• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شراء الكتب.. لزوم الثقافة أم الوجاهة؟

شراء الكتب.. لزوم الثقافة أم الوجاهة؟
◄كثيرون يشترونها ويكدّسونها ولا يقرأونها نشهد معارض الكتب في بلادنا العربية إقبالاً جماهيرياً لا تخطئه العين، حيث تسجل المبيعات أرقاماً لا بأس بها. ومع هذا، فإنّ الإحصاءات تشير الى أن الطفل العربي لا يقرأ سوى 6 دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة للطفل الغربي.. فلماذا إذاً نشتري الكتب؟
لعلَّ في "قصة من الحياة"، التي كتبها الكاتب الراحل عبدالوهاب مطاوع، ما يُشير الى أن بعض الذين يشترون الكتب لا يقرأونها. ففي القصة، تحدثت السيدة كاتبة الرسالة عن مُعاناتها مع زوجها، الذي يُنفق ما يقارب ثلاثة أرباع راتبه الشهري على شراء الكتب، التي لا يقرأها ويبقيها بعد إحضاره لها إلى بيته في أكياسه، لتُشكل بالتالي إضافة أخرى الى أعداد كبيرة من الكتب التي إشتراها في سنوات سابقة، حتى ضاقت مساحة البيت. وقديماً، قال الفيلسوف الألماني شوبنهور :"إن إمتلاك المرء الكتاب، لايعني بالضرورة إمتلاكه ما يتضمنه من معارف". من هنا، لمذا نذهب ونُتعب أنفسنا بالتجوال في أروقة معرض الكتاب كل عام؟ ولماذا نشتري الكتب التي تتكدس فوق رفوف وطاولات منازلنا؟ وهل الأمر لزوم القراءة أم مُجرد وجاهة؟

3 آلاف كتاب
يؤكد نبيل عبدالعال (أستاذ جامعي) أنه من هواة الذهاب إلى معارض الكتب، بل يكشف أن لديه مكتبة عامرة بنحو 3 آلاف كتاب. ولكن هل هو قارىء لهذه الكتب أم لا؟ يجيب قائلاً :"سأكون صريحاً معكم، أنا من هواة شراء الكتب، خاصة المتعلقة بالدين والسياسة، وحريص جداً على الذهاب الى معارض الكتب، ولكنني مُقل جداً في القراءة، بل إن مكتبتي المليئة بالكتب لا أقترب منها إلا من أجل إعادة ترتيبها، وقد إستمرت بي الحال على هذا النحو منذ عشر سنوات تقريباً: أشتري الكتب وأكدسها في مكتبتي، لكنني لا أقترب منها نظراً الى ضيق الوقت، الذي يضيع بين الكتب العلمية والجلوس أمام الإنترنت". ويضيف :"لو سألني أحد: لماذا أشتري الكتب ولا أقرأها؟ سأجيب: إنها الرغبة في أن تكون لدي مكتبة ثقافية متنوعة في بيتي، قد تنفع أبنائي في المستقبل".

مضطراً
تحول الذهاب الى معارض الكتاب إلى "عادة" بالنسبة إلى ناصر حسن (موظف)، الذي يقول :"أذهب الى معارض الكتاب لأنني إعتدت الذهاب إليها مع أصدقائي". ويشير إلى أن "أحد أصدقائي" مُغرَم بشراء الكتب، ويقرأ كثيراً، ويشتري عدداً كبيراً من الكتب في كل مرة يزور فيها أحد معارض الكتاب. عندها، أجد نفسي مضطراً الى مُجاراته في شراء الكتب مثلما يفعل، على أمل أن ينتفع أبنائي بتلك الكتب مستقبلاً، أو أن ياتي الوقت الذي يُتيح لي قراءتها".

وجاهة
أما نجوى عبدالعظيم (مديرة في إحدى الشركات)، فتعترف بأنها لا تذهب كثيراً الى معارض الكتاب، لافتة الى أن "هناك من يذهب لشراء الكتب من منطلق الوجاهة وليس حب القراءة، فقد يشتري لمجرد أن صديقاً له اشترى مجموعة من الكتب.. أي أنه يفعل ذلك مسايرة منه للشلة".

