لقد كانت الزهراء (عليها السلام)، صورة فريدة للكمال الإنساني في جانبه النسوي... جمعت كلّ معاني العظمة والفضيلة والشرف والكمال. كانت تريد أن تكون ابنة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) روحاً وأخلاقاً وتقوىً وعبادةً وصلةً بالله وانسجاماً مع تعاليمه، قبل أن تكون ابنة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) جسداً وقرابة. كانت تريد لأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجد في بيتها المتواضع زهد الرسالة، وروحانيّة الإيمان، وبساطة العيش، وقناعة النفس، وصفاء الروح كمَثَلٍ حيٍّ للبيت المسلم الذي يعيش الأجواء الإسلامية، ويتنفّس في جوٍّ إسلاميٍّ خالص، وهكذا انطلقت لتكون مَثَلاً أعلى للمرأة المسلمة، في قداستها، وطهرها، وعبادتها المنقطعة النظير. وتنطلق السيرة لتحدثنا عن الحسن البصري، حول عبادة الزهراء النموذجيّة فيقول: ما كان في هذه الأُمة أعبد من فاطمة (عليها السلام)، إنّها كانت تقوم حتى تتورّم قدماها. وتمتدّ القضية إلى أبعد من ذلك، فهي لا ترضى بعبادتها أن تختص نفيسها بالدعاء أو تحتكر لذاتها القربى إلى الله.. كنت تتضرّع لربّها من أجل الآخرين.. وتحاول أن تطلب الخير للمؤمنين والمؤمنات، قبل أن تطلبه لنفسها. هذا هو ما يحدّثنا به ولدها الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام) قال: «رأيتُ أُمّي فاطمة (عليها السلام) في محرابها ليلةً، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتّضح عمودَ الصبح وسمعتُها تدعو للمؤمنينَ والمؤمناتِ وتُسمِّيهم وتكثرُ من الدعاءِ لهم، ولا تدعو لنفسِها بشيءٍ.. فقلت لها: يا أُمّاه لِمَ تَدعينَ لنفسكِ كما تَدعينَ لغيرِك؟ فقالت: يا بُنَيَّ الجارُ ثمّ الدار».
هذه المرأة هي النَّموذج الأكمل للمرأة، وهي التي أعطاها الله ـ كما أعطى أباها وزوجها وابناها ـ الطّهر كلَّه. وعندما ندرس حياتها (عليها السلام)، نجد أنّها كانت حياة المعاناة كلِّها، لأنَّها عانت كلَّ الآلام مع أبيها في مكَّة، عندما رأت المشركين يضطهدونه ويحاصرونه ويتكلَّمون عليه بالسّوء ويقفون ضدّ دعوته، وعاشت مع أبيها في المدينة وهي ترى القوم يحاربونه من كلِّ جانبٍ ليُسقطوا رسالته وليُضعفوا قوَّته، وليمنعوه من أن يجعل رسالة الله منفتحةً على الإنسان كلِّه، وعاشت مع زوجها الفقر كلَّه في كلِّ المعاناة، وعاشت معه جهاده وهو يجاهد في سبيل الله، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرجها بين وقتٍ وآخر في بعض مواقع الجهاد، لتعاون وتساعد في ذلك كلِّه، وعاشت المعاناة كأقسى ما تكون المعاناة بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في حزنها الكبير عليه، وفي حزنها الكبير على الأمّة، وفيما لاقته من اضطهاد الأمّة لها ولحقّ زوجها بطريقةٍ وبأخرى. ولكنَّها مع ذلك كلِّه، كانت القويّة في نفسها، والقويّة بربها، والقويّة في منطقها، والمسؤولة في كلِّ ما تعلّمته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيما ألهمها الله إيّاه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق