ولا يمكن الحديث عن الثقافة دون توشيجها بالمثقفين الذين هم بُناتها وحماتها ومفجرو قِيمها الإبداعية ورافعوا أعلامها الإنسانية.. وكما أنّ الثقافة التنويرية تُجابه بثقافة العدمية والتخلُّف والإرهاب.. فإنّ المثقف التنويري يُجابه بثقافة العدمية والتخلُّف والإرهاب في طول وعرض مجتمعاتنا العربية!!
وفي مقارنة ميدانية أولية بين نشاط المثقف التنويري والمثقف الظلامي ينحسر المثقف التنويري إلى نسبة تافهة معيبة تنذر بأبعاد ثقافة خطيرة في الميادين الفكرية والإبداعية.. وفي هذا الميدان يأخذ المثقف العربي التنويري أكان كاتباً أو صحفياً ناشطاً اجتماعياً أو أديباً أو فناناً أو مسرحياً أو شاعراً مكاناً بائساً ومتدنياً إذا قِيس بنشاط مثقف الإقصاء والظلام والإرهاب!! وفي ملاحقة ميدانية لملاحق الجرائد الثقافية وأنشطتها الأدبية والفنية تأخذ عدمية الرؤى الثقافية وسرياليتها الذاتية حيزاً يؤرق عتمة الشأن الإبداعي الثقافي ويقيده بأغلال السياسة والعدمية ونرجسيّة الذات التي تُقصيه تماماً عن مسؤوليته الثقافية الإبداعية وأبعادها الإنسانية حتى إن بعض المثقفين "التنويريين" تُطوّح بهم الذاكرة الثقافية تجاه ممارسات قانون أمن الدولة سيئ الصيت ولا يستطيعون أن يُفرِّقوا بين ثقافة ما قبل وما بعد قانون أمن الدولة.. وكأن فتح مشروع الإصلاح الثقافي في الحريات العامة والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة لم يُحرِّك شيئاً من مياه وجدانيتهم الثقافية الملتبسة في ركودها!! الثقافة إلى جانب أنها إنتاج جميل ما يُبدعه الإنسان المثقف.. هي في الوقت نفسه عرفان وإقرار بجميل من يرفع من شأنها ويصون كرامتها في الحرية والديمقراطية والتعددية ويأخذ بيدها ويعيد ذاكرة روّادها ومبدعيها إلى الحياة والذي يُنكر ذلك لا يستحق أن ينتمي إلى إنسانية الثقافة وأبعاد مسؤوليتها في المجتمع.. وعندما تختلط الثقافة الإنسانية بثقافة عدميّة وبربرية الذات ترتكس وتنثال في ظلام الموت والعدم.. من واقع أنها معين تنوع وتعدد وأحلام وآمال وطموحات انفتاح وتضامن وتجاسد إنساني في العقول والأرواح بين الشعوب والأُمم!!إنّ شرّ ما يؤرق الثقافة هو شخصنتها والاستئثار بذاتيتها في عدمية التحذلق السياسي والأيديولوجي وفي الارتزاق على شواطئ الغموض والإبهام اللغويين.. وخلط ذاكرة أوراقها الإنسانية التنويرية الإبداعية في ذاكرة العدمية والإرهاب والتخريب وحرق إطارات السيارات والاعتداء على أملاك الدولة العامة.. وحتى هذه اللحظات لم يضطلع المثقف العربي بنصوص تنويريّة واعدة تُدين الإرهاب والتطرُّف بالرغم من صولات وجولات مثقف الإقصاء والإرهاب في طول الساحة الثقافية وعرضها، وبالرغم من أن نصوص الإقصاء والإرهاب والتفكير هي من أكثر وأشد وأخطر النصوص الثقافية الظلامية التي تستهدف بالدرجة الأولى قلب الثقافة النابض بنور الإنسانيّة والإبداع.. وقد بلغ اللّغط الثقافي بأحد الملاحق الثقافية في تدبيج صورة تشكيلية في صدر الملحق تُشير إلى قبضة يد تقبض على قنبلة يدويّة تتهيأ لإرهاب "الشهادة" باسم الثقافة.. هكذا تُدرج الثقافة من قوى تعنى بالثقافة إلى عدمية وعي الإرهاب والتطرف والتخريب وفي اتجاه عدمي مُبتذل لحقيقة الثقافة التي ترتكز في الأساس على مبادئ التآخي والتسامح والتناصح والتفاهم والتضامن التنويري الإبداعي الإنساني ونبذ الأحقاد العرقية والقومية والطائفية والمذهبية والحرب والاقتتال.. وتكريس الأمن والمحبة والتفاهم والإلفة بين الشعوب على الأرض.►
إقرأ المزيد:-
المثقفون والتفاهم الثقافي
المصدر: كتاب في الثقافة والنقدمقالات ذات صلة
ارسال التعليق