ترفيه
بدوره، يقول نصر محيي الدين (مهندس) بصراحة :"أنا أذهب الى معرض الكتاب ولديَّ رغبة في الشراء والقراءة، ولكنني أيضاً أعتبر الأمر بمثابة مسألة ترفيهية، نظراً الى تعدد الأنشطة الترفيهية التي باتت تصاحب معارض الكتب". ويضيف:"الحقيقة أنني أشتري ولا أقرأ، وتتكرر الحكاية في كل عام، أشتري وأنا متحمس للقراءة، ولكنني لا أقترب من المكتبة". ويقول :"كثير من أقاربي لديهم مكتبات في منازلهم، لذلك، فإنه من العيب أن يكون بيتي بلا مكتبة، وقد يأتي اليوم الذي أقرأ فيه، خاصة أن الكتب التي أشتريها محببة بالنسبة إلي، فأنا أحب السياسة، ولدي العديد من الكتب المهمة، ولكن لا وقت للقراءة".

زينة
سبب عجيب يقف وراء شراء ثناء محمد (موظفة علاقات عامة، متزوجة) الكتب التي تعترف بعدم الاقتراب منها أو قراءتها، تقول :"لقد سمعت أكثر من إنتقاد من قبل بعض الأصدقاء والأقارب، بسبب عدم وجود مكتبة في البيت، على الرغم من أن لدي 3 أطفال، والحقيقة، أنني قمت بشراء مجموعة من الكتب التي أصبحت مجرد زينة، ذلك إن أطفالي لا يتركون أجهزة الكمبيوتر". وتضيف :"أما أنا، فما بين العمل وحاجات البيت، لا وقت لدي للقراءة". وتختم ثناء قائلة :"قد يأتي اليوم الذي أقرأ فيه هذه الكتب.. لا أحد يعلم".

خديعة
أثناء زيارته أحد معارض الكتب، تعرض خالد الطويل (مهندس) لخديعة كبرى، كانت السبب في بُعده عن القراءة، وإذ يتحدث عما جرى معه، يقول :"أكثر من مرة كنت أذهب الى المعرض بغرض الشراء، ولكنني تعرضت مؤخراً لخديعة كبرى، حيث إنني اشتريت كتاباً بعد أن جذبني عنوانه المثير. وكالعادة، عدت بعد فترة الى قراءته، فوجدت أن مضمونه لا علاقة له بالعنوان الموجود على غلافه، الذي كان سبباً مباشراً في إقدامي على شرائه، فألقيت به جانباً ولا أذكر أنني ترددت على أي معرض للكتب بعد هذه الحادثة، فلدي الكثير من الكتب التي لم أقرأها بعد".

قارىء بالصدفة
من جهته، يعتبر سعود خليفة (موظف في أحد البنوك)، نفسه قارئاً بالصدفة، حيث يقول :"أنا أقرأ بالصدفة، فالكتب موجودة في بيتنا والوالدة لها الفضل في إحضارها، لكنني على المستوى الشخصي لا أقرأ كثيراً".

إستعارة
أمّا سلامة الظاهري (طالبة جامعية) فتعترف بأنها لا تذهب الى معارض الكتب، وتقول :"لكني في المقابل أحصل على الكتب وعدم إقباله على قراءتها، يقول :"أنا حريص على الذهاب الى معرض الكتاب، واهتماماتي تتنوع بين السياسة والدين، ولكن والدي لا يشجعني على قراءة أي كتب، بخلاف كتب الدراسة، وهذا ما سبّب لي حالة نفور من إمساك أي كتاب، خارج كتب المدرسة أو الجامعة".. مُشيراً الى أنه "عندما يأتي الصيف، يضيع الوقت في السفر والسهر، ولا أجد الوقت الكافي للقراءة".

الإلكتروني أفضل
من ناحيته، لا يخفي مهند شرفلي (موظف)، أنه يشتري الكتب ولا يقترب منها، ويبدو أن لديه مُبرراته. يقول :"بصراحة، كنت أذهب فقط بصحبة بعض الأصدقاء، أحياناً أشتري بعض الكتب، لكن إكتشفت أنني لا أقرأها، فأنا أميل أكثر الى قراءة الكتب على الإنترنت، فهي متاحة في أي وقت، ولا تحتاج الى مكان في المنزل، خاصة أن بيوتنا لم تعد كما كانت في الماضي". ويضيف :"المساحات ضيقة الآن، لدرجة انني افكر في الاستغناء عن الكتب الموجودة لديَّ، التي لم أفتحها أصلاً، لصديق أو قريب من مُحبي القراءة".

