• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

اختلاف الناس.. سر اتفاقهم

اختلاف الناس.. سر اتفاقهم

◄عندما أذهب إلى عملي كلّ صباح، وقبل أن أبدأ العمل، أسجل حضوري في جهاز لمسح بصمة الإصبع كتوقيع يثبت حضوري في الوقت المحدد هذا الجهاز يمسح بصمات العاملين جميعاً وكلّ موظف له رقمه الخاص فلا يتطابق رقم مع رقم، ومن المستحيل أن تتطابق بصمة مع بصمة...

فلمَ هذا الاختلاف... ولماذا جعل الله هذه الأنامل مختلفة البصمات فسبحان من جلت عظمته من جعل كلّ هذه المليارات من البشر مختلفين فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الرّوم/ 22).

-         إذن لم تقوم الدنيا ولا تقعد لاختلاف بين موظف ورئيسه في العمل؟

-         ولماذا نملأ الدنيا ضجيجاً لاختلاف بين أب وابنه وبين أُم وابنتها في طريقة التفكير.

-         ولمَ نصرخ ونستغيث لاختلاف بين زوج وزوجته؟

-         ولمَ يهجر بعضنا أخاه لاختلافه معه في أمور بسيطة؟

-         لماذا تفشل كثير من حالات الخطوبة بين هذا الجيل الواعد..

أليس لاختلاف طريقة العيش وطبيعة التربية بين الشاب والفتاة؟!

ولِمَ يرتفع ضغط الدم ويصاب البعض بأمراض السكري؟.. أليس لاختلاف في صفقة شراء أو مزايدة تجارية أو خسارة مادّية أو اختلاف في ردود الأفعال.

فنحن نعلم جيداً أنّ الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يخلق البشر سبحانه قبض قبضة بيده من جميع الأرض فجاء البشر مختلفون ومتفاوتون بتفاوت الأرض.

فمنهم السهل والصعب والأبيض والأسود والأحمر والخبيث والطيب فالاختلاف هذه نعمة لنا ورحمة في حياتنا.

لم نجعله نقمة علينا وسبباً للشقاء؟ فاختلافنا في طبائعنا وأنظمتنا التمثيلية وأنماط شخصياتنا من النعم الكبيرة والحكمة الإلهية المطلقة في خلقه.

·      فيا مَن ترك وظيفته لاختلافه مع زميله أو رئيسه في العمل...

"الاختلاف فطرة".

وكما يقال: "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

·      وأيتها الزوجة التي شكت زوجها وملت عشرتها لاختلافه عنها في الصفات... اعلمي أنّ هذا الاختلاف هو الذي يوأدم بينكما.

·      فلو كان الزوج حنوناً والأُم كذلك فمن يستطيع أن يكون حازماً وصارماً في تربية الأولاد.

·      ولو كان الزوج بخيلاً وأنت بخيلة فمن الذي سينفق من ماله في سبيل الله ليطهره ويزكيه.

·      أيها الولد المهذب والطالب الذكي قد تسيء معاملة والديك لاختلافهما معك في أسلوب حياتك وعدم رضاهم عن كثرة السهر فيما لا يفيد... أعلم أنّ هذا الاختلاف هو رأفة ورحمة بك وإلّا فمن الذي يوجهك نحو الصواب، ويبادرك النصيحة والتخطيط لحياتك، فلا تستهين بخبرات الأب ولا بصدق إحساس الأُم هذا الاختلاف... هو نعمة من الله وفضل.

"فاسعى دائماً للوصول لنقاط التلاقي في الأمور النافعة، ولا تجعل الاختلاف... منهجاً للقطيعة، ولكن اجعله... طريقاً للتعايش".

فكلّ منا تربى في بيئة، وشرب من منهل، وتعلم من مُعلم، وتقنع بقناعاته فقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود/ 118-119).

فالاختلاف لا يكون أبداً سبباً لقطيعة الأرحام.

ولا يكون سبباً لهجر الأصحاب.

ولا يكون سبباً للحقد والعداوات.

ولا يكون سبباً في الفشل في العلاقات.

ولكن الاختلاف رحمة... الاختلاف حياة.

الاختلاف فطرة... الاختلاف نجاح.

فالعلماء اليوم يقولون أنّ من مهارات التفكير ما يسمى "بالعصف الذهني" وهو من أهم طرق توليد الأفكار، وتعتمد على اختلاف ثقافتهم وبيئتهم وطبائعهم.

حتى يأتوا بأشياء مختلفة فتمزج مع بعضها وتصبح شيئاً جديداً نافعاً. فيقول سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2).

فالاختلاف يكون في أمور الخير والبر والإحسان... لا يكون في الشر، وإنما في طرق تناول الأمور الحياتية.

"اختلاف الناس... سر اتفاقهم". (حذيفة)

وإليكم هذه القصة:

منذ سنوات، قبل أن يجرى إدخال التحسينات على مستشفيات الأمراض العقلية، قام مدير أحد المصحّات: بمرافقة شخصية كبيرة، بينما كانت تقوم بجولة على أقسام المصحة.

وفي النهاية: وصلت جولة الضيف إلى شرفة تطل على الجناح الذي يضم أشد المجانين خطراً.. كان هناك من المجانين: مئة من ذوي الحالات الصعبة والعنف والخطر... وكان يرعاهم جميعاً ثلاثة فقط من الحراس!..

لاحظ الزائر هذه الحقيقة فانتابه الذعر والذهول، واستدار إلى مدير المصحة قائلاً: "ألا تخشى من أن يتألّب هؤلاء المجانين الخطرين على حراسهم؟"

أجاب مدير المصحة بهدوء: "كلا لا أخاف من أمرهم شيئاً.. فالمجانين لا يمكن أن يتّحدوا".

"إذا تقابل رجلان، فإنّ الموجودين في الواقع يكونون ستة أشخاص: فهناك كلّ رجل كما يرى نفسه، وكلّ رجل كما يراه الأخر، وكلّ رجل كما هو فعلاً". (وليام جيمس)

"السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله، فترجوا الله فيهم، لا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفاً من الله لا منهم".►

 

المصدر: كتاب الكفاح بريد النجاح

ارسال التعليق

Top