• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

في فهم العلاقة بين أمريكا وإيران..

د. أماني القرم

في فهم العلاقة بين أمريكا وإيران..

حتى نستطيع فهم منحنى سير الأحداث بين واشنطن وطهران منذ مقتل المسؤول العسكري والأمني الأقوى في إيران والعراق وسوريا ولبنان قاسم سليماني، يجب أن نقرأ برويّة منطلقات العلاقة بين الطرفين ونضع في الحسبان أنّه على الرغم من كون إيران دولة إقليمية كبرى إلّا أنّ تضخيم خطرها وقوّتها العسكرية وحرّية حركتها شرقاً وغرباً ليس معناه دائماً الحقيقة. فيما الولايات المتحدة دولة عظمى بمعايير عالمية اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، وعليه هناك حدود وقيود للأُولى تضعها الثانية.

تتجه إستراتيجية النظام الإيراني منذ وجد (أيّاً كان شكله) إلى شيء واحد هو تأمين استقرار الخليج من خلال نظام إقليمي تقوم فيه إيران بدور القائد المهيمن الطارد لأي قوى أُخرى من خارج المنطقة. وهذا مردّه عقيدة في الوجدان الإيراني وإيمان بعظمة الدولة الفارسية وقدرتها التاريخية والجغرافية وبأنّها الدولة المُثلى لقيادة الإقليم. وقد ترسخت هذه العقيدة بفضل التحولات في المنطقة، ليس فقط منذ عام 2011 وإنّما منذ سقوط صدام حسين 2003 الذي كان يُعدّ حائط الصدّ للتغول الإيراني. ارتبطت العقيدة الإيرانية بميزتين تتفرد بهما عن باقي دول المنطقة: الأُولى نمط سلوكي تاريخي يميل للتوسع واقتناص الفرص والبحث عن مكامن الضعف في الدول المجاورة لتملأ الفراغ. والثانية: حينما تتحرّك إيران تقيس الأُمور في الميزان من حيث  طبيعة القوى في الإقليم ومزاجها، حجم الثمن ومقدار المنافع.

 ولهذا رغم الصوت العالي والشعارات الضخمة، فمعظم السياسات الإيرانية ذات نهج براغماتي وواقعي، ممّا يعني شدّة الحذر في الأزمات والأوقات الحاسمة. أيضاً أهدافها الثورية تجعلها تبدو وكأنّها على خلاف دائم مع الولايات المتحدة والغرب، إلّا أنّه من الصعب أن تجدها تندفع بتحركات لا عقلانية تضطرها إلى خسارة مضاعفة! وإنّما تتحرّك في المساحة المفتوحة أمامها وتتراجع تكتيكياً حين الشعور بقرب زيادة الخسائر.

في المقابل، ترى الولايات المتحدة، منذ الثورة الخمينية 1979، في النظام الإيراني تهديداً مباشراً ومستمراً لمصالحها في المنطقة ولحلفائها. لأنّ خطورة إيران لا تقتصر فقط على ثنائية العلاقة بين الطرفين، بل للتداعيات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تأخذ معها المنطقة بأسرها إلى ما لا يُحمد عقباه.

ولهذا فالإدارات الأمريكية على اختلاف نهجها، ستستمر في التعامل مع إيران في محيط  ثلاثة أهداف واضحة ومتشابكة:

الأوّل- منع إيران من أن تصبح دولة نووية:  حيث تعمل  الولايات المتحدة بمختلف الوسائل كالعقوبات والعزل السياسي والدبلوماسي للحدِّ من قدرات إيران في تطوير أي تكنولوجيا نووية حتى ولو كانت سلمية كما تدّعي إيران. لأنّ هذا الأمر سيعزّز من قدرة الدولة الإيرانية ويزيد من نفوذها وتحقيق هيمنتها ويمكن أن يقود المنطقة إلى سباق نووي.

أمّا الثاني فهو حماية الحلفاء الخليجيين وإسرائيل. فالنظام الإيراني في شكله الحالي بمثابة تهديد مستمر للدول المجاورة له، حيث تزداد خطورته بفعل ارتفاع مستوى سياساته الاستفزازية وتدخلاته، هذا من ناحية. أيضاً بفعل مستوى التقارب والتهديد بين طهران وواشنطن من ناحية أُخرى. فكلا الأمرين (التقارب والتهديد) سيّان للدول المجاورة لأنّ مستوى التقارب معناه التخلي عن الحلفاء المنافسين، وزيادة التهديد معناه تعرّضهم لضربات انتقامية من إيران.

والثالث: تأمين مضيق هرمز وتدفق النفط. ولأنّ إيران، كما سبق القول، تحاول الحفاظ على ما تبقى من مكتسباتها وتقرأ حسابات الربح والخسارة بتمعن فإنّها تعلم أنّ إغلاق المضيق هو خطوة جنونية سيجعل العالم يتحدّ ضدّها ويعرّضها لفتح كلّ الملفات وفقدان كلّ المكتسبات. 

من تلك الحدود أو القيود يمكن فهم أين سيصل مستوى الأحداث بين الولايات المتحدة وإيران في الفترة المقبلة. مع ملاحظة أنّ الحظ كان له دور في الأحداث فبعد أن كانت إيران تحاول جني مكاسب خسارتها لسليماني، أصبحت في مرمى الاتّهام والانتقام عالمياً بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية وسقوط مصداقية طهران معها!

ارسال التعليق

Top