الكتب القديمة
ويقول مجدي طحطح (موظف في مجال التسويق)، إنه ينجذب أكثر الكتب القديمة، ذات الورق الأصفر، التي تعرضها بعض الأجنحة المتخصصة في بيع الكتب القديمة، التي يرجع عمرها الى 50 أو 60 عاماً ويزيد. ويضيف :"عندما أذهب الى المعرض، أبحث عن الكتب القديمة، علماً بأنه لا يهمني العنوان أو شكل الغلاف الخارجي، فأنا أحب قراءة الكتب من هذه النوعية تحديداً". ولكن مجدي يعترف أيضاً، بأنه في كثير من الأحيان يشتري الكتب ولا يقرأها، ويقول :"أعرف بعض الأصدقاء من هذه النوعية أيضاً، أي أنهم يشترون الكتب لمجرد الشراء، وإعطاء الآخرين إنطباعاً بأنهم ينتمون الى شريحة المثقفين، في حين أنهم يضعون الكتب في بيوتهم للزينة".

ابني أولاً
مع إعتراف باسل أبوزيد (رجل أعمال)، بأن كثيراً من معارفه "يشترون الكتب من باب الوجاهة الإجتماعية"، إلا أن له موقفاً آخر على المستوى الشخصي، يقول :"أذهب لشراء الكتب من أجل ابني أولاً (8 سنوات)، فقد اشتريت له موسوعة علمية مخصصة للأطفال لكي أشجعه على القراءة. وبالفعل، أخصص له نصف ساعة يومياً للقراءة قبل النوم". ويتابع :"أما بالنسبة إلي شخصياً، فأنا أسأل الأصدقاء عن أفضل الكتب الموجودة وأقوم بشرائها، وأرفض مايقوم به البعض من شراء الكتب فقط، وليس للإستفادة منها، بل لمجرد أن يشعر بأنه شخص مثقف".

تأنيب الضمير
أيَّا كانت العوامل التي دفعته الى الشراء، فإن من الغريب أن يهب الشخص لشراء الكتب لمجرد الوجاهة وليس الاستفادة، هذا هو ما تتحدث عنه الكاتبة الروائية ريما جبارة، التي تقول :" قد يكون من يقومون بذلك، يشعرون بتأنيب الضمير عندما يذهبون الى معرض الكتاب، سواء أكان بمفردهم أم مع أصدقائهم ومعارفهم، لو لم يقوموا بالشراء مثل الآخرين". وتضيف :"ربما يقرأ الواحد منهم صفحة أو صفحتين من الكتاب، وربما لا يقترب منه نهائياً، وللأسف فإن 90% من العرب لا يقرأون أصلاً". وتؤكد ريما جبارة، أنه "لا قيمة للكتاب الذي أشتريه إذا لم أقرأه"، لافتة الى أنه "على كل شخص أن يبحث عن الوقت الذي يستطيع فيه الجلوس والقراءة، مثل أي شيء آخر في حياته، فالقراءة لا تقل أهمية عن ممارسة أي نوع من الاهتمامات لدى الإنسان". وتنفي جبارة صحة ما ذكره بعض من التقيناهم من الناس، الذين قالوا :"إن شراء الكتب قد يفيد الأبناء مستقبلاً".. موضحة "أن هذا التفسير غير منطقي، لأن الحياة تتغير بسرعة جداً، ووسائل الطباعة تختلف بين يوم وآخر، كما أن الاهتمامات تختلف بين جيل الآباء وجيل الأبناء، فقد يكون الأب قد اشترى مجموعة من الكتب السياسية والدينية، بينما الابن قد يقبل على شراء كتاب يهتم بالطبيعة أو الفضاء، أو غير ذلك من القضايا"، مُشيرة الى أن "تفسير بعض من يقومون بالشراء ولا يقرأون، بأن هذا من أجل الأبناء، هو عبارة عن تبرير غير منطقي".

