراهقين الذين نفتح لهم أبواب الحياة الاستقلالية، ويحملون تدريجياً بعض المسؤوليات ويعاملون معاملة الراشدين.. هؤلاء سيقومون بأعمالهم على أحسن وجه، وسيظهرون في حياتهم قدرة على الانجاز والإبداع، بالرغم من أنهم قد يخطئون أحياناً.
3- الحاجة إلى فلسفة:
ببلوغ مرحلة المراهقة تكون قدرات المراهق العقلية قد تفتحت، فانتقل من مرحلة الإدراك الحسي إلى التفكير المجرد، واتسعت معارفه النظرية وخبراته العلمية.. مما عزز ثقته بنفسه، والتي حاول أن يؤكد تكاملها بالبحث عن تبني فلسفة تحد سبيله في الحياة وتلبي ميوله وحاجاته الجديدة، لذا نراه يظهر اهتماماً جدياً بالحياة والكون، فيطرح أسئلة عن الدين والله والمثل العليا والسياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها.
وأثناء بحث المراهق عن عقيدة تؤكد ذاته، وتستجيب لرغباته، نراه يمر بفترة صراع عنيف، يتأرجح خلالها بين الإيمان والألحاد والشك واليقين. هذا الواقع النفسي هو ما شجع مختلف الأحزاب العقائدية والحركات الفلسفية الهادفة، إلى أن تركز في نشر دعوتها على المراهقين والمراهقات، فتستغل عطشهم إلى فلسفة مرضية، لتحاول بأساليب ووسائل محددة كي تدخل عالمهم، وتنفذ إلى أعماقهم، وذلك بالاستجابة إلى حاجاتهم الأساسية من توفير المكانة لهم، وفتح أبواب الحياة الاستقلالية أمامهم، والثورة على كل ما يقيدهم ويحدّ من انطلاقهم، كما تركز أكثر على دغدغة غرائزهم الجنسية بما تحوطهم به من إغراءات ومثيرات.
ومن أجل كل هذه الأمور، خدع بعض المراهقين والمراهقات، فاعتقوا هذه المذاهب بدون وعي، ثمّ ما لبثوا أن تخلّوا عنها بعد فترة، حينما عاشوا زيفها المتمثل بالممارسات الشاذة المنحرفة التي تثير النفور والاشمئزاز.
لذا كانت مسؤوليتنا كبيرة في احتضان هؤلاء المراهقين، بالأسلوب الرصين الهادىء، الذي نستطيع من خلاله أن نبني القناعات الصحيحة، ونركز الأخلاق القوية، وننشر المثل السامية التي تخرجهم من دوامة الصراع والقلق إلى ساحة الاستقرار والطمأنينة.
أن نبني القناعات التي توثق علاقتهم بالله تعالى، فيراقبون، ويحسون بحضوره فيما يقولون ويفعلون ويمارسون، مما يخلق عندهم الوازع الداخلي الذي يجعلهم يمتثلون بصورة عفوية إلى كل ما شرع الله وأمر.
والجدير بالذكر أنّ المراهق إذا ما آمن، فإن إيمانه يمتاز بالصدق والإخلاص، مما يثير فيه الحماس العاطفي والاندفاع النفسي إلى كل ما يفرضه عليه الدين، فيجاهد ويضحي بماله ونفسه، لا يرجو من خلال ذلك سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى. هذا الواقع هو ما يجسده هؤلاء في العمليات الفدائية أو الاستشهادية التي لا يقدم على معظمها إلا هؤلاء المراهقون المؤمنون المخلصون.
وخلاصة القول: أن مسؤوليتنا كبيرة في كسب ودّ هذه الفئة الضامئة والعمل على مساعدتها في الخروج من دوامة الصراع الذي تعيشه، وإعانتها على اكتشاف نفسها وسر وجودها، وبالتالي تكوين نظرتها الصحيحة إلى الله والحياة، وما يجب أن تكون مواقففها منهما.
- الحاجات الجنسية:
بالإضافة إلى الحاجات المعنوية السابقة، هناك حاجات جسدية تولدها الغدد التناسلية التي تفرز حاجات جنسية تلح على الإنسان بالاستجابة لها، ولا يمكن الاستجابة لها إلا ضمن إطار قوانين شرعية قد لا تسمح الظروف بتطبيقها، لذا قد يقع المراهق في مأزق حرج، وتحدٍ خطير، يخلق حالة من الصراع والقلق لديه.
