• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأخوة الإيمانية

عمار كاظم

الأخوة الإيمانية

كيف يريد الله للمجتمع المؤمن الذي يتمثل بالمؤمنين، أن يعيش في سلوكه العملي وفي علاقته بين أفراده؟ وكيف يريد لهذا المجتمع أن ينفتح عليه وأن يؤكد دائماً ايمانه به، وأن يعيش في احساسه ومشاعره الخشية منه، بحيث يتمثل كلّ فرد فيه عظمة الله في نفسه، فيرتعش قلبه لذكر الله، تماماً كما هو الإنسان عندما يتذكر شخصية عظيمة تخاف وترجى؟

في البداية، أراد الله أن ينشئ بين المؤمنين عقد أخوة، بحيث أراد للمؤمن أن يستشعر أخوة المؤمن الآخر، وذلك في قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة» (الحجرات/10)، لان الأخوة الطبيعية تنطلق من الاتفاق بالنسب، ولكن الأخوة بين المؤمنين تنطلق من الإيمان بالله، ومن خلال الارتباط به والعلاقة به، لذلك فهي علاقة أقوى من علاقة الأخوة النسبية، لان الأخوة في النسب ينطلقون من خلال العلاقة بأب واحد، وام واحدة، ولكن الأخوة في الإيمان ينطلقون من خلال خالق، الام والاب، وخالق الناس جميعاً، ومبدع الخلق في القانون الذي يحكم مسألة التوالد والتناسل.

ولذلك، فإن الأخوة في الايمان تنطلق من العقل أولاً، من خلال العقيدة التوحيدية بالله، وتتحرك في القلب ثانياً من خلال المحبة لله، وتتحرك في الحياة ثالثاً من خلال الحركة في طاعة الله.

يعلمنا أمير المؤمنين عليه السلام طريقة معاشرة الناس ومخالطتهم، ولا بد للإنسان من أن يختلط بالإنسان، لانه المدني والاجتماعي بطبعه، وفي نفس كلّ إنسان فراغ يملأه الآخر، ليس فقط بين المرأة والرجل في إحساس المرأة بالفراغ للرجل، وإحساس الرجل بالفراغ للمرأة، بل ان الرجل في حاجة إلى صداقة الرجل الآخر ومودته، وإلى التعاون في الحياة كلها، وكذلك حاجة المرأة إلى المرأة في كلّ ذلك، ولذلك يوجهنا (ع) إلى اسلوب المخالطة، فيقول: «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم»، بحيث تكون مخالطتكم لهم ملأى بالحب والخير والتعاون والمساعدة بالمشاعر الصادقة والطاهرة، فيشعرون بوجودكم الأساسي في الحياة، بحيث لو متم لشعروا بالفراغ الكبير والضياع لغياب هذا الحب وهذا الخير والتعاون، «وان عشتم حنوا اليكم»، واذا غبتم عنهم حنوا اليكم، لان الإنسان يحن إلى من يحب، ويحن إلى ما يملأ فراغ نفسه.

فقدنا في الأيام الماضية، أخاً عزيزاً مؤمناً متديناً هو دكتور ناصر صرخوه، الذي كان مثالاً صادقاً في خلقه الرفيع وتعامله مع الناس وابتساماته التي لا تفارقه ومشاركته لهموم الناس وقضاياهم، شهادة لمستها وسمعتها من كلّ من عاشره وخالطه، كان استاذاً قديراً محباً للقراءة والإطلاع، مؤمناً رسالياً راغباً في تطوير نفسه علمياً وايمانياً وكان مخلصاً في العمل من أجل بلده ووطنه وتفانيه في العمل، لم أره يحقد على أحد وان اختلف معه في الرأي وكان محباً للجميع وقد وصفه من عاشره لمدة 35 عاماً الدكتور محمد الحكيمي في وصف دقيق برسالة ارسلها لي عندما اخبرته برحيل دكتور ناصر «اللهم أعنا على المصاب وألهمنا الصبر.. أيها المؤمن النقي التقي الأمين الصادق الثابت على الصراط في زمن عز فيه الناجون الفائزون وقل فيه الاصدقاء الأوفياء وندر فيه حلفاء النهج العلوي الاصيل فكراً والتزاماً، اللهم أكرم وفوده عليك وأشمله بفيوض لطفك ورأفتك ورحمتك وأسبغ على روحه الزكية ثوابك الغرير وثوابك الوفير وعطفك الكبير»، وفي برقية تعزية تبين حقيقة الأخوة الايمانية بعثها الوالد الغالي العزيز الحاج كاظم حفظه الله ليعزي بالفقيد قال فيها «تلقيت ببالغ الحزن والأسى وفاة المغفور له أخي العزيز المؤمن المخلص لله تعالى أبو محمد الدكتور ناصر رحمة الله تعالى عليه، ولقد آلمني فراقه ولكن ما يخفف المصاب في مثل هذه المحن أن المعزى به هو انسان مؤمن ومخلص وصاحب خلق رفيع».

رحم الله دكتور ناصر صرخوه وأسكنه فسيح جناته وحشره مع محمد وآله الطاهرين وإنا لله وإنا اليه لراجعون.

ارسال التعليق

Top