نية صادقة
في المقابل، ثمة تفسير آخر يُقدمه الكاتب قيس صدقي، الذي يقول :" قد تكون لدى الشخص الذي يشتري الكتب، نية صادقة لحظة الشراء، وربما تكون لديه رغبة حقيقية في القراءة وقتها، ولكن ظروف الحياة قد تمنعه من القراءة وقتها، فالضغوط الحياتية باتت أكثر من ذي قبل، ما يجعل الكتب حبيسة الأرفف والأدراج، الى أن يجد الشخص الوقت المناسب لقراءتها". ويضيف :"هذا يحدث معي أنا شخصياً، فأحياناً وأثناء تجوالي في المعرض، قد يحصل أن يجذبني أكثر من عنوان فأقوم بالشراء فعلاً، لكنني لا أجد الوقت للقراءة في هذه المرحلة، ولكن المؤكد أنني سأعود عندما أجد الفرصة مواتية لقراءتها". ويشير صدقي، الى أن "أجواء المعرض الحماسية، قد تدفع الشخص أحياناً الى الشراء بنية صادقة، وليس للوجاهة كما يتردد".
ويقدم قيس صدقي نصيحة للآباء والأمهات، لحث أبنائهم على القراءة، لافتاً الى أن "موضوع القراءة وتشجيع الأطفال عليها لا يتمان بطريقة عشوائية، ولكنهما يتطلبان من الآباء والأمهات، بذل المزيد من الجهد لتشجيع أبنائهم على القراءة". ويقول :"حتى في مرحلة الحمل تستطيع الأم القراءة لجنينها. لكن المشكلة هي، أن وسائل الترفيه في عصرنا الحالي باتت مُشجعة وجاذبة للأطفال، فقد تكون مشاهدة الرسوم المتحركة، أسهل وأكثر جذباً للطفل من قراءة قصة أو كتاب. والمشكلة الأخرى هي، أننا ننتظر الى أن يكبر الطفل ويصل الى مرحلة القدرة على القراءة، بعد ذلك نطلب منه القراءة.. وهذا هو الخطأ".
مؤشر جيد
من ناحيته، يعتبر الدكتور رضوان الدبسي (مستشار جامعي وعضو مؤسس في "جمعية حماية اللغة العربية") "أن مجرد شراء الكتب يعد مسألة إيجابية" لافتاً الى أن "تدافع الناس الى معارض الكتب، يعتبر في حد ذاته مؤشراً جيداً". ويقول :"أنا أسعد كثيراً عندما أرى أفراد العائلة يحملون الكتب التي قاموا بشرائها وهم فرحون، وأنا أعتبر أن وجود الكتب في البيت هو بمثابة كنز، إن لم يستفد منه الشخص اليوم فيستفيد منه غداً وبعد غد".
ويوضح الدكتور رضوان الدبسي :"أن الناس منذ قديم الزمن يقدرون قيمة الكتاب وأثره، حيث كانت أكبر القصور والمنازل تُخصص ركناً للكتب". ويضيف :"عندما يرى الناس الكتاب، فهذا فيه دافع الى القراءة، وسواء أكان اشترى الشخص الكتاب للقراءة أو لوضعه في المكتبة، فمن المؤكد أنه سيعود إليه في يوم من الأيام، وذلك حسب إهتماماته الشخصية والوقت المتاح له".
  كل عام وأنت بخير
سأل المذيع الساب إحدى السيدات أثناء خروجها من معرض الكتاب قائلاً :"أجدك تحملين كمية كبيرة من الكتب، فهل لديك ما يكفي من وقت لقراءة كل هذا الكم منها؟"، فأجابت السيدة :"إن الكتب التي إشتريتها من معرض الكتاب في العام الماضي، مازالت في أكياسها داخل حقيبة سيارتي حتى الآن".

بعد الرحيل
في مقال له بعنوان :"إقرأ أعمق قبل أن تقرأ أكثر"، في جريدة "البيان"، يقول الكاتب ساجد العبدلي :"مع كوني ممن يقتنون مئات الكتب وممن لا يتوانون عن شراء المزيد منها كلما وقعت تحت يدي، فإن كمية الكتب التي يقتنيها الإنسان، لا تقدم دليلاً يمكن الركون إليه على أن صاحبها من القراء النهمين، أو من طلبة العلم النابهين، فكثير ممن يملكون مكتبات ضخمة تحوي العشرات، قصارى أمرهم أنهم يستمتعون بجمعها وتكديسها، إما كهواية بحتة وإما كمظهر ووجاهة، أو لأي سبب آخر. لكن هؤلاء، على الرغم من كونهم لا يقرأون هذه الكتب التي إقتنوها، يظلون عندي أفضل بكثير من غيرهم. ذلك لأن الواحد منهم سيخلف وراءه شيئاً قد يستفيد منه أولاده حين يرحل، هذا إن كان من هؤلاء الأولاد من جعل الله في نفسه حُب القراءة، منتصراً بذلك على قهر الجينات التي أورثها له أبوه".►

ارسال التعليق

Top