فكيف يمكن ان نخفف من وطأة هذه الحاجة الملحة، ونهون من حالة القلق والصراع؟.. انّ الدواء الناجع يتمثل بالتربية الإيمانية من جهة والتربية الجنسية الموضوعية من جهة أخرى. التربية الإيمانية التي تربط الإنسان بالله تعالى، فتوثق علاقته بأوامره وأحكامه التي تجعله يتقبل القيود الشرعية والضوابت الخلقية بكل عفوية. فيصرف التفكير بجدية ولو مؤقتاً على الاستجابة لهذه الحاجة بالصبر والانشغال بأمور دينية واجتماعية ورياضية نافعة.
أمّا التربية الجنسية الموضوعية فباستطاعتها أن تساعد المراهق على حل كثير من مشكلاته الحساساة، التي لو تركت وشأنها دون ضبط وتوجيه، فيمكن أن تؤدي إلى انحرافات وممارسات يكون لها ردود فعل سلبية على صحته كفرد، وعلى سلامة مجتمعه كمجموع. وفي إمكان البيت والمدرسة العمل على مساعدته بالأسلوب الرصين وبالوسيلة المقنعة، اللذين يتمثلان بالنقاط التالية.
1- الإرشاد السليم والتوجيه الصالح حتى يتمكن من التغلب على الصراع النفسي في هذه الفترة، والتربية الجنسية الموضوعية تعتبر من أنجح الوسائل للوصول إلى هذا الهدف.
2- التربية الجنسية تساعد الطفل على مواجهة مشاكله الجنسية مواجهة واقعية، فيعتبر نفسه عادياً كغيره من الناس.
3- عدم إحاطة الناحية الجنسية بطبقة من التحريم، بحيث لا يجوز الخوض في الحديث عنها، لأن ذلك قد يدعوه إلى أن يستقيها من مصادر غير صحيحة.
4- التحذير من مظاهر النفور قد يولد لدى المراهق الشعور بالذنب والخطيئة، لذا كان من الضروري أن نجيب بجدية عن مختلف أسئلة المراهقين، حتى يستطيعوا أن يجتازوا هذه المرحلة بسلام، وبأقل قدر من الصراع والأزمات.
ونلاحظ أنّ الكتب الفقهية (الرسائل العملية: تعالج جانباً من هذه الموضوعات بصرحة ووضوح كي يتبين المراهق طريقه السليم الذي أراده الله له (الجناية، الحيض، الزواج..) وفيما يختص بالحاجات الجنسية، من المؤسف أنّ الوضع الاجتماعي الحالي يما يكتنفه بعض أوساطه من إنحلال وتهتك وإباحية تظهر في الشارع والمسبح والدائرة، تبرز على صفحات الجرائد والمجلات والكتب ووسائل الإعلام.. كلها تحمل معها المثيرات التي تخاطب الغريزة وتستثيرها وتؤججها، وهذا ما يجعل موقف المراهق صعباً، حيث يعيش حالة الصراع بين المثل الدينية والغرائز الحيوانية، كل واحد منهما تحاول أن تشده إليها. لذا كان من الواجب تحصين المراهق من عدوى هذه المثيرات، بأبعاده عنها أوّلاً، وثانياً أن نولّد فيه الوازع الديني الذي يخلق لوناً من المقاومة الذاتية التي تثير فيه الاشمئزاز من كل الأوضاع المتهتكة والمنحلة.
وثالثاً، نحاول أن نفسح أمامه مجالات العمل في النشاطات الدينية والاجتماعية الكشفية والرياضية التي تملأ له أوقات الفراغ التي يستغلها الشيطان لتحريض الإنسان نحو الممارسات المنحرفة وتبريرها.
هذه اهم الحاجات التي تلح على المراهقين والمراهقات في هذه المرحلة، وهناك بالإضافة إليها بعض المشاكل الانفعالية والاجتماعية التي قد تنشأ من تعقيدات هذه المرحلة.
ارسال التعليق